ليس ما يشهده العالم غريب ومفاجيء لصانعي السياسية قبل عامة الشعب فقط، إنما التداعيات وفي كافة القطاعات الإقتصادية والصحية والإجتماعية والسياسية تفرض نفسها على الفرد والمجموع في آنٍ واحد، مُتغيرات سريعة بسرعة إنتشار "كوفيد-19".
أنظروا،،،
لدى "ترامب" أصبح الفيروس يُدعى "كوفيد-19" وليس فيروس "الصين أو ووهان"، و "غانتس" ينقذ "نتياهو" ويُفضل الفساد على جائحة "كورونا"، و "إيطاليا" و "صربيا" يعلنان أن الإتحاد الأوروبي ليس سوى إتحاد على ورق، و "المافيا" الإيطالية تُصبح أموالها شرعية وتتبرع للحكومة الإيطالية طوعا أو بالقوة، و "الصين" تقمع الفيروس وتُصبح أكبر دولة تُقدم المساعدات والإغاثات لدول العالم،
و "الدول" تُغلق حدودها في وجه بعضها البعض وكلٌ ينصب جهوده على مواطنيه، و "جونسن" وكثير من السياسيين يُصابون بالفيروس معلناً عدالته وعداوته لكل الإنسانية، و الزعماء "العجائز" يعتزلون الحياة ويجلسون في بيوتهم خوفا وعجزا وهروبا من المصير المحتوم،
"الفيروس" يفرض شكل التعاون بين الدول ويعيدها لمفهوم الإنسانية والمساعدات غير المشروطه، إنها إشارة لرفضه للرأسمالية الشرهة، للإحتكارات، للحروب، حتى أنه يوجه الدول لطبيعة المواد التي يجب صنعها، صحة الإنسان كفرد وكمجتمع ونقاء الطبيعة أهم مليون مرة من أسلحة الدمار بكلّ أصنافها، لقد أصبح جهاز واحد للتنفس يعادل كلّ الرؤوس النووية،
"الحياة" بشكلها ما قبل "كوفيد-19" تَعَطّلت بل إن ما بعد ذلك ليس كما كان، "الإقتصاد" العالمي يواجه مخاطر وصعوبات تفرض نفسها على ميزانيات الدول وتعكس نفسها على الفرد مما يؤشر لمخاطر على وحدة الدول وطبيعة العلاقات الإجتماعية، "الأسرة" يزداد ترابطها والعائلات الممتدة والقبلية أصبح تشكيلها الإجتماعي عبء على الفرد والمجموع، الفيروس ليس عنصري ويحمل صفات عدوانية فالكل مُستهدف كأفراد وعلاقات إجتماعية وتشكيلات إقتصادية وترابطات دولية وعائلية وأماكن العبادة للكلّ المُوَحّد وغيره، مواقع الترفيه أصبحت تساوي المعابد والمساجد والكنائس وكافة دور العبادة، والكثير من المصانع والصناعات المختلفة تُغلق أبوابها أو تُخفف إنتاجها، الشوارع والساحات والإزدحام وكلّ التجمعات يتم فضّها ويعود الكل لبيته،
فالطبيعة تُجدد نفسها بإرادة إلهية لحمايتها من أنانية وجوْر الإنسان وجشعه وطمعه، بل إن هذه الإرادة تُشير للكلّ في ضربة واحدة بأنكم أجرمتم بحق الحياة وحق أنفسكم وحتى في طريقة عبادتكم لي وطريقتكم في تناول رسائلي عبر الإنبياء والرسل عليهم السلام. صحيح أن الدول أغلقت حدودها وفشلت في فرض طريقة للتعاون فيما بينها بسبب جشعها المالي والإقتصادي،
لكن "الفيروس" فرض عليها أن توجه إقتصادها نحو مفهوم إجتماعي ليهتم بالإنسان وصحته، كما أنّه فرض طريقة جديدة للتعاون كانت رائدتها "الصين" و "روسيا" و "كوبا"، فنحن بحاجة لأطباء لتصديرهم لكل العالم لمساعدته ولسنا بحاجة لأسلحة دمار شامل، هكذ قال الإنساني الكبير المرحوم "كاسترو"،
نعم نحن في هذا العالم وبفجور الرأسمالية والإمبريالية الإحتكارية دمرنا كلّ شيء تقريباً، ونحن بحاجة لإعادة الإعتبار للمفهوم الإشتراكي في التشكيلات الإقتصادية وبما يُعزز مفهوم العدالة في توزيع الثروات، فالمجتمع رأسمالة الإنسان أولا وأخيرا، والعالم بدون هذا الإنسان ليس عالماً ولن يكون. التغيرات تفرض نفسها بقوة على الجميع في هذا العالم، لكنها في فلسطين المُتخيلة بقيت على عنادها وعلى إنقسامها، فالضفة لها قوانينها، وغزة لها "حماس"، هنا يُعلنون الطواريء، وهناك بعضاً من مثقفي الغيبية يروْن "الفيروس" مؤمناً ومسلماً وأرسله سبحانه وتعالى ضد الكفار في "الصين" وغيرها، وأصبح جُلّ هَم هؤلاء عمل فيديوهات مُفبركة لإثبات نظرياتهم، محاولات خسيسة جرّبها من قبلهم أسيادهم في الرأسمالية الشرهة ضد "الصين" وفشلوا.
مرّةً أخرى، العاجز يُثبت عجزة، ولا يفهم أن "القدير" تعالى طالبه بالعلم وبالتفكّر والتدبّر وليس بالغيبية التي هي إختصاص إلهي، وللمرة المليون، يعيش العاجز الماضي ويأتي بحكايات غير مُثبته إلا في عقولهم وثقافتهم وطريقة حياتهم مُتجاهلين العمل للبحث عن حلولٍ تُسجل بإسمهم للمشكلة ويأخذون فقط بالأسباب والمُسببات مُتهمين الغير ونائيين بأنفسهم عنها، والحقيقة الواضحة، أن هؤلاء وهذه الدول هي خارج التاريخ والواقع وتعيش من خيّرات وبضائع وإنتاج غيرها فهي أصبحت عبء على نفسها قبل غيرها.
"كوفيد-19" يقلب كلّ شيء وحتى الآن لا نستطيع تصور طبيعة المستقبل القريب فكيف بالبعيد، لذلك نرى سيناريوهات مُتعددة جُلّها تُشير للسواد القادم الذي سيتم السيطرة عليه بما تقوم به دول العالم حاليا، أو بإيجاد دواء حتمي له، وبعضها يرى أن الأسوأ لم يأتي بعد، وأننا قد نكون مقبليين على إنعدام للأمن وفوضى ونزاعات في داخل كل دولة بسبب من البطالة وتدهور للإقتصاد بل حتى مجاعة، لكني أعتقد أن المُتغيرات مهما كانت فإنها في النهاية ستصب في خدمة الإنسان لأن أساس القضاء على هذا "الفيروس" لا يكون إلا بالتعاون بين الجميع داخل المجتمعات المتعددة وبينها، تعاون في البحث العلمي، تعاون إقتصادي، وإقتصاد إغاثي أساسه الإنسان وليس "الشركة" و "الرسمال" الربحي، تعاون في البناء والأنسنة وفقاً للقيم الإنسانية والشرائع المتعددة.
الرسالة لمن لم يفهم بعد أصبحت مُدوّية وسمع بها جُلّ سكان هذه المعمورة، أنتم جميعا في مهب الريح وما قبل "كوفيد-19" ليس كما بعده، فإما أن تكون يداً واحدة لتحافظوا على مفهوم البقاء للجميع، وإما أن تعودوا لمفهوم "الإنتقاء الطبيعي"، إما أن تتعاونوا وتتشاركوا وتتقاسموا هذه الحياة، وإما أن تستمروا في العمل لصالح عائلات المال وكارتيلات الإقتصاد الإحتكارية، خياراتكم ستحدد مصيركم، فرمزية "الفيروس" هي التجربة الأولى لما سيحل بكم لاحقاً، فهل تتعظون؟!!!
بقلم: فراس ياغي
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت