نتائج انتخابات الكنيست الـ23.. استمرار الانقسام السياسي - تقدير موقف

صدرت هذه الورقة عن المركز الفلسطيني للدراسات الاسرائيلية - مدار

مقدمة

تهدف هذه الورقة إلى تحليل نتائج انتخابات الكنيست الـ23 الأخيرة، التي جرت في 2 آذار 2020. وتنطلق الورقة من مقولة أن الانتخابات لم تؤد إلى حلحلة أزمة الانقسام السياسي القائم حالياً في إسرائيل والمحتدمة منذ نيسان 2019 وما زالت تحول دون تأليف حكومة جديدة.

وجاءت انتخابات الكنيست الـ23 بعد فشل الليكود وتحالف "أزرق أبيض" في تشكيل حكومة في أعقاب انتخابات أيلول 2019، والتي جاءت بدورها بعد فشل الليكود في تشكيل حكومة في انتخابات نيسان 2019.

وينص قانون أساس الكنيست على أنه بعد فشل أي عضو كنيست في تشكيل الحكومة خلال الفترات المعتمدة في القانون، فإن الكنيست يقوم بحلّ نفسه والإعلان عن موعد انتخابات جديدة. والانتخابات الأخيرة هي الثالثة خلال أقل من عام واحد.

ووصلت نسبة التصويت في هذه الانتخابات إلى نحو 71.5% بينما كانت في أيلول 69.8%، بمعنى أن نسبة التصويت ارتفعت بـ2% تقريباً. ووصل عدد الأصوات الصحيحة في هذه الانتخابات إلى 4.590.062 صوتا، فيما وصل عدد الأصوات الصحيحة في انتخابات أيلول إلى 4.436.806 صوتاً[1].

ووفقاً للنتائج النهائية، حصلت قائمة حزب الليكود برئاسة بنيامين نتنياهو على 36 مقعداً، وقائمة تحالف "أزرق أبيض" برئاسة عضو الكنيست بيني غانتس على 33 مقعداً، والقائمة المشتركة على 15 مقعداً، وقائمة حزب شاس الحريدي على 9 مقاعد، وحصل كل من قائمة "يسرائيل بيتينو (إسرائيل بيتنا)"، وقائمة الحزب الحريدي يهدوت هتوراه، وقائمة التحالف بين أحزاب العمل و"غيشر" وميرتس على 7 مقاعد، وحصلت قائمة تحالف "يمينا" على 6 مقاعد.

جرت الانتخابات الحالية في ظل المتغيرات التالية:

أولاً: نشر الخطة الأميركية للسلام أو ما يعرف بـ"صفقة القرن"، حيث اشتملت الخطة من بين أمور أخرى على فقرة تتعلق بنقل المثلث إلى الدولة الفلسطينية، أي التخلص من حوالي 350 ألف فلسطيني يعيشون في هذه المنطقة[2].

ثانياً: السعي المحموم لدى اليمين الإسرائيلي برئاسة نتنياهو لتصفية القضية الفلسطينية، منطلقاً من "صفقة القرن"، وأساساً من خلال ضم مناطق في الضفة الغربية، وفرض السيادة الإسرائيلية على المستوطنات هناك[3].

ثالثاً: تطلع اليمين الإسرائيلي إلى حسم الانتخابات الحالية، من خلال العمل على الحصول على 61 مقعداً لكتلة اليمين وأحزاب اليهود الحريديم (المتشددون دينياً)، من دون حزب أفيغدور ليبرمان ("يسرائيل بيتينو")، وتشكيل حكومة تعمل على وضع المدماك الأخير من مشروع اليمين فيما يتعلق بمشروعه السياسي داخل الخط الأخضر، وفي الضفة الغربية[4].

رابعاً: نزع الشرعية عن القائمة المشتركة، سواء في خطاب الليكود ولاحقاً أيضاً في خطاب تحالف "أزرق أبيض"، والإجماع الحزبي الإسرائيلي (ما عدا ميرتس) على شطب عضو الكنيست هبة يزبك (التجمع)، برغم توصية القائمة المشتركة على رئيس "أزرق أبيض" بيني غانتس في الانتخابات السابقة، وهو ما أكد على وُجهة السياسة الإسرائيلية نحو تقليص العمل السياسي الفلسطيني وحرية التعبير أكثر فأكثر.

الليكود

 

استطاع حزب الليكود أن يزيد تمثيله في الكنيست من 31 مقعدا إلى 36 مقعدا، وذلك على الرغم من أن الفترة التي سبقت الانتخابات شهدت تصعيدا في ملفات الشبهات الجنائية التي تحوم حول نتنياهو تخلله تقديم لائحة اتهام ضده من طرف المستشار القانوني للحكومة، ولحق ذلك فشله في الحصول على الحصانة البرلمانية لأنه سحبها في آخر لحظة بعد أن تقدم بطلب حصانة، وذلك لمعرفته أن الكنيست بتركيبتها التي كانت لن توافق له على هذا الطلب، وانتهاء بتحديد الجلسة الأولى لمحاكمته التي كان من المقرر عقدها يوم 17 آذار. كل هذه التطورات في ملف نتنياهو الجنائي لم تؤثر عليه، بل إن الليكود عزز من تمثيله، كما استطاع تعزيز تمثيل كتلة اليمين- الحريديم من 55 مقعدا في انتخابات أيلول 2019 إلى 58 مقعدا في هذه الانتخابات. في انتخابات أيلول حصل الليكود على 1,113,617 صوتاً، فيما حصل في انتخابات آذار 2020 على 1,352,449 صوتا، بمعنى أن الليكود زاد عدد المصوتين له بأكثر من 200 ألف صوت[5]. تجدر الإشارة كذلك إلى أن باقي القوائم في كتلة اليمين- الحريديم حافظت على قوتها تقريباً، وهذا يدل على أن القواعد الانتخابية لليكود هي قواعد ثابتة، وأن الحراك بالأساس يكون داخل وبين القوائم اليمينية.

أما أهم الأسباب التي ساهمت في تعزيز قوة الليكود فكانت ما يلي:

أولاً: نشر "صفقة القرن"، والتي ساهمت في أهمية الخروج للتصويت لليمين من أجل حسم المرحلة الانتخابية، حيث أن تطبيق الخطة الأميركية وتحديدا ضم مناطق في الضفة الغربية كانت في نظر قواعد اليمين من خلال التصويت للحزب الحاكم، الذي جلب هذه الصفقة ووعد بتطبيقها في حالة فوزه في الانتخابات.

ثانياً: العمل الميداني المكثف الذي قام به الليكود من أجل تحفيز قواعده التي لم تصل في الانتخابات السابقة من أجل التصويت له.

ثالثاً: تسويق فكرة أن الحكومة التي قد يؤلفها غانتس ستكون من خلال الاتكاء على دعم القائمة المشتركة، وعلى غرار خطاب نتنياهو ضد شرعية حكومة إسحاق رابين وتوقيعها اتفاق أوسلو بسبب دعمها من الكتلة المانعة العربية، أعاد نتنياهو هذا الخطاب من خلال اعتبار أن أي حكومة سيشكلها غانتس ستكون مدعومة من أعضاء القائمة المشتركة والتي أطلق عليها نتنياهو اسم "قائمة داعمي الارهاب"[6].

رابعاً: نجاح نتنياهو في تعزيز وعي ناخبي اليمين بأنه مُلاحق قضائيا من أجل إسقاطه سياسيا، كما عزز من حالة الضحوية التي ألصقها بنفسه.

خامساً: رغبة الكثير من قواعد اليمين بحسم الانتخابات من أجل منع انتخابات رابعة، في الوقت الذي لم يجد فيه اليمين عنوانا لحكومة مستقرة يهودية إلا من خلال التصويت لليكود.

 

"أزرق أبيض" ومعسكر "اليسار الصهيوني"

 

حافظ تحالف "أزرق أبيض" على تمثيله البرلماني في الانتخابات الحالية (33 مقعدا)، ولكنه بخلاف انتخابات أيلول لم يعد الحزب الأكبر في الكنيست، بعد حصول الليكود على 36 مقعدا. وحصل التحالف في انتخابات أيلول على 1,151,214 صوتا، بينما حصل في انتخابات آذار على 1,220,381 صوتا، أي بزيادة 70 ألف صوت. ولم تكف هذه الزيادة للتحالف من أجل تعزيز تمثيله البرلماني بسبب ارتفاع نسبة التصويت في هذه الدورة الانتخابية. وتراجعت كتلة المعارضة لنتنياهو ("أزرق أبيض"، ليبرمان، والعمل- غيشر- ميرتس) من 52 مقعدا في انتخابات أيلول إلى 47 مقعدا. بمعنى أن هذا المعسكر تراجع 5 مقاعد، وإذا ما اعتبرنا أن مقعدين حصلت عليهما القائمة المشتركة، فإن ثلاثة مقاعد انتقلت إلى كتلة اليمين التي ارتفعت من 55 مقعدا إلى 58 مقعدا.

أما أسباب تراجع هذا المعسكر المعارض لنتنياهو فتعود إلى ما يلي:

أولاً: ضعف الدعاية الانتخابية والاستراتيجية الانتخابية لتحالف "أزرق أبيض" الذي بدا وكأنه في حالة رد فعل دائم لنتنياهو، حيث حدد الأخير جدول النقاش العام، كما أنه شنّ هجوما مكثفا على "أزرق أبيض" خاصة فيما يتعلق بتشكيل حكومة مع القائمة المشتركة. في المقابل بقي "أزرق أبيض" ينكر ذلك، متحدثا عن حكومة بأغلبية يهودية، وذلك على الرغم من أن المشهد الانتخابي الذي كان متوقعا لا يعطيه هذه الإمكانية إلا من خلال حكومة وحدة وطنية. وجاء تصريح رئيس العمل عمير بيرتس قبل أسبوع من الانتخابات بأنه اتفق مع غانتس على تشكيل حكومة مع القائمة المشتركة لتؤكد دعاية الليكود حول ذلك[7].

ثانيا: أضر التحالف بين ميرتس وبين العمل- "غيشر" بالقوة الانتخابية لهذا التحالف. فقد حصل الحزبان في انتخابات أيلول على 11 مقعدا (6 مقاعد للعمل- "غيشر" و5 مقاعد لميرتس)، فيما حصل التحالف في انتخابات آذار على 7 مقاعد أي أنه خسر أربعة مقاعد. ويعود ذلك إلى أن التحالف ساهم في عزوف ناخبين للحزبين عن التصويت لهذا التحالف. فجزء من ناخبي ميرتس رفض هذا التحالف لأنه يشمل حزب "غيشر" الذي يعتبرونه حزبا يمينيا من جهة، ويعتبرون من جهة أخرى أنه لا فائدة انتخابية منه لأنه فشل في رفع تمثيل حزب العمل في الانتخابات السابقة، علاوة على ذلك اعترض قسم منهم على إقصاء الممثل العربي في هذا التحالف (عيساوي فريج) إلى المكان الحادي عشر الذي لم يكن مضموناً ولا حتى في الاستطلاعات المتفائلة التي كانت تعطي لهذا التحالف في بداية الطريق 10 مقاعد.

ويمكن القول إن الانتخابات أدت إلى انهيار حزب العمل، الحزب الذي أسس الدولة.

وسبق أن أشرنا إلى أنه بعد تقهقر حزب العمل في انتخابات نيسان بقيادة آفي غباي (الشرقي) انتخب عمير بيرتس (الشرقي)، الذي قاد حزب العمل سابقا، ودخل إلى حكومة ايهود أولمرت (2006-2009) كوزير للدفاع. ولم يغير بيرتس من خطابه الانتخابي، ووعد بجذب مصوتين من الليكود، ولا سيما الشرقيين، وهو نفس الوعد الذي ذكره في مرات سابقة، وفضل بيرتس إبرام تحالف مع حزب "غيشر" برئاسة أورلي ليفي- أبكسيس، وهي نجلة وزير الخارجية السابق من حزب الليكود دافيد ليفي، على دعوته للتحالف مع ميرتس وإيهود باراك. وفي الانتخابات الحالية انصاع بيرتس وقام بتحالف مع ميرتس مع إبقاء ليفي- أبكسيس في المكان الثاني كجزء من التحالف.

 

نتائج انتخابات 2019- 2020 (بحسب عدد المقاعد)

 

القائمة

نيسان 2019

أيلول 2019

آذار 2020

الليكود

35

31

36

كحول لفان (أزرق أبيض)

35

33

33

حزب العمل

6

6 (بتحالف مع غيشر)

7 (تحالف العمل-غيشر- ميرتس)

ميرتس

4

5 (بتحالف مع حزب إيهود باراك)

كولانو

4

0 (انضم إلى حزب الليكود)

انتهى الحزب بدمجه في الليكود واعتزال مؤسسة موشيه كحلون

يهدوت هتوراه

8

8

7

شاس

8

9

9

يسرائيل بيتينو (ليبرمان)

5

8

7

أحزاب اليمين

5 (اتحاد أحزاب اليمين)

7 (يمينا)

6 (يمينا)

القائمة المشتركة

10 (ضمن قائمتين)

13

15

المجموع

120

120

120

 

 

إنجاز برلماني غير مسبوق للتمثيل العربي

 

وصلت نسبة التصويت في المجتمع العربي (لا يشمل المدن المختلطة) في هذه الانتخابات (آذار 2020) إلى حوالي 65%، مقارنة مع 60% في أيلول (2019) و49% في نيسان (2019). وحصلت القائمة المشتركة في هذه الانتخابات على 581,507 صوتا ما يعادل 12.6% من أصوات الناخبين عموماً، و87% من أصوات الناخبين العرب، بينما ذهبت باقي الأصوات العربية إلى الأحزاب الصهيونية.

وللمقارنة، حصلت القائمتان العربيتان (تحالف الجبهة والعربية للتغيير وتحالف الموحدة والتجمع) في انتخابات نيسان على 337,108 أصوات، ما يعادل حوالي 70% من مجمل الأصوات في المجتمع العربي، بينما ذهبت (30%) لأحزاب صهيونية.

وبالمقارنة مع نتائج التصويت للقائمة المشتركة في انتخابات عام 2015، حصلت القائمة على 446,583 صوتا، أي ما يعادل 10.61% من مجمل الأصوات، وهي 82% من الأصوات في المجتمع العربي.[8]

 

 

المقارنة بين الجولات الانتخابية الأربع الأخيرة في المجتمع العربي

 

 

2015

نيسان 2019[9]

أيلول 2019

آذار 2020

عدد الأصوات للقائمة المشتركة

446,583

337,108

470,611

 581,507

 

عدد المقاعد

13

10

13

15

نسبة المصوتين للقائمة المشتركة

82%

70%

80%

87%

نسبة المصوتين للأحزاب الصهيونية

18%

30%

20%

13%

نسبة الامتناع عن التصويت

36%

51%

40%

35%

 

وفي تحليل نتائج التصويت في منطقة المثلث تحديدا يتضح أن هناك ارتفاعا في نسبة التصويت لدى المجتمع الفلسطيني عموما، وفي نسبة التصويت للقائمة المشتركة تحديدا. ويعود ذلك إلى طرح موضوع نقل منطقة المثلث إلى الدولة الفلسطينية، حيث يمكن التقدير أن السكان في هذه المنطقة عبّروا عن احتجاجهم على هذا البند في الخطة، من خلال التصويت للقائمة المشتركة.

 

التصويت في المثلث في الجولتين الأخيرتين

 

 

أيلول 2019

آذار 2020

نسبة التصويت

60.5%

68.1%

نسبة التصويت للمشتركة

91.7%

97.3%

 

 

 

[1] . للمزيد من المعطيات عن نتائج الانتخابات، أنظر موقع المعهد الإسرائيلي للديمقراطية، https://www.idi.org.il/policy/parties-and-elections/elections/2019-september/

[2] . للمزيد حول تطور فكرة ضم المثلث إلى الدولة الفلسطينية، أنظر: مهند مصطفى، "أم الفحم أولا": اقتراحات التبادل الجغرافي/السكاني للفلسطينيين في وادي عارة/المثلث، مجلة قضايا إسرائيلية، 2018، عدد 71، ص:30-71.

[3] . ألوف بن، مشهد الضم، هآرتس، 23/1/2020

[4] . مهند مصطفى: بنيامين نتنياهو: إعادة انتاج المشروع الصهيوني ضمن منظومة صراع الحضارات، الطبعة الثانية، (إسطنبول: مركز رؤية للتنمية السياسية، 2019). أنطوان شلحت، بنيامين نتنياهو: عقدة اللاحل، (رام الله: مركز مدار، 2016).

[5] . أنظر نتائج الانتخابات في موقع لجنة الانتخابات المركزية على الرابط التالي: https://www.bechirot.gov.il/

[6] . واينت، نتنياهو: غانتس مستمر في خداع الجمهور، بدون القائمة المشتركة ليس لديه حكومة، موقع واينت، 11/2/2020، أنظر الرابط: https://www.ynet.co.il/articles/0,7340,L-5676268,00.html

[7] . طال شاليف، بيرتس، سنقيم حكومة أقلية مع غانتس. موقع واللا، 28/2/2020، أنظر الرابط: https://elections.walla.co.il/item/3343587

[8] أنظر موقع لجنة الانتخابات المركزية لانتخابات عام 2015 على الرابط التالي: https://www.votes20.gov.il/nationalresults

[9] الأرقام تتعلق بالتصويت للقائمتين: تحالف الجبهة والعربية للتغيير وتحالف الموحدة والتجمع.

المصدر: -