حكومة الفخفاخ .. تركيبة متنوّعة وتحدّيات جسيمة!

بقلم: فيصل علوش

كتب: فيصل علوش

نجح إلياس الفخفاخ في تشكيل ائتلاف موسع نسبياً، بعد نحو خمسة أشهر من الانتخابات العامة التي أنتجت مشهداً برلمانيا فسيفسائيا. وبذلك أسدل الستار على فصل من فصول الانتقال السياسي في تونس، حيث حظيت حكومته (26/2)، بمصادقة البرلمان التونسي (بموافقة 129 نائباً في مقابل 77 صوّتوا ضدها). بيد أنّ تركيبة الحكومة الفضفاضة والمتنافرة، وعمق التحدّيات الاقتصادية والاجتماعية والإقليمية التي تواجهها تضعها أمام اختبار في غاية الصعوبة والدقة والحساسية. والسؤال المطروح الآن؛ هل ستتمكّن هذه الحكومة من اجتياز التحديات والمهام الصعبة التي تواجهها أم لا؟.

وقد ضمّت تشكيلة الحكومة 30 وزيراً وكاتبي دولة اثنين؛ نصفهم من المستقلين ونصفهم من ممثلي الأحزاب المشاركة. وتوزّعت الحقائب الوزارية المسندة إلى الأحزاب والكتل البرلمانية بين حركة النهضة الإسلامية (7 حقائب/ 54 مقعداً)، و«التيار الديمقراطي» (اجتماعي ديمقراطي/ 3 حقائب/ 22 مقعداً)، و«حركة الشعب» (قومية ناصرية/ حقيبتان/ 15 مقعدا)، وحركة «تحيا تونس» (ليبرالي/ حقيبتان/14 مقعدا)، وحقيبتان لكتلة «الإصلاح الوطني» (15 مقعداً)، وهي تضمّ عدد من الأحزاب الليبرالية والعلمانية من أبرزها؛ («مشروع تونس»/ 4 مقاعد، و«البديل التونسي» /3 مقاعد، وحزب «نداء تونس»/3 مقاعد، و«آفاق تونس»/ مقعدان).

أما أعضاء الفريق الحكومي من غير المحسوبين على أحزاب أو كتل برلمانية، فقد حصلوا على 14 حقيبة وزارية وكاتبي دولة. وحرص الفخفاخ على «تحييد الوزارات السيادية» (الداخلية، والخارجية، والدفاع) وإسنادها إلى شخصياتٍ مستقلة؛ نزولًا عند رغبة كل من حركة الشعب والتيار الديمقراطي. ولكنّ «استقلالية» بعض الشخصيات من عدمها، مثّلت إحدى النقاط المثيرة للخلاف والجدل بين الأحزاب المشاركة في الائتلاف، وبينها وبين رئيس الحكومة المكلف، حيث اعتُبر عدد من الشخصيات المكلفة مقرّباً من «التكتل الديمقراطي» (حزب الفخفاخ)، الذي فشل في نيل أي مقعد في الانتخابات البرلمانية.

ولاحظ المراقبون التنوع السياسي والأيديولوجي الكبير الذي ينطوي عليه الائتلاف الحكومي، وهو ما يمكن أن يترتب عليه تجاذبات ومناكفات سياسية، في وقت تواجه فيه الحكومة تحديات اقتصادية واجتماعية جسيمة، لم تتمكن الحكومات المتعاقبة منذ ثورة 2011 من حلّها أو التخفيف من حدتها. كما تواجهها معارضة وازنة في البرلمان تتكون من كتل «قلب تونس» (38 نائبا) و«ائتلاف الكرامة» (19 نائبا) و«الحزب الدستوري الحر» (17 نائبا)، ما يعني «ضعف الحزام السياسي» لها.

أولويات الحكومة الجديدة

وعلى رغم أنّ البلاد قطعت شوطًا معتبراً في الانتقال السياسي والمؤسّساتي منذ الثورة، إلا أنّ المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية لم تشهد أيّ تحسن يذكر، لا بل زاد الوضع سوءاً في بعض الجوانب، حيث «تفشّى الفساد وتدهورت قطاعات الصحة والنقل والتعليم»، كما جاء على لسان رئيس الفخفاخ.

وتمثل التحدّيات الاقتصادية والاجتماعية الصعبة التي تمرّ بها البلاد، إضافة إلى التحدّيات الإقليمية التي يفرضها الوضع في الجوار الليبي، أبرز أولويات الحكومة الجديدة. ويأتي في مقدّمها «توفير متطلبات العيش الكريم، وتحسين القدرة الشرائية، ومقاومة الاحتكار والتهريب، وإنعاش الاقتصاد، وتشجيع الاستثمار، وحماية المؤسسات الصغرى والمتوسطة، وتفكيك منظومة الفساد، وتعبئة الموارد الضرورية للدولة، والحدّ من نسبة التضخم، والاهتمام بملف الحوض المنجمي والفوسفات...الخ».

وتبدو هذه المهام عسيرة مع نسبة بطالة في حدود 14.9 %، وتضخم يبلغ 5.9 %، في حين لم يتجاوز معدّل النمو الاقتصادي 1 % في 2019، في مجتمع يبلغ عدد سكانه 11.8 مليون شخص.

وفي ما يرى بعض الخبراء، بأن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية القائمة تفرض على الفخفاخ وحكومته «العمل على مشروعٍ يأخذ في الاعتبار حلّ الأزمة البنيوية المزمنة التي يعانيها الاقتصاد التونسي، وتعديل المنوال التنموي برمته»؛ بما في ذلك «الإقدام على إجراءاتٍ غير شعبية؛ كتعديل برامج دعم السلع التموينية، ومراجعة برامج التوظيف الحكومي، ومكافحة الاقتصاد الموازي الذي يستحوذ على أكثر من نصف قيمة الاقتصاد التونسي»، يرى آخرون، أنّ التوجهات الاقتصادية والاجتماعية للحكومة ينبغي ألاّ تمسّ أو تؤثر سلباً على الأوضاع الصعبة في الأصل التي يعانيها العمال والموظفون وغيرهم من الفئات الشعبية المهمّشة والفقيرة في البلاد.

وإلى ذلك، فقد تعهد الفخفاخ بـ«استكمال مسار العدالة الانتقالية، وبناء مؤسسات الدولة؛ بما فيها المحكمة الدستورية، وانتخاب المجالس الجهوية وتعزيز سلطة الأقاليم، ودعم استقلالية القضاء، ومقاومة الإرهاب.

تشكيك في وعود الفخفاخ

وقد شككت أحزاب تونسية معارضة، في وعود رئيس الحكومة وخططه الإصلاحية لإنقاذ البلاد من براثن الأزمة الاقتصادية الخانقة. معتبرة أنه لا يستطيع ولا يملك القدرة على الإيفاء بوعوده. ورأت رئيسة الحزب الدستوري الحر، عبير موسي، أنّ ما عرضه الفخفاخ «لم يخرج عن العموميات والوعود الوهمية، على رغم أنه يعلم أن موازنة 2020 غير قادرة على تحقيقها».

كما استبعد محللون أن تكون للفخفاخ القدرة على تطبيق وعوده الإصلاحية، وذلك بسبب تركيبة حكومته المتناقضة، واختلاف الرؤى بين أحزاب الائتلاف الحكومي. وتوقع هؤلاء أن يكون «الائتلاف الحكومي هش ومليء بالتناقضات، ولا يساعد على استمرارية الحكومة»، في وقت تتصاعد التحدّيات التي تنتظر الحكومة في ظلّ وضع إقليمي ضاغط، بسبب الأحداث التي يشهدها الجوار الليبي وتداعياتها الأمنية والاقتصادية المباشرة على تونس.

وحذر المحللون من أنّ استمرار المؤشرات الاقتصادية آنفة الذكر قد يقود إلى احتجاجات اجتماعية، وخصوصا في المناطق التي تشكو من تهميش تنموي منذ عقود، ما قد يجعل الحكومة تقف في مواجهة مطالب الشارع، بدلاً من تحقيق إنجازات تستجيب بها لتلك المطالب؟!.

 

فيصل علوش

المصدر: -

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت