مع انقضاء عام آخر، وحلول عام جديد، لم يعد بالإمكان التكهن بما ستفضي إليه استمرارية الانهيارات في الحالة الإنسانية الفلسطينية ملحقة بخبايا الخطط السياسية والاقتصادية التي ترتبط بترتيبات دولية وإقليمية تأخذ القضية الفلسطينية والمنطقة العربية إلى مسارات يكتنفها غموض المفاهيم، وملتبسة بتحول الإرادات.
أضاف عام 2019 المنصرم قدراً من التراجع في مجمل المشهد الإنساني، مقروناً بمزيد من الانكفاء السياسي، فالتدهور العربي، على كافة مستوياته الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية، يوازيه في الجهة المقابلة تدهوراً فلسطينياً، حيث تعد الجوانب الإنسانية-وهي محط اهتمامنا في هذا السياق- إحدى المؤشرات الأكثر وضوحاً، والتي يمكن اعتبارها "مخباراً" يمكن القياس من خلاله، في سبيل تكوين صورة متكاملة لحجم التراجع الذي وصلت إليه أوضاع الفلسطينيين الذين يقفون على أعتاب عقد جديد، تدلل جسامة الأحداث على قسوة النتائج والتداعيات لاحقاً.
ولعل استعراضاً سريعاً لأبرز الأحداث التي أثّرت من خلال تداخلاتها في مسارات فرعية وكلية للقضية الفلسطينية، وربما زاد قطاع كبير منها من "كآبة" وسوداوية الحالة الفلسطينية، وشكلت ضغطاً على الجرح الغائر، وفاقمت من معاناة أبناء الشعب الفلسطيني سواءً داخل الأرض المحتلة أو في أماكن تواجد اللاجئين الفلسطينيين في الشتات، ما من شأنه أن يكون تصويراً توثيقياً لسردية المأساة الفلسطينية لعام آخر ينقضي تحت نير الاحتلال الصهيوني، ويعبّر عن حجم التحولات "الأيديولوجية"، و"الجيوسياسية" تجاه القضية الفلسطينية.
أسدل العام 2019 الستار على حصيلة كبيرة من الأحداث، تلخص الحصاد المر الذي رسم خطوطه الطولية والعرضية في مختلف أنحاء الجسد الفلسطيني، فقطاع غزة يتقدم الحصاد بتعمق أكبر للأزمة الإنسانية التي يفاقمها الحصار الإسرائيلي المستمر منذ أكثر من 13 عام، بعناوين أبرزها اتساع رقعة الفقر، وازدياد البطالة، وتدهور الحالة الاقتصادية، إضافة لمزيد من التراجع للقطاعات الحيوية كالصحة والتعليم، وغيرها.
ولعل تقريراً لـ"المرصد الأورومتوسطي" صدر مع نهايات العام المنصرم، امتاز بدقة إحصاءاته، وببلاغة سرديته "التوصيفية"، بدءاً من عنوانه "مساحة الموت"، وانتهاءً برصده العالي المهنية، لمآل وتداعيات الحصار وحيثياته على الإنسان الفلسطيني، حيث يصف البروفيسور ريتشارد فولك، رئيس مجلس أمناء المرصد، ما يجري تجاه غزة بالـ"الفضيحة الإنسانية" التي "يمارسها العالم من خلال صمته على الحصار طيلة هذه السنوات، مشيراً إلى أن حصار غزة هو بمثابة التحدي لضمائر الإنسانية جمعاء".
يضاف إلى ذلك استمرار آلة الحرب الإسرائيلية في إزهاق أرواح أبناء القطاع من خلال الاعتداءات المتكررة، فقد قتلت قوات الاحتلال خلال العام المنصرم 149 فلسطينياً خلافاً للجرحى، منهم 112 شهيداً في غزة التي لم تتوقف فيها المواجهات والقصف اليومي.
واقع إنساني صعب يشير التقرير من خلال الإحصاءات الأحدث للواقع الإنساني في غزة، إلى تضاعف نسب ومؤشرات الأزمة الإنسانية "بشكل صادم" على مدى سنوات الحصار، فمعدلات البطالة وصلت إلى 52% بين السكان، بعدما كانت تبلغ نحو 23.6% عام 2005، لتكون من بين أعلى معدلات البطالة في العالم بسبب إغلاق عشرات الشركات والمنشآت والمؤسسات، كذلك يتناول "حجم الفقر الذي ضرب أكثر من نصف السكان، بنسبة 54%، مقارنة بنحو 40% عام 2005، ليبقى أعلى بمرتين ونصف منه في الضفة الغربية، فيما وصلت نسبة انعدام الأمن الغذائي إلى نحو 71%".
كما يشير التقرير إلى الواقع الاقتصادي لغزة، حيث "تراجعت مساهمة قطاع غزة في إجمالي الناتج المحلي نهاية عام 2019 إلى أقل من 20% من إجمالي الناتج المحلي الفلسطيني، فيما انخفض معدل دخل الفرد الواحد في غزة إلى 800 دولار أمريكي سنويًا، مقارنة بمعدل 3,600 دولارًا في مجمل الأراضي الفلسطينية".
ويسهب التقرير في رصده للأوضاع في القطاع بالإشارة إلى أن "السلطات الإسرائيلية عملت على ترسيخ سياسة عزل قطاع غزة، من خلال فصله عن الضفة الغربية فيما سمي بسياسة الفصل، موضحًا أن الحق في حرية الحركة يعد أحد أوضح المؤشرات على أثر الحصار على تقليص الحريات وخنق الحياة في القطاع"، مضيفاً بأن "من سبعة معابر تجارية ومخصصة لحركة الأفراد قبل فرض الحصار الإسرائيلي، انخفض العدد إلى ثلاثة فقط، اثنان منها مع إسرائيل وواحد مع مصر، الأمر الذي أدى إلى تقليص أعداد المسافرين وشاحنات البضائع والمساعدات إلى أكثر من النصف.
على سبيل المثال، بلغ معدل حالات العبور عبر معبر إيرز شهريًا نحو 65,000 حالة قبل فرض الحصار الإسرائيلي، لينخفض ذلك إلى أقل من الربع خلال عام 2019، ويصل إلى نحو 14,000 حالة شهريًا فقط".
أما واقع القطاع الصحي، الأكثر تضرراً وتأثراً بالحصار، وبالتالي الأكثر تأثيراً على تردي الوضع الإنساني في غزة، يرصد التقرير "ارتفاع نسبة العجز في الأدوية إلى نحو 52% مع بداية عام 2020، مقارنة بما يقارب 16% فقط خلال عام 2005"، ليخلص إلى أن القطاع الصحي بات "عاجزاً عن تقديم العلاج والرعاية الصحية للغالبية العظمى من السكان، في الوقت الذي تصل فيه فترات الانتظار للخضوع للعديد من العمليات الجراحية إلى نحو 16 شهرًا، مقارنة بثلاثة أشهر فقط عام 2005".
وفي جانب آخر من مساحة الوطن الذي يعيش وجعاً مزمناً، تعيش الضفة الغربية حالة استلاب للأرض والإنسان في وضح النهار، ففي العام 2019 توسع الاستيطان الصهيوني بنسبة 70% عن العام الذي سبقه، وزادت عدد الحواجز الأمنية الإسرائيلية في الضفة 38 حاجزاً إضافياً عنها في العام الذي سبقه، ليصبح عددها الإجمالي 888 حاجزاً، "بحسب مركز أبحاث الأراضي"، ممعنةً بذلك في تقطيع أوصال المدن الفلسطينية، والتلذذ بتعمد إهانة الإنسان الفلسطيني والتنكيل به.
ومن المعطيات الصادمة في تقرير "مركز أبحاث الأراضي" ما يفيد بأن "نسبة السيطرة على أراضي الضفة الغربية هي دونم للفلسطينيين مقابل دونم للمستوطنين، وهذه المساواة في ملكية أرض الضفة الغربية مؤشر على فقدان الأرض عملياً، والأخطر يتمثل في سيطرة اليهود على 7.5 دونمات في القدس مقابل دونم واحد للفلسطينيين".
ومما أورده المركز من حقائق، يسلط من خلالها على أرقام تؤكد حجم الإجرام الصهيوني بحق أبناء الضفة الغربية، فقد "هدمت سلطات الاحتلال 648 مسكناً ومنشأة فلسطينية في الضفة الغربية عام 2019، وصادرت حوالي 68 ألف دونم من أراضي الضفة الغربية، ودمرت حوالي 3553 دونماً أخرى، واعتدت على 15.670 معظمها أشجار زيتون، وجرى إنشاء 6 بؤر استيطانية جديدة، كما صدّقت حكومة الاحتلال على 40 مخططاً استيطانياً، وأعلنت عن إيداع 26 مخططاً آخر من أجل توسيع 47 مستوطنة".
ومن جرائم استلاب الأرض إلى الجرائم بحق الإنسان، فقد أزهقت آلة القتل الإسرائيلية أرواح 37 شهيداً في الضفة الغربية، أما فيما يتعلق بأعداد المعتقلين، فقد اعتقلت سلطات الاحتلال حوالي 5000 فلسطيني في عام 2019، معظمهم من الضفة الغربية، بمعدل 14 معتقلاً كل ليلة اقتحام لمدن الضفة الغربية ومخيماتها وقراها. ويمتد الوجع الفلسطيني إلى القدس المحتلة، والتي يشهد فيها الإنسان والأرض والمقدسات، صنوفاً متنوعة من الانتهاكات، فالأرقام تشير إلى "اقتحام 31 ألف يهودي متطرف للمسجد الأقصى في 2019، في حين بلغ عدد المقتحمين للمسجد الأقصى قبل عشر سنوات ستة آلاف مقتحم فقط"، بينما تصاعدت عمليات هدم المنازل والمنشآت وتشريد السكان في عام 2019، فقد "بلغ عدد المنشآت التي هدمها الاحتلال خلال العام المنصرم 279، منها 100 وحدة سكنية في حي وادي الحمص بالمدينة في أكبر عملية تشريد جماعي منذ الاحتلال العام 1967، وطالت عملية التشريد 700 مواطن".
وفي سياقات الاعتداء على الأماكن المقدسة، فقد صعّدت قوات الاحتلال من اعتدائها على المسجد الأقصى المبارك، و"نفذ المستوطنون 293 اقتحاما لساحات المسجد الأقصى أي بمعدل اقتحام يومي، منها اقتحامات جماعية في المناسبات الدينية اليهودية، وأبعدت سلطات الاحتلال أكثر من 247 مواطنا عن المسجد الأقصى، ومنعت دخولهم لساحاته، ولا تزال تجدّد قرارات المنع والإبعاد للعشرات، بدعوى الرباط في ساحات الأقصى أو التصدي لاقتحامات المستوطنين".
وللمسجد الإبراهيمي في الخليل نصيبه من الانتهاكات، حيث أظهرت إحصائية أن العام المنصرم شهد أضخم عملية اقتحام للمسجد منذ احتلال المدينة عام 67، بمعدل 1,456,953 مستوطنا وسائحا، وهو ارتفاع هائل بنسبة 90.6% مقارنة بالعام الذي سبقه 2018، ورقم قياسي جديد في موجة الاقتحامات للمسجد. تدهور تدريجي وفي تقريرها السنوي للعام 2019 تؤكد جمعية "غزي دستك" التي تنشط في مجال العمل الإنساني والإغاثي في الأراضي الفلسطينية، على التدهور الكبير للواقع الإنساني داخل الأراضي الفلسطينية، وفي مناطق الشتات بشكل واضح، حيث تتناول في التقرير أوضاع الفلسطينيين في قطاع غزة والضفة الغربية والقدس، وعدد من مناطق الشتات. ويشير التقرير إلى التدهور التدريجي في قطاع غزة منذ بدء الحصار على القطاع، وقيام الآلة العسكرية الإسرائيلية بتسريع حالة التدهور على كافة الأصعدة "إنسانياً واجتماعياً واقتصادياً، وغيرها"، وصولاً إلى شفير "الكارثة الإنسانية" من خلال تشديد الحصار، واستخدام الاحتلال الواقع الإنساني المأساوي لأهالي غزة كورقة للمساومات السياسية، منتهكاً بذلك كافة المواثيق والقوانين الدولية، والأعراف الإنسانية.
ويلفت التقرير إلى أن "الحروب الإسرائيلية الثلاث التي شُنت على غزة، خلفت بمجملها ما يزيد عن 4.584 شهيداً و45.965 جريحاً، وتدمير وتضرر ما يزيد عن 292.502 منزلاً، بنسبة 77.36% من إجمالي الوحدات السكنية، منوهاً إلى أن التقدم في عملية إعادة الإعمار ما يزال بطيئاً، وهنالك آلاف النازحين لم يعودوا إلى بيوتهم، لينعكس هذا البؤس الإنساني على كافة مناحي الحياة ويصيبها بالضرر البليغ، وليخلّف وراءه مآسٍ إنسانية متعددة سجلت أرقاماً قياسية عالمية، مما جعل الأمم المتحدة تصدر تقريراً خاصاً يفيد بأن قطاع غزة لن يكون قابلاً للعيش بحلول العام 2020، كما وصف البنك الدولي الوضع الاقتصادي في قطاع غزة بأنه الأسوأ عالمياً خلال العقدين الأخيرين".
وفي الضفة الغربية، يشير التقرير لمعاناة ما يقرب من 2.5 مليون فلسطيني يعيشون في الضفة الغربية، نتيجة عملية ممنهجة لمصادرة الأرض وتكثيف للحواجز الإسرائيلية لتقييد حركة التنقل وعزل المدن الفلسطينية بالجدار العازل، والتضييق على السكان الفلسطينيين بهدف طردهم من الأماكن المقدسة، وتشجيعهم على الهجرة خارج فلسطين.
ويبين التقرير بعضاً من سياسات دولة الاحتلال التي يمارسها بهدف إفقار الفلسطينيين في الضفة الغربية، كفصل القرى والمواطنين عن بعضهم البعض من خلال جدار الفصل العنصري، مما يعيق حركتهم وتجارتهم، كما أن نشره للآلاف من نقاط الحواجز العسكرية يعمل على عرقلة حركة المواطنين والإضرار بالعمال الفلسطينيين الذاهبين إلى أعمالهم بشكل يومي.
ويتناول التقرير الوضع الإنساني المتفاقم لأهالي مدينة القدس نتيجة استمرار تصاعد الانتهاكات التي تمارسها سلطات الاحتلال ضد مدينة القدس وسكانها، ومصادرة ما مساحته 35% من أراضي شرقي مدينة القدس لتطوير مستوطناتها في حين لم يخصص إلا 13% من أراضي شرقي مدينة القدس للبناء الفلسطيني، ما أدى إلى تدهور الأوضاع الإنسانية للسكان، نتيجة عوامل عدة، منها ارتفاع تكلفة البناء بسبب رفع رسوم التراخيص التي قد تصل إلى 25 ألف دولار للمتر الواحد، وذلك بسبب سياسة الاحتلال الممنهجة الرامية لإخلاء القدس من الفلسطينيين.
يضاف إلى ذلك انتهاك حق المقدسات وخاصة المسجد الأقصى، وذلك بتكرار عمليات اقتحامه من جانب قوات الاحتلال والمستوطنين، وتحديد أعمار المصلين، واستمرار الحفريات تحت المسجد الأقصى ومنع الترميمات والإصلاحات في المسجد الأقصى وما حوله.
أما فيما يخص الواقع الإنساني للفلسطينيين في الشتات، يشير التقرير إلى أن نصف الشعب الفلسطيني يعيشون خارج أرضهم كلاجئين في أكثر من 31 مخيم للاجئين في الأردن وسوريا ولبنان والعراق وتركيا، وغيرها، لافتاً إلى أن هذه المخيمات تفتقر لأدنى الخدمات المطلوبة، وتكرس واقعاً لم يتغير منذ الاحتلال الإسرائيلي في العام 1948 والعام 1967.
ويفيد التقرير بأنه تحت مبرر الحفاظ على هوية الفلسطينيين لم يتم تطوير هذه المخيمات، وتم الاكتفاء بتحسينات بسيطة لا تلبي الاحتياجات الدنيا للعيش بكرامة.
ففي الأردن الذي يعتبر أهم مناطق اللجوء الفلسطيني كونه يمثل أكثر من 30.90% من إجمالي الفلسطينيين في العالم، تصل معدلات الفقر داخل المخيمات إلى 19%، أما في سوريا فإن معاناة اللاجئين الفلسطينيين تفاقمت بعد ثماني سنوات من الحرب المدمرة هناك، حيث وصلت نسبة الفقر لديهم إلى أكثر من 95%، وقد اضطر 280 ألف لاجئ من أصل 400 ألف لمغادرة سوريا، في هجرة جديدة مركبة إلى لبنان والأردن وتركيا ومصر ودول أوروبية، مشيراً إلى أن اللاجئين الفلسطينيين يشكلون 3% من عدد سكان سوريا، 60% مهجرون داخلياً، 10% منهم عالقون في المناطق المحاصرة، 12 ألف مفقود ومعتقل بينهم نساء وأطفال، 3330 قضوا بسبب التعذيب، 195 لاجئ قضوا نتيجة نقص الأغذية والأدوية. وفي معطيات أوردها التقرير، تؤكد على أن في لبنان يعيش اللاجئون الفلسطينيون ظروفاً إنسانية صعبة في 12 مخيم للجوء، حيث بلغ معدل الفقر 65%، ويعاني ما يقرب من 38% من نقص أو انعدام للأمن الغذائي، بينما يوجد في هذه المخيمات ما يقرب من 6 آلاف منزل غير صالح للسكن، وما يزال 50% من منازل مخيم نهر البارد بحاجة لإعادة إعمار، في حين يعاني 31% من اللاجئين من أمراض مزمنة، في وقت لا تغطي الأونروا سوى 50% من تكلفة بعض أدوية السرطان، وقد ازدادت هذه المعاناة باللاجئين الفلسطينيين المهجرين من سوريا والذين يعانون من الفقر بنسبة 89.1%.
وفي السودان يعاني اللاجئون الفلسطينيون ما يعانيه السودانيون من ارتفاع نسبة البطالة وضعف القدرة على توفير الاحتياجات الأساسية، وفي تركيا تعيش مئات الأسر الفلسطينية، المهجرة غالبها من سوريا، ظروفاً مأساوية صعبة، أما في اليمن فيعيش ما يقرب من 500 أسرة فلسطينية لاجئة تحت خط الفقر، تعاني ما يعانيه اليمنيون من مجاعة وانتشار للأمراض المعدية، وصعوبة الوصول إلى متطلبات المعيشة الأساسية.
ويشير التقرير إلى أوضاع اللاجئين الفلسطينيين في ليبيا، والذين يقدر عددهم بـ 50 ألف نسمة، حيث يعانون نتيجة الصراع المحتدم في البلاد لتأخر الرواتب وعدم استلام مستحقاتهم المالية، ما أدى إلى وقوعهم تحت خط الفقر، وارتفاع نسب البطالة بينهم، كما أدى الصراع إلى اعتقال ومقتل وفقد عدد من الفلسطينيين.
وحول الواقع الإنساني للاجئين الفلسطينيين في العراق يفيد التقرير بأن ما يقرب من 1000 عائلة فلسطينية تتوزع في أنحاء مختلفة في العراق أجبرت على الهجرة مرات عدة داخل البلاد وخارجها نتيجة بيئة الحرب هناك، وتعيش أوضاعاً اقتصادية صعبة، وارتفاعاً في معدلات البطالة.
وفيما يتعلق بأوضاع الفلسطينيين داخل الأراضي المحتلة عام 1948، يشير التقرير إلى أنهم يعانون من سياسة التهميش التي تتبعها دولة الاحتلال حيالهم، وتعاملهم كمواطنين من الدرجة الثانية، كما يتم إهمال مرافق الخدمة الخاصة بهم مقارنة بالمرافق المخصصة للإسرائيليين.
حرب على المؤسسات الإنسانية واشتدت ضراوة الحرب التي تشنها دولة الاحتلال ومن خلفها الولايات المتحدة الأمريكية على المؤسسات الإنسانية الداعمة للشعب الفلسطيني خلال العام الماضي، من أبرزها تلك الحرب التي اتخذت أشكالاً عدة لتقويض عمل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، في إطار مخطط شامل لتصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين، انتهاءً بتصفية القضية الفلسطينية، التي يعتبر اللاجئون أحد أهم ركائزها وثوابتها الوطنية.
فبعد أن أوقفت الولايات المتحدة في العام 2018 دعمها السنوي لـ(أونروا) البالغ 365 مليون دولار، عقب حملة تحريضية بدأتها دولة الاحتلال ضد الوكالة وجدوى استمرارها، ومن خلال تحرك متناغم بين الطرفين الأمريكي والإسرائيلي، يتأكد على إثر سلسلة من القرارات والإجراءات المتعاقبة من جانب الإدارة الأمريكية، الرغبة في إزاحة ملف حق اللاجئين في العودة من طاولة المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، لتتساوق مع ملف القدس التي أزيح ملفها هي الأخرى عن طاولة التفاوض بعدما قرر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ونقل سفارة بلاده إلى المدينة المقدسة.
خاضت (أونروا)، وما تزال، عقب القرار الأمريكي، والحملة الصهيونية التي ادعت بوجود فساد مالي في صفوف الوكالة، معركة تعويض النقص الحاد في موازنتها، وقد اضطرت قبلها لاتخاذ إجراءات تقليص العديد من خدماتها المقدمة لأكثر من 5 ملايين لاجئ يتوزعون في الأردن ولبنان وسوريا، إضافة للضفة الغربية وقطاع غزة، حيث أثر ذلك بشكل مباشر على معيشة اللاجئين الذين يعتمد غالبيتهم على مساعدات الأونروا التي تقدمها في المجالات الصحية والتعليمية والدعم الإنساني.
معركة الاحتلال، ومن خلفه الإدارة الأمريكية، ضد الشعب الفلسطيني لا تعرف حدوداً، حيث تتسع ميادينها لتلاحق الفلسطيني أينما حل وارتحل، فالضغوط التي تمارس على الدول المانحة للفلسطينيين ومؤسساتهم المدنية، لا تتوقف، فقد أسفرت ضغوط اللوبيات الصهيونية في الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي عن سن الحكومات إجراءات تقيّد عمل المؤسسات المانحة، واشتراطها "وجود طرف ثالث يتأكد من عدم وجود علاقات واتصالات بين المنظمات الأهلية الفلسطينية والتنظيمات الفلسطينية المسلحة".
ولقانون المساعدات "المشروطة" هذا أبعاد اجتماعية واقتصادية وسياسية عديدة، كما أن له تداعيات إنسانية "كارثية" على المدى البعيد، سيما وأن التنظيمات الفلسطينية التي تنتمي للحالة النضالية المشروعة قانونياً -حيث تجيز القوانين والأعراف الدولية للشعوب الخاضعة تحت الاحتلال، أن تكافح من أجل استرداد حقوقها، وتقرير مصيرها- خرجت من النسيج الاجتماعي للشعب الفلسطيني، الذي يرنو للخلاص من الاحتلال، وقد عبّر الشعب الفلسطيني مراراً وتكراراً على تمسكه بكافة أدواته النضالية، وعدم التخلي أو التفريط بالمقاومة كوسيلة لاسترداد حقوقه.
حرب "تجويع"
رفض المنظمات الأهلية الفلسطينية قوانين المساعدات المشروطة جاء سريعاً، معتبرةً الإجراءات الأخيرة "تسييس" للمساعدات الإنسانية، وتدخل في مسار النضال الفلسطيني ضد الاحتلال، واستخدام المساعدات كورقة ضغط للاستفراد بالفلسطينيين، وفرض حرب تجويع ضدهم، من أجل تمرير مخططات تصفوية، كشفت لاحقاً صفقة القرن التي أعلنها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أخيراً عن ماهيتها وطبيعتها.
الضغوط ضد المؤسسات الإنسانية والخيرية لم ترحم، بدورها، مؤسسات وجمعيات أوروبية عاملة في فلسطين، ودأبت خلال السنوات الماضية على وضع المجتمع الفلسطيني الذي يعاني جراء الاحتلال، على رأس أولوياتها في تقديم الدعم والإسناد الإنساني، عبر تنفيذ المشاريع الإغاثية والتنموية التي تخفف من معاناة الشرائح الضعيفة فيه كالأيتام والمرضى وذوي الاحتياجات الخاصة، والأسر الفقيرة، وغيرهم.
ولعل "الصندوق الفلسطيني للإغاثة والتنمية – انتربال"، مقره لندن، يصلح كنموذج واضح يمكن القياس عليه لما تعانيه المؤسسات الإنسانية الأوروبية الداعمة للشعب الفلسطيني في الداخل والشتات، بعدما عانى على مدى سنوات طويلة تحريض اللوبي الصهيوني ضده، بهدف التضييق على عمله، ما جعل القائمين عليه يخوضون غمار محاولات استرداد اعتبارهم في ردهات المحاكم، التي اتخذت شكل المعارك القضائية، رمى من خلالها اللوبي الصهيوني تشويه سمعة "انتربال"، والنيل منه تحت دعاوى واهية تتمحور حول "دعم فصائل المقاومة" التي درج على وصفها بالمنظمات الإرهابية.
ومع تمكّن "انتربال" من كسب كافة الدعاوى المرفوعة ضده، على مدى سنوات طويلة، إلا أن ممارسة الضغوط على البنوك التي يتعامل معها، وعرقلة تعاملاتها المالية في العديد من الدول، جعل هذه البنوك تحجم عن التعامل مع المؤسسة الخيرية، على الرغم من تأكيد "انتربال" بأن جميع معاملاته المالية تخضع للرقابة والمتابعة المالية من قبل البنوك البريطانية، وشهدت له العديد من البنوك بسلامة هذه التعاملات، وتوافقها مع القوانين البريطانية، كما يؤكد على الدوام بأن عمله كان، وما يزال، منذ تأسيس الصندوق في المجال الإنساني والخيري، دون تعاطيه مع الشأن السياسي، ورفضه الارتباط بأية جهة أو منظمة سياسية، حيث أن مشاريعه تستهدف الشرائح الفقيرة والمعوزة من أبناء الشعب الفلسطيني في مختلف أماكن تواجده.
"صفقة القرن"
هدف استراتيجي لم يكن الإعلان عن "صفقة القرن" من جانب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في يناير الماضي، سوى الهدف الاستراتيجي والنتيجة لحرب شعواء مورست على الشعب الفلسطيني طيلة السنوات الماضية، بل وطالت شعوب المنطقة من أجل إيصال دولها لحالة الضعف التي يمكن من خلالها خلق واقع جديد، يتم بموجبه تهيئة المناخات السياسية للحظة إعلان الصفقة التي "تقنن" سلب الفلسطينيين حقوقهم المشروعة التي ناضلوا من أجلها عقوداً، وقدموا التضحيات والدماء، لتتكرس في نهاية الأمر دولة الاحتلال كقطب تدور حوله باقي الكيانات السياسية، ومركز اقتصادي وسياسي يهيمن على باقي الكيانات "الفرعية"، واعتبارها كبؤرة إقليمية تستحوذ على مقدرات المنطقة.
ولا يمكن اعتبار ما مر ويمر بالقضية الفلسطينية ودول المنطقة خلال السنوات الماضية من أحداث بمحض الصدفة، فحالة الجوع الحقيقي التي وصل إليها اللاجئون الفلسطينيون في لبنان في ظل ما يعيشه البلد من أوضاع سياسية واقتصادية صعبة، تكشف الغطاء عن هشاشة الرؤية، وقصر النظر السياسي التي اتخذت على مدى سنوات طويلة تجاه اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، حيث كان خوف الساسة اللبنانيين، ورعبهم من مجرد تصريح لمسؤول غربي يتعلق بتوطين الفلسطينيين في لبنان، بمثابة الحجة بحرمانهم الحقوق المدنية، من بينها ممارسة الكثير من المهن، ومنعهم ترميم ما يتصدع من منازلهم الهشة في المخيمات، وكذلك منعهم من حق التملك.
كما أن الظروف الإنسانية "الكارثية" التي يعيشها اللاجئون الفلسطينيون في سوريا منذ أكثر من 10 سنوات، وما يمرون به من مأساة حقيقية عقب الأحداث التي تلت اندلاع الثورة السورية، والتي ينتقل فيها الفلسطيني عبر سني قضيته لاجئاً من خيمة إلى أخرى، لم تخدم إلا المخططات المتربصة بالمنطقة وبالقضية الفلسطينية، وبزعزعة الإيمان بحق العودة تحديداً كأحد الثوابت الوطنية، وصولاً للتنكر للحقوق والثوابت الوطنية، عبر تصفية القضية الفلسطينية.
ومع حلول العام 2020، لم يبق للفلسطيني ما يبعث على الأمل، بعدما أرخت أحداث عام 2019 وما سبقها من سنوات، بظلالها الثقيلة على أوضاعه الإنسانية والسياسية والاقتصادية، لتبدو معها كافة السيناريوهات باعثة على الإحباط، سيما وأنه يستقبل العام الجديد بانقسام داخلي ترسخ على مر السنوات الماضية، ولا يزال إنهاؤه بعيد المنال على الرغم من المخاطر المحدقة بمصيره وبقضيته بشكل عام.
وأمام هذا الواقع المرير، لم يعد أمام الفلسطينيين سوى المضي بثبات نحو بناء إستراتيجية واعية تجمع كافة الطيف الفلسطيني، بهدف إسقاط "صفقة القرن"، يكون أساسها توحيد الرؤية والقرار الوطني، والعمل على توفير الدعم والإسناد السياسي والقانوني والاقتصادي، من خلال تفعيل شبكة العلاقات العربية والإسلامية والدولية، والتحلل من كافة الاتفاقات مع دولة الاحتلال، فالحقوق لا تسترد بالتمني وانتظار ما يستجد من هنا وهناك، بل بالفعل السياسي الحقيقي، وفرض الإرادة الشعبية الوطنية الفلسطينية فوق إرادة المحتل، والقوى التي تدعمه.
الدكتور عصام يوسف – رئيس الهيئة الشعبية العالمية لدعم غزة
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت