تشير النتائج الأولية لانتخابات الكنيست إلى تفوق «الليكود» على خصمه «أزرق ـ أبيض»، وإلى تقدم معسكر نتنياهو على خصومه ومنافسيه دون أن يحسم لوحدة مسألة تشكيل الحكومة القادمة، والتي يبدو أنها ستخضع للعديد من السيناريوهات وفقا للتطورات التي يمكن أن تقع في مواقف مكونات المشهد السياسي والحزبي في إسرائيل.
وتشير النتائج أيضا إلى تقدم «القائمة المشتركة» وحصولها على مقاعد أكثر مما حصلت عليه في الانتخابات السابقة، وهي بذلك تعزز موقعها كقوة برلمانية ثالثة في الكنيست. ومن المتوقع أن يزداد دورها فعالية في سياق الحراك الذي سيعقب الإعلان الرسمي عن نتائج الانتخابات.
هذان المؤشران يعبران عن مسارين متعاكسين تماماً، أحدهما يعبر عن المزيد من التطرف والفاشية والعنصرية في المجتمع الإسرائيلي، والثاني يعكس التفاف فلسطينيي الـ 48 حول برنامج الدفاع عن مصالحهم الوطنية والاجتماعية في مواجهة هذا التطرف.
توافرت عوامل عدّة مكّنت نتنياهو وحزبه وكذلك معسكره، من تحقيق هذا الفوز، ويجمع المراقبون على أن إعلان «رؤية ترامب ـ نتنياهو» قبل أسابيع من الانتخابات قد لعب دوراً في تحفيز جمهور المستوطنين وغيرهم من أوساط التطرف للإدلاء بأصواتهم، وبكثافة لصالح الليكود وأحزاب اليمين المتطرف، مقابل الأداء المرتبك لتحالف «أزرق ـ أبيض»، الذي افتقد إلى ما يميزه عن أطراف معسكر نتنياهو، مما جعله يبدو ظلاً لسياسات الليكود ومشاريعه التوسعية، وعلى نحوٍ خاص مشروع ضم الأغوار وشمال البحر الميت إلى إسرائيل.
ومن الطبيعي أن يشعر نتنياهو بأنه حقق فوزاً كبيراً في الانتخابات، التي رفع فيها عدد من الأحزاب والقوائم المشارِكة شعار إسقاطه في مقدمة الأهداف، التي سعت إليها وعبأت جمهورها على هذا الأساس. وهذا يعني بوضوح أن ملفه القضائي بكل ما فيه من اتهامات بالفساد وخرق للقانون أصبح أمام المجتمع الإسرائيلي هامشيا ولامعنى له مقارنة بما يطرحه نتنياهو من خطط لنهب الأرض الفلسطينية عبر ضمها إلى دولة الاحتلال. ولذلك اعتبر عدد من المراقبين أن النتائج التي حققها حزب نتنياهو بمثابة نصر على القضاء قبل أي شيء آخر.
وعلى الرغم من أن نتنياهو لا يستطع تشكيل حكومة بموجب النتائج شبه النهائية إلا أنه يراهن على انتشار جو الإحباط في صفوف خصومه من الأحزاب الصهيونية الأخرى، وعجزهم للمرة الثالثة على التوالي في وضع حد لمسيرته على رأس المشهد السياسي والحزبي الإسرائيلي. وهذا بالنسبة له يفتح بابا واسعا على إمكانية انشقاق ما في صفوف خصومه وانضمام المنشقين إليه بعد تكليفه بتشكيل الحكومة، وقد وعد بشكل مسبق الوزيرة السابقة بيكاسيس من تحالف «العمل ـ غيشر ـ ميرتس» بحقيبة وزارة الصحة بعد إعلانه أنه سيعمل على تعديل قانون في الكنيست يعاقب من يلتحق بقائمة أخرى بعد الانتخابات مباشرة.
وعلى الصعيد السياسي، لم يخف نتنياهو مخططاته الفورية في استكمال الخطوات والإجراءات الاحتلالية في القدس والضفة الفلسطينية وفق ما أشارت له صفقة ترامب. ومن ناحية متممة ، سيتصاعد دعم إدارة ترامب للمشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي، وسيكون هذا التصعيد بمثابة خطاب انتخابي مكمل للرئيس ترامب عشية الانتخابات الرئاسية الأميركية، وهو قد زايد على جميع الإدارات الأميركية السابقة بأنه الأكثر دعما لدولة الاحتلال الإسرائيلي، وبأنه استطاع «تطويع» العديد من الرسميات العربية تحت سقف الاعتبارات التوسعية الإسرائيلية، وبما يخدم في الوقت نفسه استراتيجية الهيمنة الأميركية. وليس مستبعدا أن تقوم إدارة ترامب بالتعبير عن بهجتها بالنتائج التي حققها نتنياهو ومعسكره في الانتخابات، بمايعني توجيه رسالة تشجيع للأحزاب الصهيونية وخاصة «أزرق ـ أبيض» على قبول الدخول بحكومة وحدة تحت قيادة نتنياهو .. وبدون تناوب كما يريد حزب الليكود.
بالمقابل، التف الناخبون الفلسطينيون حول «القائمة المشتركة» وشاركوا بنسبة مرتفعة في الانتخابات وساهم ذلك في زيادة حصتها من المقاعد في الكنيست. وأولى الإيجابيات وراء ذلك تراجع حصة الأحزاب الصهيونية من الأصوات العربية إلى حد كبير. وقد ساهمت عوامل عدة في زيادة نسبة التصويت العربي أبرزها التحديات الكبيرة التي وضعتهم صفقة ترامب ـ نتنياهو أمامها وفي المقدمة النص على إمكانية نقل منطقة المثلث وأهلها إلى الكيانية الفلسطينية الواردة في نص الصفقة.
وإذا كانت نتائج الانتخابات تؤكد تسارع التطرف والعنصرية في المجتمع الإسرائيلي، فإن تزايد قوة التمثيل العربي في الكنيست ستضع مواجهتهم لمشاريع تهميشهم في دائرة الاشتباك مع هذه السياسات. ومن الطبيعي في ظل استعصاءات تشكيل الحكومة أن تكون «القائمة المشتركة» لاعبا مهما حتى من خارج المشاركة في الحكومة، وسيمكنها موقعها بالنتيجة من تظهير قضايا المجتمع العربي داخل إسرائيل وخارجها.
والمسألة الأبرز في هذا المجال أن يجسد دور المشتركة عناوين البرنامج الوطني الذي تمت بلورته القوى والأحزاب العربية والشخصيات العربية مجتمعة في إطار لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية في إسرائيل، وهذا يعني أن خطابين متعاكسين على الأقل سيكونان في صدارة المشهد السياسي والحزبي الإسرائيلي.
وهذا يعني أيضا وفي الوقت نفسه تزايد انكشاف الخطاب الصهيوني العنصري المتطرف ومشاريعه السياسية. وفي هذه الزاوية من فاعلية القائمة المشتركة، يلتقى الجهد الوطني الفلسطيني العام في مواجهة المشروع الأميركي ـ الصهيوني المسمى «صفقة القرن» وما يحمله من مخاطر على الشعب الفلسطيني في كافة أماكن تواجده. وقد شكل اللقاء الذي وقع ما بين لجنة المتابعة العليا وبين قيادات القوى والفصائل الفلسطينية قبل نحو شهر في رام الله خطوة هامة في هذا الاتجاه.
وبنتائج هذه المحطة من انتخابات الكنيست، يتأكد مجددا أن أمام الفلسطينيين طريق واحد لا ثاني له، وهو مواجهة المشروع الأميركي ـ الإسرائيلي الذي سيزداد شراسة على الأرض ، ومن الضروري هنا إعادة التأكيد على حيوية الشروع في الخطوات السياسية والميدانية في هذه المواجهة بدءا من القيام باستحقاقات الخروج من أوسلو وفق قرارات المجلسين الوطني والمركزي، وتجاوز حالة الانقسام من خلال تطبيق قرارات الإجماع الوطني ذات الصلة، والانتقال إلى استراتيجية وطنية موحدة قائمة على برنامج الانتفاضة والمقاومة، والذي ينبغي أن يوحد إمكانات الشعب الفلسطيني في جميع أماكن تواجده ويزجها في هذه المواجهة.
محمد السهلي
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت