أثر حالة الطوارئ على الحقوق العمالية(تسريح العمال وفرض الاجازات)

بقلم: سامر خالد عريقات

المحامي: سامر خالد عريقات

أدى إعلان حالة الطوارئ في دولة فلسطين في الخامس من آذار للعام الفين وعشرين إلى توقف عمل الكثير من المشاريع الكبيرة والمتوسطة والصغيرة في البلاد التى تضررت من الناحية المالية حيث أثر ذلك على توقف أو إنخفاض في العائدات و الأرباح مع بقاء بعض أو جميع المصاريف التشغيلية من دون مقابل ، ومنها مصاريف أُجور العمال ، مما دفع بعض أرباب العمل للبحث عن مخارج قانونية لوقف النزيف المالي دون تكبد مخاسر مالية جديدة نتيجة لقواعد المسؤولية القانونية المترتبة على رب العمل حيثُ ذهب بعض أرباب العمل لفكرة إمكانية تسريح العمال بذريعة إعلان حالة الطوارئ او إجبار العمال على أخذ إجازات غير مدفوعة الأجر. وهنا نوضح مدى قانونية هذه القرارات وهل تعتبر انتهاكاً لحقوق العامل وما قد ينتج عنها من تبعات قانونية.

إن قانون العمل الفلسطيني رقم (7) لعام 2000م قد نص على شكل وأسباب وآلية إنهاء عقد العمل بين العامل ورب العمل وما يترتب على ذلك من حقوق وآثار ومسؤوليات ، وقد وضح حقوق العامل من إجازات وغيرها ، و إن هذه الحقوق الواردة في قانون العمل الفلسطيني هي الحد الأدنى لحق العامل أي لا يجوز مخالفتها بإعتبارها نصوص قانونية آمرة وبناءاً على ذلك سنعالج موضوعان أساسيان وهما قانونية تسريح العمال في ظل حالة الطوارئ السائدة في البلاد وما يترتب على ذلك من تبعات قانونية ، وقانونية اجبار العامل على أخذ إجازة من دون أجر.

في ظل ما يحدث و ما سيحدث من ركود اقتصادي أثناء حالة الطوارئ فإن أصحاب المشاريع يتجهون الى تقليص النفقات التشغيلية التي تتضمن بشكل أساسي أجور العمال مما قد يدفعهم إلى تسريح العمال بذريعة حالة الطوارئ وهنا يجب الإشارة إلى ما ورد في قانون العمل عن إنهاء عقد العمل للعامل الذي أنهى فترة التجربة إذ نصت المادة (33) من قانون العمل الفلسطيني الساري على حالات إنهاء عقد العمل الفردي وهي بإتفاق الطرفين (العامل ورب العمل) ، أو بإنتهاء مدة العقد أو العمل ، أو برغبة العامل أو رب العمل بإنهاء العمل خلال مدة التجربة (ستة أشهر بحد أقصى) أو بناءاً على رغبة العامل مع إخطار رب العمل وفق المدة القانونية أو بوفاة العامل أو بسبب عجز منعه من العمل لمدة تزيد عن ستة أشهُر.
وقد نصت المادة (40) من ذات القانون على الحالات التي تتيح لرب العمل على إنهاء عقد العمل وهي بمجملها تتعلق بمخالفات أو أخطاء جسيمة قام بها العامل تجاه رب العمل أو العمل ذاته (المنشأة) أو في حالة صدور قرار قضائي يدين العامل بجناية او جنحة مخلة بالشرف والأخلاق.
وعليه ووفقاً للمادة (33) والمادة (40) المذكورتان أعلاه لا يحق لرب العمل إنهاء عقد العمل بذريعة توقف العمل بسبب الظروف الطارئة وذلك ما أكدت عليه المادة (38) من ذات القانون التي ورد بها أنهُ لا ينتهي عقد العمل بصدور قرار إداري بإغلاق المنشأة او إيقاف نشاطها مؤقتاً لمدة لا تزيد عن شهرين ونصت صراحةً على إلزامية دفع الأجور للعامل اثناء الإغلاق خلال مدة الشهرين بالإضافة الى مكافأة نهاية الخدمة ، الا أن ذات المادة أعطت الحق لصاحب العمل عدم الإلتزام بذلك بعد إنتهاء مدة الشهرين أي يمكن التوقف عن دفع الأُجور بعد انقضاء شهرين من تاريح صدور القرار الإداري بالإغلاق ولا يمكن إعتبار قرار حالة الطوارئ هو القرار الإداري المقصود في هذه المادة بل أن القرار الإداري هنا هو القرار المباشر الذي أدى إلى إغلاق المنشأة كقرارات المحافظ أو الوزارة المختصة، لذلك فإن إحتساب مدة الشهرين يبدأ من تاريخ صدور القرار المباشر الذي أدى إلى إغلاق المنشأة.
وقد نصت المادة (41) على جواز إنهاء عقد العمل لأسباب فنية أو خسارة إقتضت تقليص عدد العمال مع الإحتفاظ بحقه في مكافاة نهاية الخدمة وبدل الإشعار بالإضافة إلى إشعار وزارة العمل بذلك ، إلا أن هذه المادة لا يمكن تطبيقها على المنشأت التي شملها قرار الإغلاق لتعارضها مع المادة (38) المذكورة سابقاً لإعتبارها قاعدة آمرة لا يجوز مخالفتها . لكن يمكن تطبيق المادة (41) المتضمنة إنهاء العمل لأسباب فنية أو خسارة على المنشأت التي تعرضت لخسائر أو لأسباب فنية نتجت عن حالة الطوارئ والحالة الإقتصادية العامة السائدة في الدولة أو غيرها شريطة أن تكون هذه المنشأة ليست مشمولة في القرار الإداري الخاص بالإغلاق أو بالتوقف عن العمل .
اما فيما يتعلق بفرض الإجازات فإن قانون العمل حدد إجازات العامل كحق لا يمكن إلغاءُه من قبل رب العمل إذ نص الباب الخامس من قانون العمل الفلسطيني في المواد (74 حتى 79) على الإجازات مدفوعة الأجر المستحقة للعامل والذي نص على عدم جواز التنازل عن بعض منها ويمكن لرب العمل تنظيم آلية الإستفادة من هذه الإجازات لضمان سير العمل مع عدم المساس بالإجازات المكتسبة للعامل ولم يتطرق القانون لإمكانية فرض إجازة غير مدفوعة الأجر على العامل أي أنه لا يحق لرب العمل إجبار العامل على الإستفادة من إجازاته المستحقة دون دفع الاجر.
وفيما يتعلق بحالة اجبار رب العمل للعامل على الحصول على الاجازة مدفوعة الأجر لأسباب طارئة يعتبر تعدياً على حق العامل وذلك بناءاً على ان الاجازات حق للعامل وحيث ان القانون أراد بذلك ضمان تلبية احتياجات العامل الحياتية من خلال إستغلاله لإجازات مدفوعة الأجر أي أن رقبة هذا الحق بيد العامل ونفعه يعود على العامل وله حق الإستفادة من هذا الحق كما يراه مناسباً لذلك فلا يمكن القبول في مبدئ صلاحية رب العمل باجبار العامل على إستغلال هذه الاجازات متى أراد رب العمل بشكل جامد ، إلا انه يحق لرب العمل تنظيم الية الاستفادة من الإجازات بشكل مرن يتوافق مع عدم تعطيل العمل وتلبية إرادة العامل في كيفية استغلال حقه على افضل شكل وعليه لا يحق لرب العمل فرض الاجازات الا بموافقة العامل بشكل صريح.
بالإضافة الى عدم قانونية قيام رب العمل بإلزام العامل على أخذ إجازات إضافية عن ما ذكره القانون من دون دفع الأجر اذ يعتبر ذلك احتيالاً على حقوق العامل عن طريق منح العامل إجازات إضافية ملزمة له وتؤدي بنهاية المطاف للإضرار بالعامل وبذمته المالية وإثراء ذمة رب العمل المالية من دون أي مبرر قانوني .  لكن يمكن تحقيق ذلك بطلب العامل للحصول على إجازة غير مدفوعة الأجر أو بإتفاق الطرفين عن طريق موافقة العامل بشكل مباشر وصريح دون ضغط او إكراه على القبول بإجازة غير مدفوعة الأجر من دون المساس بالإجازات المدفوعة الأجر التي رسمها القانون.
خلاصة ما ذكر سابقاً ،،،
إن إنهاء عقد العمل في المنشأت المشمولة في القرار الإداري الخاص بالإغلاق أو التوقف عن العمل قبل مرور شهرين على صدور القرار ودون توفر احد الأسباب الواردة ذكرها في المادة (35) و(40) يعتبر فصلاً تعسفيا وفقاً لنص المادة (46/3) من قانون العمل الفلسطيني ويلزم رب العمل على إعطاء العامل كافة الحقوق الواردة في قانون العمل ومن ضمنها بدلات الفصل التعسفي والإشعار ومكافاة نهاية الخدمة وأي حق آخر ذكره القانون.
أما بخصوص المنشآت التي لم يتم إغلاقها او إيقاف نشاطها وقد تعرضت لخسائر فيمكنها تطبيق المادة (41) من خلال إنهاء عمل عمالها أو جزء منهم شريطة اشعار الوزارة المختصة بذلك دون إعتبار ذلك فصلاً تعسفياً مع احتفاظ العامل بكافة حقوقه الأخرى وذلك ما يطبق عادةً عند قيام الشركات بما يسمى إعادة الهيكلة التي تقوم بموجبه بإعادة توزيع المهام وتقليص أعداد العمال لأسباب فنية او بسبب تعرضها لخسائر.
وفيما يتعلق بالإجازات فإن أي إضرار لذمة العامل المالية من خلال إجباره على أخذ إجازات غير مدفوعة الأجر سواء كانت الإجازات وارد ذكرها في القانون أو مضافة على ما ورد ذكره في القانون يعتبر تعسفاً بحق العامل من قبل رب العمل مستغلاً بذلك حاجة العامل لضمان عمله بعد إنتهاء الأزمة التي تمر بها الدولة بالإضافة الى عدم جواز فرض حق العامل بالإستفادة من إجازاته كما يراه رب العمل مناسباً دون الأخذ بعين الإعتبار رغبة العامل في آلية الإستفادة من هذه الإجازات ، اذ لا يمكن لأي شخص معرفة الشكل الأفضل لاستغلال هذا الحق اكثر من صاحب الحق ذاته (العامل).
ولذلك فإن أي طرح لم يذكره القانون ويعرض العامل للضرر يجب أن يتم بعد موافقة العامل بشكل صريح دون إكراه أو ضغط مباشر أو ضمني وخلافاً لذلك فإن رب العمل او المنشأة سيكونون عرضة للمسائلة القانونية .

بقلم المحامي سامر خالد عريقات

المصدر: -

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت