مما لا شك فيه أن المصائب عفانا الله واياكم، تجمع وتلمّ الشمل ولا تفرق، كما إنها تطفئ نيران الأحقاد والضغائن والفتن، ما ظهر منها وما بطن، فضلا عن كونها (حتى وإن كانت مصيبة في شكلها ومضمونها) فهي تعزّز روح التضامن والتعاون، وتقوّي الأخوة والمحبّة بين بني البشر، ومن ثم فتنسيهم عداواتهم وحساباتهم الدنيوية والشخصية، وها هي جائحة كارونا تخلق حالة الطوارئ، وتجعل من كبريات المخابر في سباقا ضد الساعة، للكشف عن دواء ممكن يوقف التراجيديا ويعيد الأمل في الحياة.
صحيح الأمر جلل، فالعالم والجزائر جزء منه مرتبك الجامعات والمدارس والهيئات العمومية والخدماتية، (باستثناء تلك المتعلقة بالأمن الصحي والقومي) تم غلقها وتسريح التلاميذ والطلبة ؟، إضافة إلى كل التظاهرات يتم الغاؤها، إنها كارونا أخطر أزمة وبائية عالمية في الألفية الثالثة، فهل هناك أكثر من تأجيل العمرة وزيارة بيت الله ..؟، وهل هناك أكثر من تعليق صلاة الجمعة والجماعة وهل هناك أكثر من إلغاء رحلات جوية وبحرية وغلق الحدود البرية..؟، هل هناك أكثر من إلغاء اجتماعات رسمية ولقاءات حكومية..؟ وهل هناك أكثر من الدعوة إلى التزام البيوت وعدم مغادرتها إلاّ للضرورة القصوى ..؟ إنها حالة الطوارئ أو شبه الطوارئ التي وصفها الرئيس تبون في خطابه للامة سهرة الثلاثاء، والتي تزامنت مع اكتشاف إصابة الرعية الإيطالي في التاسع عشر من شهر فيفري المنصرم، وأما هذا الموقف الجلل من المفروض أن نتكتل كلناّ مع دولتنا وحكومتنا وأحزابنا ومعارضتنا وبرلماننا وهيئاتنا الرسمية وجمعياتنا ومنظماتنا الجماهيرية، إلى غاية تجاوز هذه المحنة، والمشاركة في ابتكار الحلول القادرة على تقليص فاتورة الخسائر وحماية الأرواح التي أعزها الله وكرّمها، والابتعاد عن كل تجارة وبزنسة وسمسرة واستغلال، لن ينفع صاحبه لا في الدنيا ولا الآخرة... طبعا أمام تطفل البعض مع كل آسف فتجدهم يصطادون في المياه العكرة، من باب أن مصائب قوم عند قوم فوائد، تجدهم يرفعون أسعار الكمامات والأدوية، والصابون والمطهرات، والمواد الاستهلاكية، بل هناك من يسهل تهريبها كعملة رابحة لدول الجوار، كما وقع مع رعية تونسي فلولا فطنة رجال الامن والجمارك في معبر ولاية الوادي مع تونس منذ يومين لتمكن الرعية من تهريب عدد خيالي من الكمامات... وفعلا أحدث أزمة في يومها بذات الولاية الحدودية..؟، والله هذه جائحة أخلاقية لا تختلف عن جائحة الوباء، فعديمي الضمائر كما وصفهم الرئيس يفتعلون الندرة، للتحكم في السوق وفرض منطقهم على الضحايا في مثل هذه الظروف الاستثنائية والطارئة، محذرا إياهم والمتمادين في التهويل ونشر المعلومة المغلوطة بعدم التسامح معهم، باعتبارهم خطرا على تماسك الجبهة الداخلية والاستقرار الوطني، وبسلوكهم هذا يعاكسون ما يصبو إليه نظام اليقظة والتأهب لمواجهة أي طارئ .
بالعودة لخطاب الرئيس الذي طمأن المواطنين بالتدابير الاحترازية المتخذة، ضد فيروس كورونا المتمادي في اختراق الحدود والأوطان، فارضا طوارئ في كل أنحاء المعمورة، مذكرا في خطابه الذي بدا فيه جد مطمئن ومرتاح، بمخطط العمل الوقائي الذي اعتُمِدَ منذ ظهور الفيروس الوبائي في منطقة ووهان الصينية، بأن الإجراءات التي وُضعت على عجل، غايتها حماية المواطنين من هذا الخطر الذي لم تشهد له البشرية مثيلا، حتى إن استغله البعض لتسوية مصلحة أو تمرير مخطط، في كل بلدان العالم، وإن كان صنيعة مخابر أو نتاج حرب بيولوجية صامتة وسرية، وبالتالي وكما يذكر الخبير الاستراتيجي إدريس عطية، فالعالم مقبل على تغيرات كبيرة ..فإننا بعد كورونا بصدد الدخول في مرحلة جديدة، لكنها هذه المرة لن تكون بالحروب والدمار لكن بطريقة جديدة وعنوانها الاساسي العملاق الصيني وصوننة السياسة العالمية، ومع كل هذا الخبث العالمي فإن الخسائر وسقوط الضحايا وانتشار الهلع والقلق، هو واقع وحقيقة لا يمكن تكذيبهما.
بقلم :عماره بن عبد الله - كاتب جزائري
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت