من «أقنع» غانتس؟

بقلم: محمد السهلي

كتب: محمد السهلي

من تابع وقائع انتخابات الكنيست في محطاتها الثلاث الأخيرة تشكل لديه انطباع قوي بأن الصراع بين نتنياهو وخصومة أصبح معركة كسر عظم، خاصة وأنهم وضعوا إقصاءه عن الحلبة السياسية هدفا مركزيا في حملاتهم الانتخابية.

لذلك، طرح التحاق غانتس بنتنياهو الكثير من التساؤلات، أبرزها عن جدوى إجراء ثلاث جولات انتخابية متتالية للكنسيت في مدى عام واحد، وعن صحة الاستخلاص الذي خرج به الباحثون والمحللون وقالوا إن نتائج الانتخابات الثالثة كرست الانقسام السياسي في المشهد الحزبي الإسرائيلي، ووضعوا سيناريوهات متعددة لما بعد تلك الجولة، ولم يكن من بينها على الإطلاق ما فعله غانتس، الذي كُلف رسميا بتشكيل الحكومة. وربما هذه هي المرة الأولى التي يشكل فيها المكلف حكومة يتولاها غيره أولا .. وآخرا! 

 

 

أكدت الخطوة التي قام بها غانتس أن حالة الاستقطاب الحاد الذي عاشها المشهد السياسي والحزبي في إسرائيل على امتداد عام إنما كانت تعبر في حدها الأقصى عن احتدام الصراع على دفة الحكم. وطالما كفل رئيس المعارضة السابق لنفسه مكانا وراء هذه الدفة من خلال الاتفاق مع نتنياهو، فإن أبرز موجبات هذا الصراع قد انتفى. وعلى ذلك، تشكلت بسرعة قياسية ملامح أغلبية كبيرة في الكنيست تدعم تشكيل حكومة وحدة بقيادة نتنياهو، وإن كان تحت «يافطة» التناوب مع غانتس.

وأكدت الحملات الانتخابية، وماطرحته القوائم المتنافسة من مواقف، أن الأحزاب الصهيونية لا تتصارع حول برنامجين متقابلين، وأن برنامج الليكود برئاسة نتنياهو هو الوحيد المطروح، والذي يتم ترجمته منذ نحو عشر سنوات عبر خطوات على الأرض، وخاصة فيما يتصل بسبل حل الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي من بوابة تجسيد دولة «إسرائيل الكبرى».

 ولاحظ المراقبون أن غانتس فشل منذ تشكيل تحالف «أزرق ـ أبيض» في أن يقدم نفسه بديلا «أكثر استعمارية» من نتنياهو، وبدا كظل لمواقف الليكود وسياساته، حتى أن كثيرا من المحللين الإسرائيليين وصفوا التحالف الذي يترأسه بـ«الليكود ب». ومع هذه النهاية لتحالف غانتس السابق يكون نتنياهو قد حقق فعلا مالم يستطع أن يحققه عبر الجولات الانتخابية المتتالية السابقة، وقد توارى ملفه القضائي خلف حالة الطوارئ التي فرضها «كورونا»، ودعم غانتس «الطارئ» في نظر معظم المراقبين.

ويمكن إحالة التحاق غانتس بنتنياهو إلى عدد من الأسباب المتكاملة:

• إدراك غانتس أنه لن يتمكن من تشكيل حكومة ضيقة، وإذا حصل ذلك، لن تستمر طويلا بسبب عاملين: الأول يتعلق باعتراضات من داخل تحالفه على دعم القائمة المشتركة لهذه الحكومة، وإن كان من خارجها. والثاني بسبب تداعيات انتشار فيروس كورونا الذي أوجد مناخا ضاغطا باتجاه تشكيل حكومة وحدة لمواجهة استحقاقات هذا الانتشار.

• كما أن غانتس ليس مؤهلا لقيادة الحكومة ربطا بقلة خبرته السياسية ومسيرته الزاخرة بالانتقادات والاتهامات بالفشل، عندما كان رئيسا لأركان جيش الاحتلال إبان عدوان العام 2014 على قطاع غزة. ومن موقع إدراكه لهاتين المسألتين، اقتنع بأن سقف طموحاته هو أن يصبح «الرجل الثاني»، في الحكومة، مع أن أغلب التقديرات تؤكد أن نتنياهو لن يمكنه من ذلك ، مثلما لم يمكن سواه من قبل، والأمثلة على ذلك كثيرة سواء من داخل الليكود أو من مكونات الائتلاف الحكومي. وتتوقع هذه التقديرات ألا يستمر غانتس طويلا في الحكومة، وربما تتشكل من دونه، في حال ضاق الليكود بشروطه الائتلافية وتأمن له بديل أقل كلفة.

• رأت بعض التحليلات أن الاعتبارات المصلحية ومحدودية سقف طموحات غانتس بسبب ضعف إمكانياته لا تكفي لوحدها لتفسير قيامه بخطوة من هذا النوع، وإلا كان من الممكن أن يقوم بها في مرحلة سابقة. وترى هذه التحليلات أن الموضوع لا ينحصر بقواعد اللعبة السياسية والحزبية المحلية، وأن هناك دورا لقوى ضغط كبيرة، أرادت أن تضع حدا لحالة «العطالة» التي تشهدها إسرائيل في ملف تشكيل حكومة على الرغم من إجراء ثلاث جولات انتخابية متتالية.

وتحيل هذه التحليلات تدخل جهات الضغط هذه (من داخل الدولة العبرية وربما خارجها) إلى انزعاج هذه الجهات القوي من المسار الذي يمضي به تشكيل الحكومة بعد تكليف غانتس، إثر حصوله على توصية بذلك من 61 نائبا بمن فيهم أعضاء «المشتركة». وهذا يعني بالنسبة لهذه الجهات تناقضا مع متطلبات المضي في تنفيذ خطوات صفقة ترامب ـ نتنياهو، لأن ربع من أوصى بغانتس (المشتركة) يرفضونها بالمطلق، ولن يمنحوا الحكومة الثقة على أنقاض حقوق الشعب الفلسطيني، وهم فوق ذلك يطالبون بإلغاء «قانون القومية»، وباتخاذ إجراءات قانونية واجتماعية وخدمية تحقق مصالح جماهيرهم. وبسبب حالة الاستقطاب القائمة، فإن المشتركة في هذا الحالة ستكون عاملا مقررا في تشكيل الحكومة من عدمه.

 ولهذه الأسباب، انتقل مطلب هذه الجهات بتشكيل حكومة وحدة من خانة الضغط «المرن»، والتي كان يعبر عنها رئيس الدولة العبرية عبر مبادراته، إلى وضع مختلف تماما، من زاوية الإيعاز بتشكيلها، وجاء انتشار كورونا ستارا غطى على التدخل المباشر للجهات المذكورة. وهناك من يعتقد أن هذا الأمر كان سيحصل  حتى دون انتشار فيروس كورونا.

على هذا، وعلى الرغم من الانتشار المتسارع للفيروس، فإن تطبيقات صفقة ترامب ـ نتنياهو لن تتوقف في سياق مواجهته، وخاصة أن معظم المراقبين يرى أن كلا من نتنياهو وترامب يعتليان منصة مواجهة الفيروس بالطريقة ذاتها التي يقدمان فيها برنامجهما الانتخابي، على قاعدة تمجيد الذات وتسفيه الآخرين وحتى تجريمهم.

وهذا يعني أن الشعب الفلسطيني الذي يواجه بدون إمكانيات جدية مخاطر كرونا لن يكون في تهدئة مع وباء الاحتلال واخطبوط استيطانه ومشاريع الضم، في ظل ظروف معقدة وصعبة على إيقاع الهلع العالمي من تسارع انتشار الفيروس القاتل، وتكريس جهود دول العالم  ومؤسساته المختلفة  لدرء خطره.

لقد أحيا الشعب الفلسطيني يوم الأرض في ذكراه الرابعة والأربعين بفعاليات محكومة بشروط مواجهة كورونا. والسؤال الأهم هو عن السبل التي نستمر فيها بمواجهة وباء الاحتلال، في سياق هذه التداعيات الكارثية التي نتجت عن انتشار هذا الفيروس القاتل.

 

محمد السهلي

 

 

 

المصدر: -

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت