مما لا شك فيه فالعالم كل العالم يشهد هاته الأيام صدمة، كأني بها تشبه في طبيعتها صدمتي الحربين العالمتين، كيف لا ونحن نعيش حرب على زعامة العالم بين الصين الصاعدة، وأمريكا المُتراجِعة، والسلاح المدمر هاته المرة فيروس كورونا، هذا الكائن المجهري الدقيق الذي تحدئ كل الحدود وأنظمة الرصد الإلكتروني، واضعا منظمات عالمية عريقة تتقدمها الصحة العالمية والأمم المتحدة، على هامش تطورات مشهد الوباء العالمي.
وفي ظل ما يؤكده خبراء في إدارة الازمات، فالعالم بعد انتشار فيروس كورونا لن يكون كما كان قبل أزمة الفيروس، وهاهو يستعد بعد أكثر من مئة عام على نهاية الحرب العالمية الأولى لإعادة صياغة تركيبته، وفقا لمنطق جديد يأخذ من البراغماتية الاقتصادية أساسا ومن الفردية طابعا، وهذا ما يقودنا للقول أن تأثيرات التغييرات القادمة ستطال كافة تركيبات الحقبة السابقة، بل سنشهد زلزال يعصف بالتركيبات السياسية وشخصياتها، والمنظمات الدولية وطبيعة عملها وحتى الحدود الجغرافية وطبيعتها، وهنا نشاهد ما أظهرته أزمة جائحة كورونا، التي انتشرت بشكل كبير في دول القارة الأوروبية، من ضعفاً في مبدأ "التضامن" الذي يشكل أساس الاتحاد الأوروبي، في الوقت الذي أظهرت مؤسسات الاتحاد عدم فعالية، في حل هذه الأزمة الخطيرة، مرجحة المنافع القومية على مصالح الاتحاد المزعوم، الذي كان الشرذمة من أبنائنا وأبناء العرب )يخوفوننا به (وهم يرسلون إليه تلك التقارير الاثمة الحاقدة على وحدة الشعب الجزائري، لا سيما ما أبداه بعد الحراك المبارك من نزعة تحريرية، لاستكمال التحرر الوطني الجزائري من براثن فرنسا الكولونيالية ، لذلك وبعد كل محاولات إجهاض الثورة الديمقراطية السلمية في الجزائر، فهاهي أكذوبة الاتحاد تسقط أمام الانانية والمصالح الفردية على كافة الجوانب الانسانية للأزمة، وهاهي كورونا الذي لا يفرق بين الشعوب ولا مراكز الدول والأفراد، ولا يعير القوى المهيمنة ما كانت تتبجح به مقابل الأمم تلك المستضعفة، قلب الأمور رأسا على عقب مخلفا في طريقه ضحايا بالآلاف، تثبت هشاشة الاتحاد الأوروبي في مواجهة أول كارثة طبيعية تصيبه، عندما تركت إيطاليا لمواجهة مصيرها وحيدة، لا بل منعت عنها الأجهزة والمعدات وكذلك باقي الدول الأوروبية، سواء ضمن الاتحاد الأوروبي أو خارجه مثل صربيا، حتى أن الأخيرة استغاثت مستنجدة بالصين إلى جانب نقد رئيسها اللاذع للدول الغربية، وكذلك فعلت إيطاليا وغيرها من الدول.
وقد تجلى التعامل اللاأخلاقي الغربي مع بعضه بعضا، كما رأينا في محاولات احتكار العقاقير واللقاحات التي يجري العمل عليها، وذلك في سباق محموم للاستحواذ عليها كل لنفسه وحجبها عن باقي دول العالم، نعم أظهرت جائحة كورونا أن الاتحاد الأوروبي وبيروقراطيته المهترئة يتأخرون جدا في لحظات الأزمات، بل لا تحركهم الازمات، وأن المنافع القومية مقدمة على مصالح الاتحاد، وبالتالي يسأل السائل أين هي القيم الأوربية، وشعارات حقوق الأنسان؟ والمجتمعات المتحضرة وخدعة إسلام بدون مسلمين، تلك التي حشدت أساطيلها لمنح الديمقراطية للعراقيين 2003، ولحماية المدنيين الليبيين ومنح الرفاهية للسوريين سنة 2011، واستقرار اليمنيين عام 2015، فاللهم لا شماتة في البلاء، لكن سحقا لهاته الحكاية الخرافية، على حد وصف الرئيس الصربي لأكذوبة التضامن الأوروبي.
نعم تقارير كثيرة تتحدث أمام هذه السقطات الإنسانية، عن خسارة أمريكا للقيادة العالمية، وبالتالي انسداد الرأسمالية المتوحشة، وتفكك الاتحاد الأوربي، ومن ثم نهاية النظام العالمي، وربما كورونا كانت القشة التي قصمت ظهر البعير الغربي، سلامتك يا وطن سلامتك أيتها البشرية..؟
عماره بن عبد الله (كاتب جزائري)
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت