تمهيد وتوصيف:
الوسواس القهري هو نوع من الاضطرابات النفسية المرتبطة بالقلق، تتميز بأفكار ومخاوف غير منطقية (وسواسية) تؤدي إلى تكرار بعض التصرفات إجباريًا (قهريا)، مما يعوق الحياة والسلوكيات اليومية أحيانًا يكون الأشخاص المصابون باضطراب الوسواس القهري، واعين تماما لحقيقة أن تصرفاتهم الوسواسية غير منطقية ويحاولون تجاهلها أو تغييرها، لكن هذه المحاولات تزيد الشعور بالضيق والقلق، لذلك تعتبر هذه التصرفات بالنسبة إليهم إلزامية للتخفيف من الشعور بالضيقاذا, هو مجموعة أفكار غير منطقية وتصرفات إجبارية ناتجة عن القلق لذلك ,في هذه المرحلة الاستثنائية والدقيقةوالتي يٌطلب فيها التشدد في إجراءات النظافة المتخذة بهدف الوقاية من فيروس كورونا المستجد، نرى ان التحوّل في الذهاب إلى الحدود القصوى في النظافة الشخصية والبيئية وصلت إلى درجة المسألة العادية، لا بل هي المطلوبة جدا والضرورية للحد من خطر الوباء.
لكن لا بد هنا، من الالتفات إلى الأشخاص الذين يعانون اضطراب الوسواس القهري تجاه النظافة الشخصية والمنزلية، وأيضا تجاه التوتر الزائد من سماع اخر الاخبار المتعلقة بالفيروس وانتشاره، ومن مجموع الاشاعات المتداولة وغالبا ما تكون غير دقيقة وغير علمية بخصوص وباء كورونا وطريقة الوقاية منه، حيث تعتبر هذه الأيام الأشد وطأة عليهم وفي "غاية الصعوبة" بالنسبة لهم، لعدم قدرتهم على السيطرة على هواجسهم ومخاوفهم ووسواسهم القهري؟
متطلبات جديدة.... :
تبدلت الأمور اليوم، بين تعليمات غسل اليدين المتكرر والتعقيم والنظافة ووضع الكمامة وارتداء القفازات، وأصبحت المبالغة فيها أحيانا من ضمن إجراءات الوقاية وتدابير النظافة الطبيعية والضرورية، بل لا بد منها حفاظاً على السلامة الشخصية والاجتماعية، ولتجنب التقاط العدوى أو نقلها إلى الآخرين وفي فترة قصيرة، تحوّلت سلوكيات الناس إلى ما يشبه اضطراب الوسواس القهري في مواجهة هذا الوباء، والتي تبدو النظافة في مواجهته السلاح الأكثر فاعلية للتغلب عليه، أما الذين يعانون من اضطراب الوسواس القهري، فيبدو هذا السلوك أكثر صعوبة عليهم من الاخرين، لاعتبار أن نظرته إلى هذه الأمور مختلفة وأكثر تعقيداً
الوسواس القهري...؟
من يعاني اضطراب الوسواس القهري، هو شخص جدا عادي في نمطه السلوكي والفكري, لكن ينتابه نمط من الأفكار الغير منطقية والغير معقولة والمبالغ فيها, ما يدفعه غالبا وبضغط نفسي إلى اعتماد سلوكيات متكررة بطريقة قهرية في الأنشطة اليومية, فتسبب له انزعاجاً كبيراً وتوترا دائما وتؤثر سلباً على ادائه وسلوكه الاجتماعي في علاقاته مع الاخرين,ضمن العائلة والعمل ومحيطه الاجتماعي, خصوصاً اذا كان هذا الشخص يكرر السلوك نفسه مرات عديدة في سعيه للتأكد في ان ما قام به هو الشكل الأمثل والنموذجي للسلوك المطلوب وهو ما يساهم في هدر الوقت وسلبية التأثير على نمط حياته وتفاعلاته الاجتماعية. وتتركز هذه السلوكيات عادةً ليس على النظافة فحسب، إنما على الخوف من التلوث والعدوى ايضا، ومن الشكوك ما إذا كان الشخص قد أغلق الباب أو أطفأ النور أو غيرها من التفاصيل؟!، حيث تتحول هذه السلوكيات تدريجيا إلى هواجس ومخاوف مقلقة. وثمة أمور كثيرة يمكن أن ترتبط بها هذه الهواجس غير ارهاصات سلوك النظافة المفروض علينا لخصوصية المرحلة، حيث انه قد يبدو لنا شخص معين يبالغ في السلوكيات التي يعتمدها ويكررها في سلوكه في الأيام العادية بدون ضغوطات المرحلة الراهنة، و نحن لا نقصد هنا بالتأكيد هذه المرحلة التي تبدو فيها كافة السلوكيات لجميع الناس مبالغ فيها حسب الضرورة, وهذا الشخص المعني – بالوسواس - لا يشعر بأنه يبالغ بسلوكه أوأنه يعاني اضطراباً سلوكيا -حتى في أيامه العادية- الخالية من الارهاصات الجديدة فيما يبدو للأخرين المحيطين به عكس ذلك.
لقد تبدّلت الأمور والنظرة إلى هذه السلوكيات كليا في هذه المرحلة الاستثنائية التي نعيشها, لأنه من الواضح والطبيعي في هذه الفترة أن الناس عامةً دون استثناء, قد طوّروا سلوكيات وتقاليد متكررة نتيجة القلق الزائد لديهم من حمى الفيروس الفتاك, ما دفعهم إلى الاستناد إلى معايير مبالغ فيها بشكل أكثر من المطلوب نتيجة خطورة الوضع القائم, لذلك فان ما يحصل اليوم هو تخطي لتوصيات الجهات الطبية المختصة بشكل مبالغ فيه من قبل كل الناس, وتحوّل السلوكيات لتصبح أقرب إلى الهواجس المرضية كما يفعل البعض, حين يمضون النهار بطوله في التعقيم والتنظيف لتأمين الحماية والوقاية من الفيروس وهو أقرب إلى تسميته "اضطراب الوسواس القهري".
في السياق نفسه، الهاجس المتواتر بشأن الإصابة بالفيروس، وإجراء الفحوص المتكررة للتأكد من السلامة بهدف الحد من توتره الانفعالي – للشخص المعني بالوسواس -، والشكوى الدائمة والمتكررة من وهم الإصابة او المعاناة من الم ما، كل هذه الأمور وغيرها من السلوكيات، تدفع الاشخاص المحيطين به إلى الاعتقاد بان الأمور قد خرجت عن السيطرة لديه، ليصبح بشكل او باخر عبئا اجتماعيا ثقيلا على العائلة ومحيطه الاجتماعيلعدم تفهم هواجسه وسلوكياته القديمة – الجديدة, استيعابها ومساعدته في التخلص من بعضها, وربط سلوكه بالسلوك الجماعي للعائلة وابرازه بأنه السلوك العادي والمطلوب وفق مقتضيات المرحلة, وهو الذي كانت هواجسه فبل ذلك تدفعه إلى عدم الخروج من المنزل خوفاً من الانفلونزا في موسمها الطبيعي، وبالتالي هذه الهواجس موجودة لديهم بغض النظر عن وجود فيروس كورونا المستجد من عدمه.
إن هذه المرحلة صعبة جداً على من يعانون اضطراب الوسواس القهري, الذين ترتفع نسبتهم حول العالم والذين يُسجنون داخل أفكارهم وهواجسهم وسلوكياتهم، وعندما تتحوّل الأمور في هذا الاتجاه، يشعرون أن العالم يشكل خطراً عليهم وأنه لا إمكان من التحرر من هذه المخاوف؟!، فكيف بالأحرى إذا كانت بعض وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي بمعلوماتها الغير دقيقة والغير علمية تؤكد وتزيد من هواجسهم ومخاوفهم؟!،وكأن هذه الهواجس أصبحت حقيقة واقعة, فتؤكد لهم أن سلوكهم و خوفهم منطقي ومبرر وقائم, وسيزيده تخوفاً مما سيحصل عاجلا ام اجلا.
وكما يبدو ان ظروف اليوم مواتية جدا لتبرير هواجسهم وسلوكياتهم، وهذا ما يجعل من هذه المرحلة الأكثر صعوبة بالنسبة اليهم، فيعانون كثيراً وتزداد معاناتهم مع مرور الأيام لانهم بالأساس يعانون من مشاكل كثرة التعقيم والتنظيف والخوف من المرض في الحالات الطبيعية، وزيادة السلوكيات الجديدة زادت إلى حد كبير من هواجسهم وقلقهم، بعد ان وجدوا ما يبررهاويسوغها من متطلبات المرحلة الجديدة،وانهم كانوا على صواب في سلوكياتهم قديما.
إرشادات:
-التعرض وعدم الاستجابة: هو السبيل الى وقف السلوك القهري والقلق من تعزيز بعضهما البعض، لأنك لوبقيت في موقف ضاغط طويلا فأنك تعتاده تدريجيا ويختفى القلق، وهكذا تدريجيا تواجه الموقف الذي تخشاه (التعرض)، ولكنك تمنع نفسك من القيام بالطقوس المعتادة، مثل الفحص أو التنظيف (منع الاستجابة)، فالعلاج المعرفي هو العلاج النفسي الذي يساعدك على تغيير ردود الافعال للأفكار بدلا من محاولة التخلص منها، أي التخلص من السلوك القهري بدلا من التخلص من الفكر الوسواسي.
لا تتابع الأخبار على مدار الساعة, بل في أوقات معينة لمعرفة المستجدات فقط.
اعتمد المصادر الموثوق بها لأخذ المعلومات واحذر الأخبار الشائعة المفبركة على وسائل التواصل الاجتماعي.
طرح الأسئلة على الخبراء في حال الشكوك, كالطبيب أو وزارة الصحة العامة.
الالتزام بمعايير الوقاية اللازمة, والتي تتحدث بشكل مفصل عن غسل اليدين واستعمال السائل المعقم عند لمس الأسطح خارج المنزل والتعقيم عند العودة إلى المنزل من دون مبالغة, مثال: (لا جدوى من التعقيم في المنزل في حال عدم الخروج).
اشغل نفسك بنشاط مفيد كالقراءة والرياضة.
الابتعاد عن الأشخاص السلبيين والمهولين في تعاطي الأمور
لأن الخوف والسلبية لا يفيدان. -مارس اهتماماتك وحياتك الطبيعية مع الانتباه لمتطلبات المرحلة دون التمادي بها.
د. باسم عثمان
كاتب وباحث
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت