(1)
■ الأمر الذي لا يمكن لأحد إنكاره، أن فوز «القائمة المشتركة» في إسرائيل، في انتخابات الكنيست 23، شكل فوزاً، ليس لأبناء الـ 48 من الفلسطينيين العرب، فقط، بل وكذلك لعموم الحالة الوطنية الفلسطينية، في مناطق انتشاره كافة، حتى الذين دعوا إلى مقاطعة الانتخابات، لا بد أنهم في قرارة أنفسهم، يشعرون بأهمية هذا الفوز، وبأهمية أن يحتل الفلسطينيين العرب في إسرائيل موقعاً مقرراً في السياسة الإسرائيلية، تكون له تداعياته الايجابية على الحالة الفلسطينية داخل إسرائيل، وكذلك على الحالة الفلسطينية خارجها. ولنا في هذا المجال مثالان ( من ضمن أمثلة أخرى) تؤكد ذلك
• المثال الأول حين سن الكنيست قانون القومية اليهودي. لم يكن يطال الفلسطينيين داخل إسرائيل فحسب، بل كل الشعب الفلسطيني، وقد شكل القانون أحد الأسس التي قامت عليها «دولة إسرائيل الكبرى»، في نفي حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره. وقد فسرت صفقة ترامب – نتنياهو، وتصريحات ترامب، وصهره كوشنير، والمبعوث السابق جيسون غرينبلات، والسفير الأميركي ديفيد فريدمان، هذا كله، بالادعاء أن الفلسطينيين (كلهم) لا يشكلون شعباً، ولم تكن لهم في التاريخ دولة، بل هم مجرد سكان. يقيمون على أرض إسرائيل التي وصفها نتنياهو بلغته الفجة والوقحة بأنها «أرضنا وبلدنا ولنا ملء الحق في أن نبني فيها أينما شئنا».
صحيح أن الحالة الوطنية الفلسطينية كلها وقفت ضد القانون العنصري، والفاشي، لكن الصحيح أيضاً أن صوت الجمهور الفلسطيني وقادته في إسرائيل، كان أعلى من صوت «الخارج» في الـ 67 وفي الشتات. وأن حجة الجمهور الفلسطيني في إسرائيل، وحجة قادته، كانت أقوى في دحض القانون، وشرح مخاطره، ودوافعه، وتقديم الأمثلة الدامغة التي تؤكد عنصريته وفاشيته، بحيث وقفت بعض الأحزاب الإسرائيلية ضده، واعتبرته دعوة إلى حرب أهلية، ليس بين اليهود والفلسطينيين فقط، بل وكذلك بين اليهود أنفسهم، في ظل الخلاف على تعريف من هو اليهودي. فشاس، على سبيل المثال، كحزب متدين، له تعريفه الخاص، المتزمت، الأصولي، السلفي، لليهودي. بينما يقدم أفيغدرو ليبرمان، الصهيوني العلماني، تفسيراً مغايراً لليهودي، منه على سبيل المثال عدم تحريم العمل يوم السبت. وهذا من الأسباب الرئيسية التي تدفع لبيرمان، لرفض التحالف مع الأحزاب الدينية في حكومة واحدة، ولعل هذا ما قربه من تحالف «أزرق – أبيض».
خاضت القائمة المشتركة معركة كشفت مخاطر قانون القومية اليهودي، داخل إسرائيل وخارجها. انتشرت وفودها في عواصم الغرب، تفضح القانون، ومدى تضاربه مع الديمقراطية ومعاداته لها. ولعل معظم الأصوات الغربية التي رفضت القانون، إنما فعلت ذلك متأثرة بالدور الذي لعبته «القائمة المشتركة». لعبته ليس فقط من خلال الشرح والتفسير، بل وكذلك من خلال تقديم البدائل الديمقراطية التي يتبناها برنامج العمل الوطني الفلسطيني في إسرائيل، برنامج المساواة في المواطنة، وبرنامج الحقوق القومية التي تضمن المساواة في المواطنة دون أسرلة، ودون تذويب بل تكفل للمواطن في إسرائيل، من القومية العربية، حقوقه الديمقراطية كمواطن، وتصون له، في الوقت نفسه هويته الوطنية الفلسطينية وقوميته العربية، وشخصيته المستقلة، وكيانيته السياسية، معبراً عنها في الأحزاب العربية والعربية المختلطة، وفي التشكيلات الشعبية والجماهيرية التي تنظم صفوفه ونضالاته في الشارع جنباً إلى جنب مع نضالات نوابه في الكنيست.
تجربة التصدي لقانون القومية تؤكد أن لا فصل في النضال بين جناحي الوطن(الـ 48+ الـ 67) والشتات في دول اللجوء والمهاجر.
• أما المثال الثاني الذي يؤكد الربط بين جميع مكونات الشعب الفلسطيني، فهي تجربة النائب الفلسطيني في «القائمة المشتركة»، عن التجمع الوطني، هبة يزبك.
إذ رفضت اللجنة العليا لقبول الترشحات في الانتخابات في إسرائيل، قبول ترشيح يزبك، بذريعة أنها أعلنت تأييدها «للإرهاب»، حين أعلنت تأييدها لحق أبناء شعبها في الضفة والقطاع في مقاومة الاحتلال. اللجنة العليا اتهمت يزبك بأنها تحرض على الإرهاب والقتل، وبالتالي رفضت ترشيحها. الأمر الذي دفع «المشتركة» إلى رفع شكوى للمحكمة العليا، التي رغبت في درء الفضيحة، وعدم تحويل قضية يزبك إلى قضية رأي عام، من شأنها (أولاً) أن تعزز من دور «المشتركة» في صفوف الجمهور الفلسطيني ومن شأنها (ثانياً) أن تستقطب تأييد القوى الديمقراطية لحقها في الترشيح وإدانتها لسياسة التمييز. فهناك العديد من المرشحين اليهود، على سبيل المثال، قبلت ترشيحاتهم، رغم أنهم أدلوا بعشرات بل بمئات التصريحات تؤيد قتل الفلسطينيين وإحراقهم، وتدافع عن المستوطنين المتهمين بارتكاب جرائم قتل ضد أطفال فلسطين ونسائها. لذلك ألغت المحكمة قرار اللجنة العليا، وأقرت حق يزبك في ترشيح نفسها، وقد فازت، وها هي الآن، عضو في الكنيست من حقها أن تدافع، تحت سقف الكنيست، عن حق «شعبها» في الضفة والقطاع مقاومة الاحتلال، حتى الحرية والاستقلال وعودة اللاجئين.
تجربة يزبك تؤكد هي الأخرى مدى الترابط الوثيق والوثيق جداً، الترابط العضوي الذي لا فصل فيه، بين قضايا الشعب الفلسطيني في فلسطين، خارج حدود الفصل القائمة (48 أو 67)، وقضايا الشعب الفلسطيني في الوطن والشتات. حقوق واحدة، بعناوين مختلفة.■
(2)
■ هذا الأمر يضعنا أمام مشهدين متناقضين، عاشهما الجمهور الفلسطيني في الـ 48
• المشهد الأول حين تم توقيع اتفاق أوسلو مع دولة الاحتلال، وأخرج من برنامجه قضايا اللاجئين وحق العودة. كذلك أخرج من برنامجه الفلسطينيين في الـ 48، واقتصر على الضفة (بدون القدس) وقطاع غزة، باعتبارهما أرضاً متنازعاً عليها، يحسم وضعها النهائي في مفاوضات الحل الدائم.
في لقاء مع أحد قادة العمل الوطني القادم إلى مخيم اليرموك من الـ 48، امتد ليلاً بكامله، شرح لنا الأجواء التي سادت الحالة الوطنية في الـ 48، على ضوء اتفاق أوسلو. قال إن البرنامج الوطني الفلسطيني (البرنامج المرحلي) وشعاره العودة وتقرير المصير والاستقلال، أعاد ربط النضال في الـ 48 مع الخارج (أي الـ 67 والشتات). وأعاد في حديثه تذكيرنا أنه في 30/3/1976 خرج الجمهور الفلسطيني في الـ48 في تحركات احتجاجية ضد مصادرة الأراضي، وقال لنا أيضاً أن البرنامج الوطني (البرنامج المرحلي) أخرجنا من عزلتنا السياسية وأعادنا إلى الدائرة الوطنية، كجزء لا يتجزأ من الشعب الفلسطيني ونضاله الوطني، تحت الشعار الوطني المذكور والذي بات أشبه بالشعار المقدس، أي مس به، يندرج في إطار المعصية الوطنية (العودة وتقرير المصير والدولة المستقلة).
ويعترف لنا، وهو رئيس حزب كبير في الـ 48، أن إعلان اتفاق أوسلو أحدث بلبلة في الصف الوطني في الـ 48، كثيرون أصابهم الإحباط، وقالوا علناً «لقد تخلت عنا م.ت.ف، بتخليها عن برنامجها الوطني، وذهابها إلى أوسلو». هؤلاء آثروا العزلة السياسية، لأنهم أحسوا أن مصيرهم ومستقبلهم، بات أشبه بالسجن المؤبد بينما أعطاهم البرنامج المرحلي فسحة ضوء وفتح لهم طريقاً نحو وضع جديد في إطار النضال الوطني لعموم أبناء وفئات الشعب الفلسطيني. يقول: «لقد أحسوا أنهم أصبحوا أيتاماً، أقلية، بدون هوية قومية ووطنية».
ويضيف أن فئة أخرى، تجرأت وقالت، «مادامت المنظمة قد تخلت عنا، فيحق لنا أن نبحث عن مصالحنا. ومادام مصيرنا هو إلى الأبد داخل إسرائيل، ومادام الأفق السياسي الوطني الفلسطيني بات مغلقاً، سقفه الأعلى دولة فلسطينية مجهولة الهوية والحدود ومادامت القيادة الفلسطينية حين وقعت اتفاق أوسلو، اعترفت بدولة إسرائيل، ودخلت معها في «مشروع سلام» اسمه اتفاق أوسلو، فليس من المعيب، هنا، أن نعترف نحن بإسرائيليتنا، وأن نفتح على الأحزاب الإسرائيلية».
طبعاً بقيت فئة ثالثة ترفض أوسلو، وترفض تداعياته، وتناضل بصعوبة ومشقة في صفوف الجمهور الفلسطيني، صوناً للحد الأدنى من معنوياته، وإعادة تنظيم سياسات، تدرك أن أوسلو واصل حتماً إلى الطريق المسدود.
النضال ضد أوسلو في الـ 48، وفي الـ 67، وفي الشتات كان في البداية شاقاً، لكنه، ومع بدء ظهور سلبيات الاتفاق وأمراضه، وثغراته، وفشله في تأمين الحد الأدنى للحقوق الوطنية الفلسطينية، ومع اعتراف أصحاب أوسلو بالفشل، وذهابهم مع الكل الفلسطيني إلى الانتفاضة الثانية، استعاد الوجود الفلسطيني في الـ 48 أنفاسه، والتحم مرة أخرى مع النضال الوطني بحالته العامة. هنا نستذكر الشهداء الـ 13، الذين أردتهم الشرطة الإسرائيلية بالرصاص في الـ 48، حين خرجوا يتظاهرون تأييداً للانتفاضة في الضفة والقطاع.
هنا نستذكر أيضاً الأسرى الفلسطينيين من الـ 48، وهم في سجون إسرائيل، بتهمة التعاون مع المقاومة الفلسطينية، ومع الأسرى الفلسطينيين، نذكر منهم النائب العربي باسل غطاس الذي سجن لمدة سنتين بتهمة إدخال الهواتف النقالة للأسرى الفلسطينيين. في سجون الاحتلال. وقد أطلق سراحه في 27/5/2019.
هنا تصارع برنامجان، البرنامج الوطني (المرحلي) الذي وحّد الشعب الفلسطيني، حين وحّد حقوقه، ونضالاته، وتمثيله السياسي، أي م.ت.ف، ومشروع أوسلو، الذي فتت وحدة الشعب، من خلال التفريط بوحدة حقوقه مما أدى إلى المس بوحدانية التمثيل، فلم تعد م.ت.ف تمثل الجمهور الفلسطيني في الـ 48، كما أعلن آلاف اللاجئين تبرأهم من المنظمة، على خلفية المس بحقهم في العودة■
(3)
■ يخطئ من لا يقرأ الترابط الوثيق بين برنامج القائمة المشتركة والبرنامج الوطني الفلسطيني (البرنامج المرحلي بالعودة وتقرير المصير والاستقلال).
فشعار «المشتركة» هو التوازن بين القومي، والوطني، والمدني. وبشيء من التدقيق يتبين أن عناوين هذا البرنامج تتمحور حول التالي:
• مساواة قومية تحفظ للجمهور الفلسطيني في إسرائيل هويته الوطنية.
• مساواة في المواطنة والحقوق المدنية، على خلفية الحقوق القومية، دون الوقوع في فتح الأسرلة.
وإذا ذهبنا في التفاصيل، نقرأ إلى حد كبير التطابق بين البرنامج المرحلي، وبين برنامج القائمة المشتركة. وليست صدفة، على سبيل المثال أن يعقد الجمهور الفلسطيني في إسرائيل، مؤتمر حيفا، بعد انفجار الانتفاضة الثانية، ليعيد صياغة وثيقته السياسية المسماة «وثيقة حيفا»، التي أعادت البوصلة إلى اتجاهها السليم: «التوازن بين القومي، والمدني»، أي الحفاظ على الحقوق القومية والهوية الوطنية الفلسطينية والنضال في الوقت نفسه لحياة كريمة يعيشها الفلسطينيون على أرضهم، باعتبارهم هم الأصلاء، وهم أصحاب الأرض، وهم المرتبطون بجذورها.
كذلك علينا أن نلاحظ أن إطلاق «صفقة ترامب – نتنياهو» قربت أكثر فأكثر بين الـ 48 والـ 67، تجديداً مع الضفة ومع السلطة الفلسطينية ومع الفصائل الفلسطينية.
• خطة ترامب – نتنياهو لا تعترف بالقومية والهوية الوطنية الفلسطينية وهذا جامع بين ضفتي الوطن (الـ 48+ +67).
• خطة ترامب تدعو لدولة إسرائيل اليهودية الخالية من العنصر «الغريب»، أي من العنصر الفلسطيني في الـ 48، من جهة، وضم المستوطنات الإسرائيلية من جهة أخرى. أي ما معناه، ضم المثلث في الـ 48 إلى تخوم «الدولة الفلسطينية»، من جهة، وتجريد «الدولة الفلسطينية»، من جهة أخرى من أراضيها وضمها إلى دولة الاحتلال. وهذا جامع بين ضفتي الوطن (الـ 67+ الـ 48).
وهو أمر وحّد النضال الوطني ضد «صفقة ترامب – نتنياهو».
الفلسطينيون في الـ 48 يناضلون لعدم سلخهم عن أراضيهم ومجتمعهم ووطنهم، وتحويلهم إلى لاجئين أو نازحين.
الفلسطينيون في الـ 67 يناضلون لعدم ضم المستوطنات، وكذلك لعد إلحاق الأذى بمصالح إخوانهم في الـ 48.
وفي الشتات: لا حل إلا بالعودة إلى ديارنا وأملاكنا، ونورث حق العودة جيلاً بعد جيل. واللاجئون الفلسطينيون يناضلون ضد إسقاط حقهم في العودة وضد حل وكالة الغوث، وضد كل الحلول البديلة لحق العودة.
وبذلك التقى النضال الوطني الفلسطيني في بوتقة واحدة.
في الـ 48 دفاعاً عن وجودهم، وحقوقهم القومية والمدنية هذه أرضنا، وهذا بلدنا، وهذا وطننا، ولنا ملء الحق في تقرير مصيرنا بأنفسنا.
في الـ 67 دفاعاً عن أرضهم وعن حقهم في الاستقلال والسيادة: هذه أرضنا، وهذا بلدنا، وهذا وطننا، ولنا ملء الحق في تقرير مصيرنا بأنفسنا، وعلى الاحتلال أن يرحل.
ولاغرابة حينئذ أن تتوافد الوفود الحزبية والأهلية، من الـ 48 إلى الضفة الفلسطينية لتلتقي السلطة الفلسطينية وقادة الأحزاب والفصائل، وأن تناقش الهم الوطني الواحد، وأن تتلقى وعوداً من الجميع في رام الله برفض صفقة «ترامب – نتنياهو»، ورفض أي مساس بالوجود الفلسطيني في الـ 48، وتأييد حقوق الجمهور الفلسطيني كاملة.
ولا غرابة أن تطور الأحداث الوعي الوطني، وأن تصبح الدعوة إلى مؤتمر وطني جامع لكل مكونات الشعب الفلسطيني، وتياراته، وقواه السياسية، في جناحي الوطن (الـ 48+ الـ 67) وفي الشتات للاتفاق على خطة العمل المشتقة من البرنامج الوطني، (البرنامج المرحلي) الذي أعاد المجلس الوطني (30/4/2018) التأكيد عليه، باعتباره برنامج م.ت.ف، وبرنامج الشعب الفلسطيني كله في مواجهة صفقة ترامب – نتنياهو، وفي مجابهة مشروع إسرائيل الكبرى.
معتصم حمادة
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت