المجتمعات صفرية المصادر .. ما بعد الكورونا

بقلم: طلال الشريف

د. طلال الشريف

 لا تلفت إنتباهي قصص تفسير الأحلام، حيث وضعت تفسيرا ذاتيا وخاصا بيّ لظاهرة الأحلام منذ زمن طويل، إقترن هذا التفسير بدراستي الطب، بأن غالبية الأحلام والخيالات غير الطبيعية للإنسان، وحتى سلوكياته الغريبة أحيانا، أو حتى الجانحة منها، هي نتاج خلل في الدورة الدموية، اي في كمية وصول الدم بنقصها أو زيادتها للدماغ ومراكزه، فكان ذلك كافيا لي شخصيا لعدم البحث عن تفسير أي حلم يصيبني أو دلالاته، وإكتفيت بقناعتي أن سببها هو خلل ولن يعطي تنبؤاً أو معرفة أو حدسا صحيحا.

وبعد طول إهمال لقصص تفسير الأحلام، وبالصدفة البحتة رمتني صفحات الجوجل لتفسيرات إبن سيرين عن رؤية الحذاء في المنام، فصدمت بتفسيرات عجيبة لا تخطر على بال، لشكل، ولون، ولبس، أو، خلع، أو، ضياع، أو، بيع الحذاء، وهذه الأخيرة، أكثر ما لفت إنتباهي، واختلط عليّ الحلم بالواقع لعل تفسيره يكون ونساً لي لا أكثر، مما لا يشبهه في الحل من توقعاتي السياسية القادمة، حيث يقول إبن سيرين عن تفسير حلم بيع الحذاء "عند رؤية بيع الحذاء في المنام، فإن هذا يفسر على أن من رأى الحلم هو يتعرض للكثير من المشاكل والأزمات، ولكن هذه المشاكل سوف تنحل عن طريق مساعدة صديق".

الناس في مجتمعنا ستحلم بالتأكيد في الغد ببيع الحذاء، لأن المشاكل والأزمات مؤكد حدوثها، ولكن للأسف لن يكتمل تفسير إبن سيرين بحل مشاكلهم عن طريق مساعدة صديق، فبعد زوال الكورونا كل الدول بحاجة لمن يساعدها، ولن يستطيعوا مساعدة الدول والتجمعات البشرية صفرية الموارد. ولأننا لازلنا في هم وباء الكورونا والخوف والذعر من الإصابة فالسواد الأعظم ليسوا في حالة إلحاحية لإشغال تفكيرهم فيما سيحدث من تغيرات في هذه الدنيا إن كتبت لهم الحياة بعد إنتهاء هذا الوباء أو توقفه عن الإنتشار، إلا نفر قليل من المفكرين والمهمومين بمستقبل الناس الفقراء في الدول والجماعات البشرية وخاصة الصفرية الموارد كحالنا في فلسطين.

 شغلتني التغيرات السياسية والإقتصادية والأخلاقية على المستوى العالمي وتحديات المستقبل وعلاقات الدول ونظريات المفكرين في مصير العالم، وكيف ستكون الصورة وتفاصيلها، فكتبت مقالي السابق عن بدايات إنهيار في السياسة والإقتصاد والأخلاق بسبب الكورونا، ولكن كان شيء آخر يلوح لي في الأفق ويلح على التفكير به. وهو الإنسان والمجتمع صفري الموارد الذي نعيش فيه بخصوصيتة الفريدة في فلسطين، والتي حتما ستتأثر وستزداد سوءا وستتغير فيها العلاقات والإحتياجات والمعانيات الجديدة المتوقعة وحتى المفاهيم، حيث أنني غير قانع بآراء يطرحها البسطاء عن رجوع الناس للتضامن والمحبة والتكافل والوردية والرومانسية لأنهم يطلقون تلك التأملات والأوهام وهم مازالوا تحت تأثير مخدر الخوف والذعر وتهديد الحياة من المرض، وحيث تنزوي مؤقتا العدوانية والتطفل والإنتهازية والتمرد وحتى مقاومة المحتل أو مناهضة الديكتاتورية والقمع وكبت الحريات السياسية.

بنظرة موضوعية للأثر القادم نتيجة توقف الحياة والخسائر المادية والبشرية المصاحبة لوباء كورونا على مستوى العالم كله تنبيء بل تفضي بالكثير مما سيواجه المجتمعات الفقيرة وبالأحرى صفرية الموارد والتي كانت ومازالت حتى اللحظة تعتمد تماما على المساعدات الخارجية من الدول والمؤسسات الداعمة وما أكثر تلك الدول والمجتمعات المعتمدة تماما على الآخرين في حياتها، وأقرب مثال لذلك هم فلسطينيو الضفة الغربية وقطاع غزة، فكل موازناتهم ورواتبهم ومؤسساتهم وحتى الكثير من عائلاتهم مكفولة من آخرين في هذا العالم سواء بإعاشتهم أو تشغيل خدماتهم ومشاريع إغاثتهم، وبما أن العالم كله تقريبا توقف عن الحركة والشغل والانتاج بسبب الكورونا، فقد حدثت الفجوة في الإقتصاد لدى الجميع، وكذلك تعددت الخسائر التي تقدر بآلاف المليارات التي تحتاج لسنوات مضاعفة للجمييع لتعويضها، وإعادة وضع قطار إقتصاداتها على السكة من جديد، ولذلك لن يلتفتوا لدعم شعبنا كالسابق وعليه: سنعاني أكثر في غزة والضفة الغربية، فنحن ليس جماعة وبلد نادرة المصادر لتغطية نفقاتنا وحياة مواطنينا فقط، بل نحن شعب وبلد معدموا المصادر، وحين لا أحد يدعم أو يمد يد المساعدة لشعبنا، وهذا مؤكد، فسندخل في دائرة المرض والجهل والجريمة والحروب الأهلية، وصراع حاد على الحياة من أجل البقاء، وعلى أبناء شعبنا أن يتدبروا أمرهم، وأن يتغيروا، وينفضوا العبث السابق، ويبدأوا صفحة جديدة، لواقع جديد، هو بالتأكيد سيكون مريرا،

وهنا أتساءل عن المواطن الإنسان، وكيف سيتصرف؟ وماذا عليه أن يكون في القادم بعد خروحه من أزمة كورونا؟ وأين سيتوجه بحراكه بفعل الكارثة التي ستجتاحه؟ ليس أمام شعبنا من خيارات عديدة، وخياراته محدودة جدا، فإما إقتحام الواقع لتغييره بالقوة في مواجهة الحكام والإحتلال، أو، الإستسلام للجوع والفقر والمرض والجريمة والموت، أو، البحث عن الهجرة من جديد، وهو نوع آخر من الموت لشعب وقضية.


دِ. طلال الشريف

المصدر: -

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت