تُعَد مكانة المرأة السورية عبر العصور والحضارات المختلفة مكانة السيدة، والحاكمة، ورمز القوة بدءاً من الملكة زنوبيا ملكة تدمر، والملكة عشتار، وفي التاريخ الأقرب كان دور المرأة السورية يسطع مثل الشمس في بداية الفجر حيث ساهمت وكانت من اوائل من شاركت بالجمعيات النسائية العربية مثل جمعية الفتاة العربية (١٩١٥) ، ولا ننسى ماري عجمي التي اسست أول صحيفة نسائية في دمشق ((العروس))، وألفت الإدلبي التي ترجمت قصصها إلى ١٥ لغة أجنبية ونجاح العطار، حينما نقرء هذه الحقائق عن تاريخ المرأة السورية وعظمة إبداعها نشعر بالأسف والضيق كيف لهذه المرأة القوية .. الذكية .. المثقفة .. أن تصبح اليوم معنفة مهمشة مقموعة !!
حينما تُقال كلمة المرأة السورية اليوم نشعر بإنه لم تُعَد هذه الكلمات ذات لفظ هين، أصبحت كمثقال ذرات حديد على قلبها وجسدها. كل الألفاظ المرأة من معنفة، "ناقصة" بالمعنى التعليمي، مقموعة منزلياً، تلك باتت من المثالب التي تلاحقها.
إذاً، كيف لهذه المرأة ان تستمر بحياةٍ تليق بالحياةِ السوية في أبسط حالها ...؟
الحرب والأزمة السورية اليوم انهكت قوى المرأة الجسدية والنفسية، وطالما أظهرت الدراسات الأخيرة، حول العنف الأسري ضد المرأة في سوريا التي أعدتها الهيئة العامة لشؤون الاسرة في سوريا وصندوق الأمم المتحدة للسكان "أنَّ امرأة من كل ثلاث نساء تتعرض للعنف الجسدي في سوريا باختلاف انواعه : النفسي والقانوني والجسدي والجنسي".
وبالرغم من ذلك، اليوم لا تتوفر على الصعيد الحكومي أي خدمات حقيقية وجدية، تقدم للنساء الواقعة تحت سيف العنف الأسري، ومن المؤسف في الأمر انه لا يوجد في قانون العقوبات السوري اي مادة مستقلة تتعلق بالعنف الاسري، وهو مايترك "الحبل على الغارب" أمام الرجل للمارسة عنفه ضد المرأة، وبالنتيجة لاتُجَرَّم تلك الأفعال قانونيا!!!
المرأة التي كانت اسطورة زمانها في سوريا عبر التاريخ، لكنها وللأسف اصبحت اليوم تتعرض للصفع، والضرب، واللكم، وللأذى على مستوى يصل الى كسور في الأطراف والاضلاع، ورضوض، وتورم، وكدمات، وجروح، ونزيف داخلي، والذي يمارس عليها أسرياً، تحت أطر مقبولة اجتماعية إلى حد يعتبرها المُعنف نفسه شرعية، وحق له !!
ويتم اقناع المرأة بذلك باستخدام نظرية الاستلاب العقائدي حيث يتم اقناع المرأة بدونيتها تجاه الرجل، حيث تعتقد الفئات0 غير المتعلمة أو المتنورة من جمهور النسوة، اعتقاداً جازماً بتفوق الرجل، وتسلم بسيطرته عليها، وتعنيفها. الجدير بالذكر أن هناك مئات من القصص عن ظاهرة العنف خلال الازمة السورية ، بما في ذلك عند قطاعات من ذوي التحصل العلمي الجيد من النساء. كما ان حالات التعنيف تضاعفت اكثر مرتين في الاوضاع الراهن في ظل الأزمة السورية. ولايتم الإفصاح عن كل هذه الحالات من المرأة نفسها خوفاً من نظرة المجتمع لها، كونها خاضعة للعنف الأسري، أو كمطلقة، و كما تقول تلك السيدة السورية س. ج : لم أكُن افكر بالإنفصال مهما بلغ حجم التعنيف بسبب عم قدرتي على إعالة نفسي، وامثالها كُثر ....
في خلاصة القول، اليوم يجب أن تنهض المرأة السورية كما كانت منذ عدة آلاف من السنين، الامة والبلاد شبه الوحيدة التي انجبت في حينها حاكمات متميزات، وأن تتولى زمام الأمور وتفرض بمساعدة الدولة والمجتمع تشريعات رادعة لكل من يمارس العنف ضدها، وأن يكون هناك تشريع خاص يسمى القانون الحماية من العنف الاسري يتضمن تعريفاً واضحاً للعنف، وتحديد المحكمة بدرجة "محكمة البداية" تنظر بتلك القضايا وتحدد آليات تقديم الطلبات والبلاغات والاستجابة الفورية لها، وتحديد الاجراءات القضائية الواجب اتباعها بنصوص قانوية واضحة لالبس فيها.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لانا بدوان
دراسات عليا بالقانون الدولي
جامعة موسكو
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت