لا «فيتو» ضد نتنياهو

بقلم: محمد السهلي

نتنياهو

كان يئير لبيد، رئيس «يوجد مستقبل» واضحاً عندما أشار إلى أن خيار «كاحول لافان» المفضل هو حكومة وحدة مع «الليكود» بوجود نتنياهو والتناوب معه على رئاستها. ورأى البعض أن هذا التصريح يأتي في إطار الضغط على «المشتركة»، كونه أطلق عشية لقاء يجمع وفدها مع تحالف «أزرق ـ أبيض»، لبحث موضوعة تشكيل حكومة أقلية تستثني نتنياهو وحزبه.

لكن معظم المحللين قالوا إن تصريح لبيد يعبّر عن مساحة التطابق الواسعة مع الليكود، التي تمكّن الطرفين من الاتفاق على برنامج ائتلاف حكومي، يشكل استمراراً للخطوات الاحتلالية، التي نشطت بها حكومات نتنياهو، وتصاعدت مع مجيء إدارة ترامب وخطتها العدوانية.

وهذا ـ يقول المحللون ـ يُعفى «غانتس» وتحالفه من تداعيات الخوض في محددات تتعاكس مع ماسبق، كما تطرحها «المشتركة» شرطاً لدعم تشكيل حكومة أقلية برئاسة غانتس.

لا يستطيع يئير لبيد وقيادات «أزرق ـ أبيض» إخفاء ارتباكهم أمام نتائج الجولة السابقة من انتخابات الكنيست.وهم يدركون أن تقدم حزب نتنياهو ومعسكره بنتيجة هذه الانتخابات، من الطبيعي أن يرفع اشتراطات الليكود وطموحاته في موضوعة تشكيلة  الحكومة على الرغم من قرب محاكمة رئيسه في السابع عشر من الشهر الجاري.

وعلى الرغم من مؤشرات توجه بيني غانتس وتحالفه نحو «القائمة المشتركة» للبحث في تشكيل حكومة أقلية، إلا أنه يعرف أن مكونات تحالفه ليست موحدة في هذا الاتجاه، وأن عدداً من قيادات التحالف الأساسيين يرفضون رفضاً قاطعاً هذا التوجه ويهددون بالوقف ضده. وهذا يعني برأي الكثير من المحللين أن نتنياهو سيكون أمام مفاجآت «سارة»، في حال أقدمت أورلي ليفي أبيكاسيس من تحالف «العمل ـ غيشرـ ميرتس» ـ وربما غيرها من «أزرق ـ أبيض» أيضاً ـ على الانشقاق من التحالف والالتحاق بمعسكر نتنياهو، الذي سبق وأن وعدها بحقيبة وزارة الصحة، في حال تمكن من تشكيل الحكومة. وهناك من المحللين من يعتقد أن اتفاقاً قد أبرم حول ذلك، ويوجد أيضا عضوا كنيست من «أزرق ـ أبيض» يرفضان تشكيل حكومة أقلية بدعم من القائمة المشتركة، وهذا يعني أنه في حال التصويت عليها سيقف 61 عضوا كنيست ضد ذلك.

هذا ما يتعلق بخريطة المواقف الصهيونية من تشكيل هذه الحكومة، لكن هناك أسباباً كثيرة يمكن أن تضعف من احتمال تشكيلها، وأبرزها حقيقة مواقف أطراف تحالف «أزرق ـ أبيض» بشكل خاص من قضايا الجماهير العربية في إسرائيل وماتعانية جراء سياسات التهميش والإقصاء والإفقار، وهذه من إحدى القضايا الأساسية التي ترهن «المشتركة» تأييدها لحكومة أقلية بتحقيق هذه القضايا والمطالب.

والأمر لا يتعلق فقط بمواقف عدد من قيادات تحالف غانتس السلبي تجاه هذه القضايا، بل يبدأ بغانتس نفسه الذي لم يقل عنصرية عن نتنياهو في تصريحاته ضد «المشتركة» وتحريضه ضد من تمثلهم، كما لا يخفى على المراقبين أن جوهر ما صرح به يئير ليبيد مؤخراً كان يعني أن عزم تحالف غانتس على التعاون مع «المشتركة» في ملف الحكومة، إنما ينطلق من زاوية استخدامه في مواجهة تفوق الليكود ومعسكره في ميزان الفرص لتشكيل الحكومة.

وربما بقي  العنصر الرئيس والوحيد الذي يراهن عليه غانتس وتحالفه حتى الآن بشكل فعلي، هو تداعيات محاكمة نتنياهو من أجل تعزيز فرصة تشكيل حكومة وحدة مع الليكود، وفي هذه المرة يتجاوز «أزرق ـ أبيض» شروطه باستبعاد نتنياهو نهائيا من رئاسة الحكومة، كما كان يصرح عشية الانتخابات. فالمسألة بالنسبة لهذا التحالف تتعلق بالسياسات الاحتلالية التي يعتمدها، والتي تتطابق في عناوينها الأساسية مع مشروع نتنياهو الاستيطاني الاستعماري، وتتطابق أيضاً ـ بالنتيجة ـ مع عناوين «صفقة ترامب ـ نتنياهو».

وما يحدث من تململ في أوساط «أزرق ـ أبيض»؛ يزيد من هواجسه من حدوث أي تفكك في عضويته. ومن هذه الزاوية، ليس صحيحا أن موقف أبيكاسيس ومؤشرات تمردها على تحالفها مع العمل، وميرتس يتعلق فقط برفض التعاون مع «المشتركة»، بل هو ـ كما يقول المحللون ـ من تداعيات الإخفاق في إزاحة نتنياهو أو إضعافه على الأقل، في الوقت الذي حصل فيه العكس بنتيجة الانتخابات السابقة.

وفيما تسود حالة من الترقب المشهد الياسي والحزبي في إسرائيل لأية تطورات في خريطة المواقف تجاه تشكيل الحكومة، يكرر رئيس الدولة العبرية ريفلين اقتراحه تشكيل حكومة وحدة في الوقت الذي تجري فيه محادثات مابين «القائمة المشتركة» و«أبيض ـ أزرق». وقد سبق أن صرح ريفلين أنه بمعرض دراسة تحويل التكليف بتشكل الحكومة إلى الكنيست الجديد، وهذا مارآه المراقبون شكلا من أشكال الضغط على الليكود الذي يعتبر أنه مخول بحكم النتائج لأن يتلقى التكليف أولا.

وحتى هذه اللحظة،تمتلك كل من القائمتين الكبيرتين هامشا محدودا من المناورة، بعد ثلاث جولات انتخابية متلاحقة لم تؤدي إلى الحسم.وتحاول كل منهما تغيير سقف فرصها في تشكيل الحكومة عبر الرهان على تطورات مفاجئة في المواقف وخاصة من قبل أفيغدور ليبرمان الذي يرى المحللون أنه لن يحافظ على سكونه المؤقت وهو يراقب الاجتماعات مابين «المشركة» وممثلي «أبيض ـ أزرق» من جهة ، ومؤشرات تمرد أبيكاسيس على تحالفها واحتمال التحاقها بنتنياهو من جهة أخرى.

وهذا يعني بالنسبة له انتهاء المرحلة التي كان فيها حزبه «بيضة القبان» الوحيدة، التي يمكن أن ترجح أي من الكفتين المتنافستين. كما أنه في الفترة الأخيرة أبدى مواقف حادة ضد نتنياهو، عبر مطالبته الليكود بتجاوز حقبة رئيسه «الاشكالي». لكن المحللين لا يستبعدون في الوقت نفسه، في حال رجحت كفة نتنياهو بانزياح عدد من نواب القوائم المنافسة إلى معسكره، أن يتغير موقف ليبرمان الذي ما يزال يرى أن حكومة وحدة هي المسار الأفضل، في الوقت الذي تحاول فيه كل من القائمتين الكبيرتين الضغط على الأخرى، من خلال تظهير المؤشرات التي تدل على إمكانية تجاوزها لخيار تشكيل حكومة وحدة، والانفراد في تشكيلها ورئاستها.

ويمكن القول إن شبح إجراء انتخابات كنيست رابعة،سيؤثر على مواقف الكثير من الأطراف، ويجعلها تعدل من حساباتها، وبالتالي من مواقفها.

محمد السهلي

المصدر: -

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت