نحتفي في الثامن من آذار/مارس، بتاريخٍ طويل من نضال المرأة الوطني والاجتماعي من أجل الحرية والمساواة والأمل في عالم أفضل للجميع، فكل نساء شعوب العالم المقهورة، وفي المقدمة منهن نساء فلسطين، والأسيرات في سجون الإحتلال "الإسرائيلي"، تستحق الحرية، ونيل الحقوق الإنسانية الكاملة، يساندهن كل صوت حر تقدمي دافع ويدافع عن حقوق المرأة، وعن القيم العادلة الكفيلة بإنصافها وإنصاف ضحايا الاحتلال والظلم والاضطهاد والتمييز بكافة أشكاله.
إن أي مهمة مهما عظمت، لن تكون عذرًا لأحد للتهرب من واجبات النضال المجتمعي فيما يتعلق بقضية المرأة وحقوقها، ولا يمكن أن يدفع إلا نحو مزيد من الإصرار على خوض العمل لأجل حرية المرأة وحقوقها الكاملة في مجتمعات حرة وديمقراطية، باعتبار ذلك حقًا واضحًا لا لبس فيه، ومطلبًا تأسيسيًا لتمكين النسوة من العدالة والمساواة. وخاصة في فلسطين حيث استمرار الإحتلال.
هناك مهام عاجلة، أولها تمكين المرأة من المشاركة السياسية، وإنفاذ قانون حماية الأسرة، والتصدي لكل الدعوات والممارسات المتخلفة والرجعية التي تسعى لسحب المكتسبات التي حققتها المرأة والحيلولة دون دورها المطلوب وطنيًا ومجتمعيًا. فاستمرار تعرض المرأة الفلسطينية للقتل والقهر والاضطهاد والتعنيف، وحرمانها من حقوقها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، لهو جريمة مضاعفة بحق المرأة والإنسانية والنضال الوطني، وتنكر لكل قطرة دم نزفتها نساء فلسطين على درب الحرية والعودة والاستقلال.
إن هناك نحو 27 أسيرة من بين الأسيرات الفلسطينيات في سجن الإحتلال "الإسرائيلي" قد صدرت بحقهن أحكام لفترات متفاوتة، أقصاها يصل لمدة 16 عاماً، والتي صدرت بحق الأسيرتين شروق دويات من القدس، وشاتيلا أبو عياد من الأراضي المحتلة عام 1948. وفي المقابل، تقبع أربع من الأسيرات رهن الاعتقال الإداري، وثمانٍ منهنّ أسيرات جريحات أُصبن أثناء الاعتقال، وأقدمهن الأسيرة أمل طقاطقة من بيت لحم، والمعتقلة منذ تاريخ الأول من كانون الأوّل/ ديسمبر 2014، ومحكومة بالسجن لمدة سبع سنوات. وإنّ بين الأسيرات 16 أم، منهن الأسيرة وفاء مهداوي، والدة الشهيد أشرف نعالوة.
لقد أكد نادي الأسير الفلسطيني في بيانٍ له بمناسبة يوم المرأة العالمي، أن الأسيرات الفلسطينيات يتعرض لكافة أنواع التنكيل والتعذيب التي تنتهجها سلطات الاحتلال بحق المعتقلين الفلسطينيين، بدءاً من عمليات الاعتقال من المنازل وحتى النقل إلى مراكز التوقيف والتحقيق، ولاحقاً احتجازهن في السجون. وخلال العام المنصرم 2019 والجاري 2020، أعادت سلطات الاحتلال سياسة تعذيب النساء على الواجهة، وكانت أبرز الشهادات التي أدلت بها أسيرات عن عمليات تعذيب استمرت لأكثر من شهر، منهن ميس أبو غوش، وسماح جرادات، وحليمة خندقجي. وتتمثل أساليب التعذيب والتنكيل التي مارستها أجهزة الاحتلال بحق الأسيرات: بإطلاق الرصاص عليهن أثناء عمليات الاعتقال، وتفتيشهن تفتيشا عاريا، واحتجازهن داخل زنازين لا تصلح للعيش، وإخضاعهن للتحقيق ولمدد طويلة يرافقه أساليب التعذيب الجسدي والنفسي. ومن أنواع التّعذيب الّتي تتعرّض لها الأسيرات أثناء التّحقيق هي الشبح بوضعياته المختلفة، وتقييدهن طوال فترة التحقيق، والحرمان من النوم لفترات طويلة، والتحقيق المتواصل، والعزل والابتزاز والتهديد، ومنع المحامين من زيارتهن خلال فترة التحقيق. إلى جانب إخضاع االأسيرات أثناء التحقيق لجهاز كشف الكذب، والضرب المبرح كالصفع المتواصل، عدا عن أوامر منع النشر التي أصدرتها محاكم الاحتلال، كما تعرضت عائلاتهن للتنكيل والاعتقال والاستدعاء كجزء من سياسة العقاب الجماعي. وبعد نقلهن إلى السجون، تُنفذ إدارة سجون الاحتلال بحقهن سلسلة من السياسات والإجراءات التنكيلية منها: الإهمال الطبي، والحرمان من الزيارة، وحرمان الأسيرات الأمهات من الزيارات المفتوحة ومن احتضان أبنائهن. كما أن الأسيرات يُعانين ظروفا حياتية صعبة في سجن "الدامون"، منها: وجود كاميرات في ساحة الخروج للشمس، وارتفاع نسبة الرطوبة في الغرف خلال فترة الشتاء، كما تضطر الأسيرات استخدام الأغطية لإغلاق الحمامات، فيما تتعمد إدارة السجن قطع التيار الكهربائي المتكرر عليهن، عدا عن "البوسطة" التي تُشكل رحلة عذاب إضافية لهن، خاصة اللواتي يُعانين من أمراض، والأهم سياسة المماطلة في تقديم العلاج اللازم لهن، وتحديدا المصابات.
وفي هذا السياق، نعيد التذكير بأن شهدت الانتفاضتان الأولى (1987) والثّانية (2000) أعلى معدّلات لاعتقال النساء في فلسطين، وفي عام 2015 ارتفعت عمليات اعتقال النساء ومنهن القاصرات مع اندلاع الهبة الشعبية، حيث وصل عدد حالات الاعتقال بين النساء خلال عام 2015 إلى 200، وفي عام 2016 إلى 164، وفي 2017 إلى 156، وفي 2018 وصل إلى 133 حالة، وعام 2019 إلى 128.
أخيراً، غن المرأة الفلسطينية والى جانب دورها الوطني العام، تكافح من أجل الحق في المساواة والعدالة نظراً للثقافة المجتمعية الذكورية المترسخة في المجتمع التي قيّدت إبداعها ومشاركتها في الحياة الإجتماعية والإقتصادية والسياسية لتسهم في تنمية المجتمع وتطوره، فهي لا زالت تناضل وتكافح من أجل مساواة حقيقية بعيداً عن كل مظاهر التمييز ضدها.
لانا بدوان
دراسات عليا في القانون
جامعة موسكو
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت