عقدت الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، يوم الاثنين، ورشة حوارية حول الورقة السياسية لنائب الأمين العام للجبهة فهد سليمان المعنونة بـ""صفقة القرن".. المعركة الفاصلة مع المشروع الصهيوني" في قاعة فندق الكومودور بمدينة غزة، بمشاركة القوى والفصائل الفلسطينية والشخصيات الوطنية والنخب السياسية والأكاديمية.
وتحدث في الورشة الحوارية، الدكتور سمير أبو مدلله عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية ومسؤول منظمة الفئات الوسطى، والكاتب والمحلل السياسي الدكتور عدنان أبو عامر، والكاتب والمحلل السياسي محسن أبو رمضان، فيما أدار الورشة الصحفي عبد الرحيم أبو كويك.
وأجمع متحدثون فلسطينيون أن صفقة القرن تهدف لتصفية القضية والحقوق الوطنية الفلسطينية من خلال وضع الحالة الفلسطينية والعربية والإقليمية أمام الأمر الواقع، باعتبارها مشروعاً أميركياً – إسرائيلياً للتنفيذ من جهة واحدة وليست معروضة على الشعب الفلسطيني ليقبل بها أو يرفضها، وأنها ليست موضوعاً للتفاوض.
بدوره، عرج أبو مدلله إلى البعد الفلسطيني في الورقة السياسية لفهد سليمان، والذي أشار فيها أن "صفقة ترامب- نتنياهو" لا تشكل إطاراً صالحاً للتفاوض بل هي مجموعة من الإملاءات الاستسلامية، ترمي لتأييد بقاء الشعب الفلسطيني أسيراً للمشروع الصهيوني.
وأوضح أبو مدلله بأن العرض المقدم في الصفقة الذي تم الإعلان عن نصها الرسمي الكامل (28/1/2020)، هو كيان فلسطيني مستأنس ويشكل 15% من مساحة فلسطين التاريخية وبدون حدود خارجية بل معابر تحت السيادة الإسرائيلية، وهذا الكيان بمثابة أرخبيل متصل الأجزاء بواسطة مرافق البنية التحتية ولكنه غير متواصل المساحة، ومنقوص الصلاحيات والسيادة الداخلية وتبقى المرجعية العليا بيد إسرائيل.
وقال أبو مدلله إن "مشروع الدولة الواحدة بالصيغة الإسرائيلية، دولة إسرائيل الكبرى، بمعازل فلسطينية محاصرة للحكم الذاتي المحدود وبالمرجعية الأمنية والاقتصادية والسياسية العليا للاحتلال". مضيفاً أن "صفقة القرن لا تستهدف الحالة الفلسطينية وحدها بل الوضع في الإقليم العربي بنفس المقدار على نسق المشروع الأميركي- الإسرائيلي لاحتواء الرقم الفلسطيني الصعب".
وشدد أبو مدلله أن التطبيع هو عنوان صفقة القرن في الإقليم بما يلبي المصالح الإستراتيجية العليا للولايات المتحدة وإسرائيل بحجة مواجهة خطر النفوذ الإيراني في المنطقة. لافتاً إلى أن كلاً من واشنطن وتل أبيب تدركان أن الحالة الفلسطينية لم تهزم بل هي الرقم المتميز في معادلة الإقليم، وما زالت قادرة على تعطيل مشروع الهيمنة عليه من بوابة الإطاحة بصفقة القرن.
وبين أبو مدلله أن الورقة السياسية للرفيق سليمان أكدت ضرورة تسارع الحالة الفلسطينية في تجميع وتفعيل عناصر القوة المباشرة، مع الإشارة للتحدي الفعلي الذي تواجهه الحركة الفلسطينية بما يحافظ على عناصر القوة ويعزز مكانتها حتى لا يتراجع في إدارة الصراع. منوهاً إلى أن الرفض الفلسطيني الجامع لصفقة القرن، دون الاتفاق على البرنامج البديل، برنامج المواجهة السياسية والعملية المباشرة.
وتطرق القيادي في الجبهة الديمقراطية إلى أن صفقة القرن لا يمكن التقاطع معها، لذلك لا بد من مواجهتها عبر ثلاث مرتكزات، وهي، استعادة الوحدة الداخلية والخروج من اتفاق أوسلو وتعبئة الطاقات الفلسطينية في كل مكان، وهذا يتطلب لتنفيذ اللجنة التنفيذية لـ م.ت.ف ما تقرر سياسياً في الدورة الـ23 للمجلس الوطني، واستعادة صيغة الحكومة الفلسطينية الواحدة، وتوسيع عضوية المجلسين الوطني والمركزي لجهة المشاركة السياسية بعضويته لكافة القوى الفلسطينية إلى جانب وقف التنسيق الأمني فوراً مع إسرائيل.
وختم أبو مدلله مداخلته بالتأكيد أن صفقة القرن هي الفرصة الأخيرة للمشروع الصهيوني لإقامة دولة إسرائيل الكبرى، وعلى الفلسطينيين أن يجعلوها فرصتهم الذهبية لكسر الصفقة وإلحاق الهزيمة بها وبالتحالف الأميركي- الإسرائيلي والمشروع الصهيوني، وهذا يتطلب جهداً فلسطينياً وعربياً وإقليمياً بما يفتح الباب أمام تاريخ القضية الوطنية بما يحقق الانتصار والفوز بالحقوق الوطنية المشروعة.
من جهته، أثنى محسن أبو رمضان على القائمين على الورشة، والجبهة الديمقراطية على دورها المبادر في الدفع بآليات عملية لمواجهة "صفقة ترامب- نتنياهو" الهادفة لتصفية القضية والحقوق الوطنية الفلسطينية، مشيداً بورقة نائب الأمين العام للجبهة الديمقراطية الرفيق فهد سليمان.
وأوضح أبو رمضان أن تشخيص الرفيق فهد سليمان متقدم، مضيفاً: أن "صفقة القرن هي إملاءات تسعى لتمرير الحكم الذاتي الفلسطيني والسلام الاقتصادي ومنحه الفتات، وتهدف للسيطرة ونهب مقدرات الشعب الفلسطيني".
ولفت أبو رمضان إلى أن التطبيع خطير ويهدف لتهميش القضية الفلسطينية وتحويل إسرائيل لدولة امبريالية صغرى تسيطر على مقدرات الشعب الفلسطيني وثرواته، وإبراز الخطر الإيراني في المنطقة، كخطر رئيسي وليس الاحتلال الإسرائيلي، لذلك القوى الوطنية والديمقراطية والتقدمية الفلسطينية تلتقي مع رديفتها في البلدان العربية في مجابهة التطبيع. مشيراً إلى أن التطبيع خطير جداً وهذا يتطلب حل لجنة التواصل التطبيعية مع المجتمع الإسرائيلي.
وأردف حديثه قائلاً إلى أن الورقة تعالج العديد من القضايا الهامة لمواجهة خطر الصفقة، أبرزها إنهاء الانقسام في إطار ترتيب البيت الداخلي الفلسطيني على قاعدة الشراكة الوطنية بعيداً عن المحاصصة، وتساهم في إعلاء شأن م.ت.ف كجبهة وطنية عريضة في كافة أماكن تواجد الشعب الفلسطيني عبر إعادة بناء المنظمة كإطار جامع، وضرورة العودة لمربع التحرر الوطني الديمقراطي. منوهاً إلى أن الصفقة تحدثت عن شروط إقامة الدولة الفلسطينية، أبرزها تفكيك أسلحة المقاومة وتفكيك BDS وتغيير المناهج الدراسية وحكم فلسطيني بعيد عن الفساد.
ودعا أبو رمضان لتعزيز الرواية التاريخية الفلسطينية وتسليط الضوء على الشعب الفلسطيني الذين اقتلع من أرضه وهجر وشرد بالقوة في نكبة عام 48 وقبل هذا التاريخ على يد العصابات الصهيونية. لافتاً إلى أن الشعب الفلسطيني في مرحلة صمود لتعديل موازين القوى.
من ناحيته، استعرض عدنان أبو عامر الورقة السياسية لفهد سليمان، مشيراً إلى أن المواقف الإسرائيلية من الصفقة يمكن تقسيمها بأربعة مواقف وهي، الموقف المتبني لها ببعض التحفظات وهو حزب الليكود، موقف اليمين القومي مثل إسرائيل بيتنا وهو يرفض إقامة دولة فلسطينية وفق المعايير الأميركية، موقف يمين الوسط مثل حزب أزرق أبيض وهو يتبنى نفس موقف اليمين الإسرائيلي ويختلف في توقيت الإعلان عن الصفقة، موقف اليسار الإسرائيلي ويؤيد دولة فلسطينية وهذا الموقف أصبح ضعيفاً.
وأشار أبو عامر إلى أن عوامل تمرير الصفقة في حال تشكيل حكومة وحدة وطنية في إسرائيل بين الليكود وحزب أزرق أبيض، وفي حال تجديد ولاية ترامب لولاية ثانية، إلى جانب العامل العربي في ممارسة الضغوط على الفلسطينيين للقبول بالصفقة، والموقف الفلسطيني الداخلي في رفض الصفقة قد يشكل كابحاً على نجاح الصفقة، إلا في حال فتح قنوات خلفية مع الإدارة الأميركية.
وتطرق إلى عوامل فشل الصفقة وهي، فشل الحكومة الإسرائيلية وعدم قدرتها على الصمود، وعدم تجديد الولاية لترامب ونجاح الحزب الديمقراطي الأميركي، حدوث تغيرات جوهرية بنيوية في الإقليم، واستمرار تشبث العامل الفلسطيني في رفض الصفقة.
وجرت في الورشة العديد من المداخلات التي أشادت بالورقة السياسية باعتبارها تحمل توصيفاً شاملاً للحالة الفلسطينية والعربية والإشارة إلى خطر التطبيع والمطلوب فلسطينياً وعربياً لإسقاط صفقة القرن، فيما اعتبر البعض الورقة بأنها تشكل خارطة طريق للبناء عليها، والتي أغنت عناوين الورقة السياسية.