واشنطن ما زالت مصرة على ظلم الفلسطينيين وإنكار حقوقهم المشروعة في وطنهم فلسطين ، وعلى العبث في أمن واستقرار مكونات الشرق الأوسط لصالح دولة بني صهيون، في ظل اختلال لقيم ميزان العدالة الدولي الذي في عرفها أي واشنطن ، أصبح منطق سادية القوة هو ما يفرض نفسه على الواقع العالمي ، فمنذ تسيد الإدارة الأمريكية للساحة الدولية وما يقابله من تردد في العالمين العربي والإسلامي من اتخاذ مواقف واضحة في علاج هذه المسألة التي أرقت الشارع فيهما ، يبدو جلياً عجزهما أمام حالة التمزق التي تعتري دولهما من صنع أي شيء لثني تلك الإدارة عن مساعيها الرامية لتثبيت دولة الاحتلال اليهودي مكان دولة فلسطين التاريخية بتراثها العربي وبمقدساتها الإسلامية والمسيحية التي هي مقدسات العرب والمسلمين وفق الوثيقة العمرية ، وحتى العبث في أمن واستقرار تلك الأقطار أمنياً واقتصادياً وسياسياً وثقافياً لصالح يهود ، تصوروا أنها انتقلت للعبث في أمن ماليزيا التي بنت اقتصادها بتعاضد القوى الخيرة فيها وهي وضعت أسافين الآن بين هؤلاء الفرقاء خشية توجههم لتقديم النصيحة لدول العالم الإسلامي للتعاضد والتكاتف فيما بينها لأن هذا سيشكل حتماً سداً منيعاً أمام مراميها وسيشكل خطراً على كيانها المصطنع الدولة العبرية ويسقط حاجز الرعب منها ، الرعب الذي دفع البعض من قصيري النظر في سبيل نيل رضى سادة البيت الأبيض كمخرج يقيهم غضب ساكنيه ويخرجهم من مأزقهم ويعفيهم من مجابهة ما يقوم به هؤلاء من عبث منافٍ للقوانين والأعراف الدولية والسماوية بقبول الكيان العبري وفق رغبة أمريكا وقوى الغرب المتحالفة معها خارج نص بنود العهدة العمرية ، وهي تستخدم جبروتها القائم على شريعة الغاب في فرض إرادتها وهيمنتها وسطوتها على الآخرين ، وترى بهم كمستضعفين وقود حروبها التي تشعلها هنا وهناك ، وهي تعادي الشعب العربي الفلسطيني وكل شعب عربي يقف بصلابة إلى جانبه في مواجهة الأطماع الصهيو إمبريالية غربية رغم تمكينها العدو الصهيوني باحتضانها له وبقية دول أوروبا الغربية ، والآن تلقي بثقلها في صفقة تعتمد الاقتصاد في تنفيذها ، جل أموالها وفق ما أعلن زعيمها " ترامب " أمام العالم أجمع حين أعلن عن صفقته الصفعة من دول العالم العربي الثرية ، لتطوَّب الأرض الفلسطينية باسم دولة يهود برضا من يمالئونها في ذلك تحسباً من عقابها .. رغم أن دولة يهود وفق وثائق تؤكد أنها كانت قائمة في جنوب روسيا منذ عهد ستالين ولينين بموجب قانونين صادرين في العامين 1928 و1934م في منطقة يطلق عليها " أوبلاست " الروسية وعاصمتها " بايروبدجان " وتبلغ مساحتها بحجم سويسرا ،وهذه المعلومة حقيقة تاريخية كشفت عنها سيدة بريطانية تدعى الليدي ميشيل رينوف والتي لطالما دعت المجتمع الدولي لتبنيها داعية لعودة اليهود إلى موطنهم الأصلي بدولتهم التي كانت قائمة في أوبلاست روسيا لإنهاء عذابات الفلسطينيين التي تسببت فيها لندن وواشنطن وباريس وموسكو والدول التي تسير في فلكها .. هذه الحقيقة التاريخية جرى التعتيم عليها سياسياً وإعلامياً وطمسها عن سبق إصرار وترصد من قبل الصهيونية العالمية والدولتين العظميين بريطانيا العجوز والولايات المتحدة لأسباب امبريالية صرفة ، كون العرب يتموضعون في منطقة تتحكم بطرق المواصلات العالمية شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً ، إلى جانب ما تزخر به من ثروات كانت وما زالت سبب سعادة العالم ورخائه ، لكنها في ذات الوقت وبكل أسف سبباً لشقاء أهلها وتعاستهم نتيجة هذه الأطماع وانعدام التعاضد الحقيقي والتوافق بين مكونات أهلها في ردع كل طامع ، ما أفقدهم القدرة على صد أصحاب تلك الأطماع.
نظرة واشنطن الدونية هذه لسكان الشرق الأوسط بصفة عامة خاصة المنطقة العربية تنم عن حقد دفين ، زادت وتيرته جراء صراعات في غرب أوروبا على اقتسام مناطق النفوذ في العالم القديم آسيا وأفريقيا أدت لحربين طاحنتين دمرت ممالك أوروبا الغربية الذين ارتأوا في واشنطن التي تقع ما وراء بحر الظلمات " الأطلسي " ، عاصمة السند والعون لها أمام المخاطر المحدقة بها من شرق أوروبا وألمانيا ، والتي كانت فعلياً خير سند لتلك الممالك وبيت القصيد الذي كانت تنشده من تحالفها معها .. فأصبحت زعيمة أوروبا الغربية وسادت العالم حيث دعمت في الحربين العالميتين الأولى والثانية أوروبا الغربية ومنعتها من الانهيار التام ، وحكمتها بعقلية دولة ناشئة تنويرية تتحكم في قراراتها الصهيونية العالمية وربيبتها الماسونية التي فرضت أجندتها على بيتها الأبيض الذي فرض أجندته على أوروبا ومناطق نفوذها الاستعماري منذ نهاية الحرب العالمية الثانية ، وتشاركت معها في ذلك روسيا ، كونها كانت نداً قوياً لها في إنهاء النازية الألمانية ومركزاً أخر للتنويرية الصهيونية فكانت البديل للنازية في فرض الهيمنة على مناطق نفوذها ونفوذ باقي دول أوروبا الغربية ، وشرقيها بعد انهيار الاتحاد السوفييتي .
وبتبنيها الدولة العبرية أصبحت هذه الدولة المصطنعة " خازوق واشنطن ولندن " الذي دق في نعش استقرار الشرق الأوسط الكبير وقاد لحالة التشرذم والتشظي والتوهان في أرجائه ، وما يعانيه من تخلف علمي واقتصادي وسياسي واجتماعي ، جعلت منه عالَماً متطفلاً وسوقاً استهلاكية لمنتجات الآخرين ومرابع يتحكم فيها العابثون ، لا يسمح فيها لفارس عربي أن يمتطي صهوة جواده لردع العلوج والصهاينة والأعاجم .
* عبدالحميد الهمشري – كاتب وباحث في الشأن الفلسطيني
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت