يتعزز موقع نتنياهو مع كل إصابة جديدة بفيروس كورونا في إسرائيل. وإذا كان معظم إدارات بلدان العالم تجد في هذا الفيروس شرا مستطيرا يقتل الناس ويقطع شرايين الاقتصاد وينذر توسع انتشاره بالمزيد من الكوارث، إلا أن هناك من يدير دفة المعارك ضد «كورونا» باتجاهات متعددة تصب إحداها ،على الأقل، في خدمة طموحاته السلطوية وفي المقدمة من هؤلاء، نتنياهو.
وفي الوقت الذي كان فيه بيني غانتس يدرس الخطوات على طريق تشكيل الحكومة عقب تكليفه، قطع نتنياهو عليه الطريق عبر دعوته للالتحاق بحكومة طوارئ من أجل مواجهة «الخطر الداهم» المتمثل بكورونا، ويضع جانبا أي سيناريو آخر لتشكيل الحكومة.. إلا إذا دشنها هو من على مقعد رئاسة الوزراء!
تركزت قراءة نتنياهو لمخاطر«كورونا» عبر عدة قضايا، أبرزها تعطيل القضاء، وهذا فتح الباب لتأجيل محاكمته المفترضة في 17 آذار الجاري. وحاول تعطيل الكنيست ومنع انتخاب رئيس جديد له لولا قرار المحكمة العليا الذي أمر بعكس ذلك. والأهم، أنه قدم «اجتهاده» الخاص حول مسألة تشكيل الحكومة فاختصرها بتوسيع الحكومة التي يقودها بانضمام من هم خارجها(ماعدا القائمة المشتركة)، تحت مسمى «حكومة طوارئ»، والتي تعطيه بحكم الظروف المستجدة صلاحيات إستثنائية. وهكذا انتقل نتنياهو من حالة التوجس والخوف بانتظار المحاكمة ، إلى موقع المبادرة متجاوزا (إلى الآن) تداعيات واستحقاقات تكليف خصمه غانتس بتشكيل الحكومة. ويلحظ هذا الأمر في اللقاءات التي دارت بين «الليكود» و«أزرق ـ أبيض». ومن هذه، الزاوية، يمكن القول إن نتنياهو عبر حالة الطوارئ مرر أمام الجميع ماكان من المستحيل أن يستطيع تمريره قبل قدوم الفيروس المستجد.
ومن الطبيعي أن تقوم إدارات دول العالم بوضع مجتمعاتها أمام السيناريوهات الأسوأ في انتشار كورونا بهدف التزام مواطنيها القواعد والتعليمات التي يمكن أن تحد من مخاطره عليهم. لكن المراقبين استشعروا مقاربة في تحذيرات نتنياهو من هذا الأمر مع خطاباته السابقة تجاه مايسميه «الخطر الوجودي المحدق بإسرائيل»، قاصدا جميع الأطراف المناهضة للاحتلال وسياساته العدوانية والتوسعية، وقد لاحظ المراقبون تفرد نتنياهو باتخاذ القرارات والإجراءات في مواجهة الفيروس وتجاوزه لكثير من الجهات الرسمية المعنية بذلك من موقع الاختصاص، وهذا أحدث ردات فعل غاضبة داخل الحكومة الانتقالية، وقد أشارت أصوات عديدة إلى قيام نتنياهو بتوظيف الحملة ضد «كورونا» في خدمة طموحاته السياسية، من خلال تقديم نفسه على أنه الشخص الأكثر جدارة في مواجهة الأزمات.
ومايقوم به نتنياهو ينسجم بالكامل مع أدائه منذ أن تولى رئاسة الحكومة في العام 2009، من زاوية توظيف الكثير من المستجدات والتطورات في المنطقة والعالم في خدمة تظهير دوره السياسي. حتى أنه أحال قرارات إدارة ترامب العدوانية تجاه حقوق الشعب الفلسطيني إلى نفسه على اعتبار أن الصفقة تعبر عن مشروع إسرائيلي ـ أميركي مشترك من زاوية تبنيها خطته في «السلام الاقصادي».
بالمقابل، يبدو غانتس كمن يحمل شيئا فوق طاقته، منذ أن تلقى التكليف بتشكيل الحكومة. وربما وجد نفسه أمام خيارات يصعب عليه حسم أحدها، وهذا يعكس حالة من الارتباك تسود قيادات تحالف«أزرق ـ أبيض»، الذين لم يجمعوا على خيار محدد بشأن الأطراف المكونة للحكومة الجديدة. وفيما كانوا بداية الشهر الحالي يتشددون في رفض وجود نتنياهو في الحكومة ينغمسون الآن في دراسة شكل ومدة وأولوية التناوب معه في رئاستها.
لكن هذا الخيار أيضا تم تجميده في ظل الخلافات داخل التحالف حول هذه المسألة ، إضافة إلى إدراك غانتس أن الدخول في حكومة بقيادة نتنياهو قد ينهي حياته السياسية، وربطا بهذه الحسابات لم يجدوا سبيلا أمامهم سوى الرهان على تغيير رئاسة الكنيست وتشكيل لجانه أي السيطرة عليه، من أجل تشريع قرار يمنع من توجه له تهم بالفساد من تولي رئاسة الحكومة، وفي الوقت نفسه يوافقون على تمديد فترة الحكومة الانتقالية التي يقودها نتنياهو لمدة ستة أشهر، ودعم قراراتها المتعلقة بمواجهة فيروس كورونا من الخارج، لأنهم مقتنعون بأنه لا يمكنهم التاثير على قرارات هذه الحكومة من داخلها. ورأى المراقبون أن هذا الخيار أيضا لن يقدم شيئا لـ«أزرق ـ أبيض» وخاصة في ظل تعقد الأزمة الصحية والاقتصادية مع اتساع انتشار «كورونا» في إسرائيل.
وضمن هذا الوضع المعقد، يتوقع المراقبون أن يكون تحالف «أزرق ـ أبيض» الخاسر الأول من المستجدات التي وقعت بما يخص «كورونا». وهم في خيار دعم الحكومة الانتقالية من داخلها أومن خارجها سيبدون ظلا لسياسات وإجراءات نتنياهو في هذا الشأن، وهم لايستيطعون تقديم أي جديد في ظل ظل أزمة كبرى تعصف ببلدان الكوكب.ويرى المراقبون في الأفق توقعات سيئة بخصوص تماسك التحالف الذي يتراسه غانتس بسبب حالة العجز التي يعانيها، في الوقت الذي يتصدر فيه نتنياهو وحكومته مشهد المواجهة مع مخاطر «كورونا» الذي أصاب غانتس وتحالف بالأحباط حتى لو لم تمسهم عدواه.
وهناك أمر بالغ الأهمية يتعلق بمن أوصوا بغانتس لتشكيل الحكومة، وهؤلاء بالتأكيد لم يفوضوه بوضع حسابات «أزرق ـ أبيض» وتردده بشأن خيارات تشكيل الحكومة تحت شروط نتنياهو، وخاصة التقارب مع الليكود وتفاعله مع شروطه بخصوص أسس تشكيل حكومة وحدة. فهم بالأساس أوصوا به من أجل وضع حد لحقبة نتنياهو، وليس من أجل تمديدها تحت دعاوى مختلفة. وعلى هذا الأساس، وفي ظل استمرار التردد داخل«أزرق ـ أبيض»، ليس من المستبعد أن تنتهي المدة الممنوحة لتشكيل الحكومة دون التقدم في هذا المجال. وبما أن أزمة «كورونا» مفتوحة على المزيد من التفاقم في كل مكان، فإن موضوعة الحكومة في إسرائيل ستوضع بالنتيجة في سياق متفاعل مع هذه الأزمة وتداعياتها، في ظل هذا الانشداد المجتمعي نحو سبل درء خطر الفيروس القاتل.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت