تكليف غانتس وحسابات التشكيل

بقلم: محمد السهلي

كتب: محمد السهلي

حاز بيني غانتس على مايكفي من ترشيحات النواب لتكليفه بتشكيل الحكومة،  وليس فقط التفويض بذلك، وبقيت أمامه  المهمة الأصعب المتعلقة بالاتفاق على الخطوط الائتلافية الأساسية لبرنامجها التي بموجبها سيكسب في الكنيست تصويت  من رجحوا كفته على نتنياهو، وفي المقدمة أعضاء «القائمة المشتركة».

بالمقابل ، كان رد نتنياهو أن هذا التكليف لن يوصل إلى تشكيل حكومة مواصلا خطابه التحريضي ضد «المشتركة» ومن يتعاون معها في مسعى لتأليب أعضاء في «أزرق ـ أبيض» وغيره ضد خيار تشكيل حكومة ضيقة.

وبقدر ماحمل تكليف من تساؤلات عن قرب نهاية «حقبة نتنياهو»، بقدر ماشكك  محللون في قدرة غانتس وتحالفه على التقدم على طريق تشكيل حكومة ضيقة وخضوعه في اللحظة الاخيرة لدعوات تشكيل حكومة وحدة.

استحقاقات دعم القائمة المشتركة لحكومة لا يقودها نتنياهو، كثيرة ومتعددة المستويات، وربما من الضروري الانتباه  إلى أنه وعلى الرغم من حيوية توقف أحزاب الائتلاف الحكومي القادم عن التعرض بتصريحاتهم للقائمة المشتركة وعموم المجتمع العربي في إسرائيل، إلا أن جوهر هذه الاستحقاقات يتعلق بالموقف الإيجابي من القضايا التي يطرحها هذا المجتمع، عبر أطره السياسية والنيابية، وتحويل هذا الموقف إلى سياسات معتمدة وراسخة، وهذا يعني أن هذه الاستحقاقات مجتمعة تطرح على الائتلاف القادم تغييراً جوهرياً في سياسات مكوناته، وهذا بحد ذاته عنوان لمعركة واسعة، بدأت مع تبلور المشهد السياسي لفلسطينيي 48 ولم تنتهِ، بل تصاعدت وأخذت منحىً ومساراً مختلفاً، مع تشكيل القائمة المشتركة، والفوز الذي حققته في انتخابات الكنيست الأخيرة.

في الوقت نفسه، ليس خافياً على الجميع، أن الخيارات المتعددة التي يطرحها «أزرق ـ أبيض» في سياق المفاوضات والمشاورات لتشكيل الحكومة، تخرج من إطار المناورة على من يعارض بداخله تشكيل حكومة ضيقة بدعم من القائمة المشتركة، وهي تعبر عن اتجاه قوي داخل هذا التحالف، يفضل الجمع ما بين خيار تشكيل حكومة وحدة موسعة، وتقييد نتنياهو قضائياً ومنع قيادته للحكومة؛ وربما يعبر اقتراح «أزرق ـ أبيض» استمرار نتنياهو على رأس الحكومة لمدة عام عن مشروع تسوية مع الليكود، في إطار ضمانات تكفل محاكمة نتنياهو، وعدم تسويق هذه المسألة تحت عناوين مختلفة، وخاصة حالة الطوارئ المطروحة بشأن فيروس «كورونا».

مقابل هذا كله، لا يبدو أن تكليف غانتس بتشكيل الحكومة يعني بالنسبة لنتنياهو، أن الحكومة الضيقة باتت جاهزة، ربطاً بعدد النواب الـ 61، الذين أوصوا برئيس «أزرق ـ أبيض» لتشكيل الحكومة، وهناك من يرى أن العقبات دون ذلك كثيرة ومعقدة لأسباب كثيرة منها:

• يتوقع كثيرون أن المضي نحو تشكيل الحكومة الضيقة، وبدعم من القائمة المشتركة، سيؤدي إلى خلق تصدعات في داخل «أزرق ـ أبيض»، واعتراضات داخل القوائم الصهيونية الأخرى التي أوصت بغانتس أمام الرئيس الإسرائيلي ريفلين .ولا يقلل هؤلاء من تأثير هذه التصدعات، لأن ترجمة نائب واحد فقط من هذه الأطر لاعتراضه عمليا على تشكيل الحكومة الضيقة  يكفي لتبدد الأغلبية النسبية التي حصل عليها غانتس من أجل التكليف. والعودة بالتالي إلى المربع الأول في ملف تشكيل الحكومة، ويعيد نتنياهو بالنتيجة إلى تشدده في هذا الملف.

• لايبدو واضحا حتى الآن مدى استعداد تحالف «أزرق ـ أبيض» وشركائه للتفاعل مع مطالب ومحددات القائمة المشتركة، التي أصبحت لاعبا مهما في المشهد الحزبي الإسرائيلي. هي  لن تصوت لصالح حكومة غانتس دون ضمانات بإزالة مظاهر التمييز والتهميش ضد المجتمع العربي في إسرائيل، والنص عليها في الاتفاق الحكومي الائتلافي، حتى وإن كانت المشتركة تدعمه في الكنيست من خارجه.

• مقابل ذلك، بدا معسكر نتنياهو موحدا، وتبدا ذلك من خلال رفض أطرافه جميعا مسألة التعاون مع القائمة المشتركة في تشكيل الحكومة.وربما مايزال هذا المعسكر يراهن على المعترضين الاثنين على تشكيل هذه الحكومة من داخل«أزرق ـ أبيض» ومعهما النائب أبيكاسيس من تحالف «العمل ـ غيشر ـ ميرتس».

• وعلى وقع انتشار فيروس «كرونا» يستفيد نتنياهو من الجو العام الذي يطالب بحكومة طوارئ جامعة لمواجهة أخطاره. ومن هذه الزاوية دعا إلى تشكيل حكومة طوارئ لمدة ستة أشهر برئاسته. ويتفيد أيضا من تأجيل محاكمة للسبب ذاته، في الوقت الذي مايزال فيه غانتس في بداية مشوار تشكيل الحكومة.

• وكالعادة، الملف الفلسطيني حاضر في إطار مساعي الليكود ورئيسه للتغول ضد الحقوق الفلسطينية من جهة، ووضع خصومه خلف مواقفه و«مبادراته». فقد قدم رئيس كتلة حزب الليكود في الكنيست، ميكي زوهار، مشروعي قانون لضم غور الأردن وشمال البحر الميت وصحراء الخليل في الضفة الغربية المحتلة إلى إسرائيل وفرض عقوبة الإعدام على الفلسطينيين الذين نفذوا عمليات ضد الاحتلال.

في المشروع الأول يصيد نتنياهو موافقة «أزرق ـ أبيض» التي أعلنها سابقا حول الضم في سياق إعلان الشق السياسي من «رؤية ترامب ـ نتنياهو»، وبالتالي سينضم تحت «جناح» الليكود بنتيجة التصويت على المشروع. ويصيد أيضا  موقف أفيغدور ليبرمان رئيس حزب«إسرائيل بيتنا الذي سبق وأن اقترح مرات عدة مرات مشروع قانون «عقوبة الإعدام» المذكورة. وقد غمز زوهار من «الخصوم» بالقول متهكما« "دعونا نرى هذا التعاون الرائع بين القائمة المشتركة وبين إسرائيل بيتينا وأزرق ـ أبيض. وسنرى كيف سيعملان سوية أولئك الذين يعملون ضد إسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية». وتحداهم زوها في أن يصوتو ضد مشروع القرار «إرضاء للقائمة المشتركة».

 ومع ذلك، لم يقفل باب الاتصالات بين الليكود و«أزرق ـ أبيض» لتشكيل حكومة وحدة، ولدى كل منهما حسابات تأخذ بنظر الاعتبارات جميع السيناريوهات المتاحة. ففي حين يستند تحالف غانتس على تفويض 61 نائبا بتشكيل الحكومة ويعتبره مصدر قوة في مفاوضاته مع باقي الأطراف، يرى نتنياهو ومعسكره أن مصاعب كثيرة تقف أمام تحويل هذا التفويض إلى واقع رسمي.

وخلال الفترة الممنوحة لغانتس لإنجاز مهمته وربما فترة التمديد، من المتوقع أن تظهر تطورات ووقائع كثيرة ربما تغير مسار المساعي نحو تشكيل الحكومة وتحديد شكلها والأطراف المشاركة فيها على إيقاع حالة الطوارئ التي يدق طبولها نتنياهو ، والتي يريد لدويها أن يطغى على أخبار مشاورات تشكيل الحكومة إن لم تكن بقيادته.

محمد السهلي

المصدر: -

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت