ورقة موقف: نحو مأسسة صناديق التكافل وتعزيز قيم الشفافية والمساءلة في بيئة عملها

  ورقة موقف صادرة عن مركز إعلام حقوق الإنسان والديمقراطية "شمس" بعنوان: نحو مأسسة صناديق التكافل وتعزيز قيم الشفافية والمساءلة في بيئة عملها – صندوق وقفة عز نموذجاً

مقدمة

في الثاني من نيسان 2020 أعلن الناطق الرسمي باسم الحكومة الفلسطينية إبراهيم ملحم، مصادقة الرئيس محمود عباس على تشكيل صندوق "وقفة عز" بغية جمع التبرعات النقدية من رجال الأعمال الفلسطينيين في الداخل والخارج وبقية الشرائح المجتمعية عبر حساب بنكي موحد لإسناد جهود الحكومة في مواجهة فيروس كورونا المستجد – كوفيد 19 الذي يُتوقع أن يطول أمد أزماته المتشعبة،  فيما تبقى التبرعات العينية توزع مباشرة عبر المحافظات، الصندوق بدأ عمله برأس مال أولي قيمته خمسة ملايين دولار  وتتشكل هيئته العامة من 32 رجل أعمال وشخصيات اعتبارية وممثلين للقطاع الخاص والغرف التجارية. ينحصر عمله داخل الأراضي الفلسطينية، ووفقاً لما أعلنه القائمين على الصندوق فهو يركز عمله عبر ثلاثة محاور:

  1. دعم مباشر لوزارة الصحة في جهودها لاحتواء الفيروس.
  2. دعم جهود وزارة الأشغال العامة في تسهيل حياة المواطنين ومواجهة الفيروس.
  3. إعانات نقدية مباشرة للمتعطلين عن العمل بسبب إجراءات الطوارئ.

 

ينظر مركز "شمس" لهذه الخطوة بعين الإشادة وهي إذ تعكس تحلي القطاع الخاص المساهم في الصندوق بمسؤولية مجتمعية ووطنية وانعكاس لروح شراكة مهمة مع الحكومة في هذه المرحلة، وإذ تشكل مساهمة إيجابية لرأس المال الفلسطيني في مواجهة هذه الازمة والظرف الاستثنائي. وإذ تعبر عن قوة المبادرات التضامنية والتكافلية في زمن الأزمات. إلا أن نجاحها يستدعي تسليط الضوء على العديد من الأمور والعمل على تجاوزها منذ البدايات.

خلفية عن صناديق التضامن والتكافل والتأمين في السياق الفلسطيني

تاريخياً أنشأت السلطة الفلسطينية صناديق متعددة لغايات وأهداف مختلفة في فترات زمنية سابقة، من بين هذه الصناديق:

  • الصندوق الفلسطيني لتعويض ضحايا حوادث الطرق بموجب قرار رقم (95) لسنة 1995.
  • صندوق الطوارئ لإغاثة المتضررين من العدوان الإسرائيلي على غزة بموجب قرار مجلس وزراء رقم (71) لسنة 2004.
  • صندوق الاستثمار الفلسطيني بموجب مرسوم رئاسي وقرار مجلس الوزراء (182) لسنة 2005.
  • صندوق تطوير وإقراض البلديات بموجب قرار مجلس الوزراء (191) لسنة 2005.
  • صندوق النفقة بموجب قانون رقم (6) لسنة 2005.
  • صندوق إقراض وتشغيل ذوي الإعاقة بوزارة التنمية الاجتماعية بموجب قرار مجلس وزراء رقم (50) لسنة 2006.
  • صندوق الرئيس محمود عباس لمساعدة الطلبة الفلسطينيين في لبنان بموجب مرسوم رئاسي رقم (7) لسنة 2010.
  • صندوق الإقراض لطلبة مؤسسات التعليم العالي بموجب القرار بقانون رقم (5) لسنة 2013.
  • صندوق درء المخاطر والتأمينات الزراعية بموجب قرار بقانون رقم (12) لسنة 2013.
  • صندوق القدس بموجب مرسوم رئاسي رقم (20) لسنة 2013.
  • صندوق دعم الإبداع والتميز بموجب مرسوم رقم (1) لسنة 2016.
  • صندوق الإنجاز والتميز لدعم التعليم بموجب قرار بقانون رقم (9) لسنة 2016.
  • صندوق حماية التراث الثقافي المادي بموجب قرار بقانون (11) لسنة 2018.

وعليه من الممكن ملاحظة  أن هذه الصناديق ليست حديثة النشأة في فلسطين من جهة، وأن الغاية منها تقديم خدمات أو دعم مالي أو إسناد لبعض الفئات المجتمعية سواء شخصيات طبيعية أو معنوية لظروفها الخاصة، مثل ذوي الإعاقة والطلاب والمزارعين وغيرهم، فضلاً عن غايات الصناديق في توفير الدعم المالي لبعض الأنشطة مثل الإبداع والتميز والتعليم أو لمناطق جغرافية معينة مثل صندوق القدس أو غزة أو الأغوار. إلا أن المختلف في حالة صندوق "وقفة عز" أنه سيكون الأشمل من حيث الفئات التي يقوم باستهدافها لاتساع نطاق القطاعات التي تأثرت بانتشار فيروس كورونا المستجد وكذلك من حيث المناطق مع تركيزه على نشاط القطاع الصحي. وأنه يشكل واحدة من أكبر تجارب التكافل والتضامن في السياق المحلي، إن لم يكن أكبرها على الإطلاق.

 

كورونا المستجد: جائحة على المستوى الاقتصادي والمعيشي

في ديسمبر 2019 وفي مدينة ووهان وسط الصين اكتشف مرض كوفيد 19 – كورونا المستجد، الفيروس شديد العدوى سرعان ما تحول إلى جائحة ([1]) حسب ما صنفته منظمة الصحة العالمية في 11 مارس 2020، في 21 فبراير 2020 أعلنت إسرائيل عن ظهور أول حالة إصابة فيها، فيما أعلنت فلسطين مطلع مارس 2020 تسجيل أول 7 إصابات لعاملين في فندق أنجل في مدينة بيت لحم. بلغ عدد المصابين حول العالم حتى تاريخه ([2]) مليون و276 ألف إصابة وأكثر من 70 ألف وفاة. فيما بلغت الإصابات في إسرائيل 8904 إصابة و57 حالة وفاة. أما في فلسطين وصلت حصيلة الإصابات إلى 260 إصابة وحالة وفاة واحدة. ضرب هذا الفيروس العديد من القطاعات الاقتصادية في مقتل، كما انعكس بشكل كبير على النظام الدولي، ليخلق أزمات اقتصادية واجتماعية ونفسية متشعبة كتبعية للأزمة الصحية. في الرابع من مارس الجاري أعلن الرئيس الفلسطيني حالة الطوارئ في جميع الأراضي الفلسطينية لمدة شهر، في مساعي لمواجهة جائحة كورونا، وذلك استناداً للنظام الأساس لمنظمة التحرير الفلسطينية وللقانون الأساسي المعدل لسنة 2003 وتعديلاته، ولا سيما أحكام الباب السابع منه، جاء في المرسوم: "تتولى جهات الاختصاص اتخاذ جميع الإجراءات اللازمة لمواجهة المخاطر الناتجة عن فيروس كورونا وحماية الصحة العامة وتحقيق الأمن والاستقرار، و تكون حالة الطوارئ هذه لمدة 30 يومًا، ويخول رئيس الوزراء بالصلاحيات والاختصاصات اللازمة لتحقيق غايات هذا الإعلان كافةً". والتي جرى تمديدها لاحقاً لمدة شهر أخر.

 

في هذا السياق، ازداد الوضع الاقتصادي والاجتماعي الصعب بالأساس للأسر الفلسطينية عموماً صعوبة في ظل تفشي جائحة كورونا المستجد، وخلق معه العديد من الأزمات التي تضاف لأزمات تراكمية تصيب المستوى المعيشي والوضع الحياتي للسكان الذين يعيشون في نظام اقتصادي وسياسي هش وغير مهيأ لمواجهة الأزمات، منذ أعلن الرئيس الفلسطيني في 4/3/2020 حالة الطوارئ في جميع الأراضي الفلسطينية لمدة شهر، والتي جرى تمديدها لشهر أخر في 2/4/2020 وشملت منع الحركة والتنقل بين المدن وإغلاقها وفرض حظر للتجوال وإغلاق المرافق الاقتصادية باستثناء المخابز والصيدليات والمحال التجارية ضمن أوقات معينة ضيقة وإجراءات مشددة، والأوضاع تتجه نحو الأسوأ، وهو ما وضع عشرات آلاف الأسر أمام تحديات وجودية في ظل عدم تهيئها لظروف مواتية وعدم متانة الاقتصاد الفلسطيني الذي تعمل عجلته يوماً بيوم لتخليق مصادر دخل بديلة خلال الأزمات الكبرى، نتيجة ضعف الموارد والأزمات السياسية. بلغ عدد الأسر الأشد فقراً وفق وزارة التنمية الاجتماعية قبل الأزمة حوالي 120 ألف أسرة، وازداد عدد الأسر التي بحاجة إلى معونات إلى 53 ألف أسرة. فيما بلغت نسبة الفقر بين الأفراد وفقاً لنمط الاستهلاك الشهري في فلسطين 30%، ونسبة البطالة 25%، وهي النسب التي من المرجح أن ترتفع إلى مستويات قياسية مع أزمة كورونا المستجد، إذ تشير الدلائل إلى طول أمد الأزمة واتجاهها نحو الأسوأ بما يستدعي تدخلات إسنادية تكاتفية. كما أن الأسر التي ترأسها نساء بالذات العاملات في المستوطنات أو في الحضانات واللواتي فقدن عملهن نتيجة تفشي الفيروس هي من الأكثر معاناة، إذ تشير الإحصائيات السابقة الصادرة عن الجهاز المركزي للإحصاء أن الأسر التي ترأسها النساء أكثر فقراً من تلك التي يرأسها رجال، وتبلغ نسبة هذه الأسر حوالي 11% من مجموع الأسر الكلي، بواقع 12% في الضفة الغربية و9% في قطاع غزة وفقاً لبيانات مسح القوى العاملة للعام 2019، على مستوى القطاعات  برزت العديد منها باعتبارها الأكثر تضرراً يمكن تكثيفها فيما يلي:

  1. قطاع السياحة والفنادق
  2. قطاع التعليم
  3. قطاع التجارة
  4. قطاع الصناعة
  5. قطاع النقل والمواصلات
  6. العمال الفلسطينيين في إسرائيل
  7. الموظفين الحكوميين في ظل خطر توقف صرف الرواتب، نتيجة عدم قدرة الحكومة على تجنيد موارد بديلة

وهي القطاعات التي ينبغي للصندوق التركيز عليها، صحيح أن هذه الإجراءات والظروف الاستثنائية من غلق وعزل وحجر وتقييد حركة وبطالة وتعطيل، فرضت العديد من التحديات الاقتصادية والمعيشية بالغة الصعوبة، إلا أنها في الوقت عينه أعادت المجتمع إلى حالة تكافلية تضامنية خاصة.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

توصيات مركز "شمس" العامة حول صندوق "وقفة عز"

  • استكمال الإطار القانوني الناظم للصندوق، بحيث يتم إصدار النظام الداخلي له.
  • الموازنة بين الإنفاق على القطاع الصحي وتوزيع المساعدات المالية بين الضفة الغربية وقطاع غزة، بحيث لا ينبغي أن تمتد حالة الانقسام إلى هذا الصندوق وبالذات في ظل هذه الجائحة والتحدي الإنساني الجمعي والمشترك الذي يسمو على أي انقسامات.
  • المسارعة في تشكيل لجنة مالية للصندوق يتم تخويلها بحق الصرف تشرف عليها الهيئة العامة للصندوق.
  • حوكمة الصندوق وفق المدونات والنظم السارية في الحقل الاقتصادي والتجاري والحقل القانوني وحقل مكافحة الفساد.
  • تفعيل جهود التنسيق مع وزارة التنمية الاجتماعية والاستعانة بقاعدة بياناتها في الوصول للأسر المنكشفة. ومع الاتحادات النقابية والعمالية للصول إلى شريحة العمال، ومع وزارتي العمل وشؤون المرأة وصولاً إلى الأسر التي ترأسها نساء وتعتبر الأشد فقراً وتوقيع مذكرات تفاهم وتعاون مع الأطراف المذكورة.

 

توصيات على مستوى تعزيز قيم النزاهة المطلوبة في بيئة عمل صندوق "وقفة عز"

العديد من الخطوات ينبغي اتخاذها لتحقيق النزاهة في بيئة عمل الصندوق:

  • المأسسة: بحيث ينبغي أن يأخذ الصندوق الطابع المؤسسي مع ضمان تمثيل الأطراف كافة فيه على نحو متوازن.
  • الاستقلالية: بحيث يجب أن يتمتع بالشخصية الاعتبارية المستقلة والذمة المالية المستقلة بما يمكنه من القيام بأعماله.
  • إتباع الإجراءات القانونية في التعيينات والعزل لهيئة الصندوق والعاملين فيه.
  • توفير أنظمة عمل داخلية ومالية للصندوق.
  • إصدار الأدلة والأنظمة والإجراءات ومدونات السلوك والالتزام بها.
  • تقديم هيئة الصندوق والعاملين فيه لإقرارات الذمة المالية لهيئة مكافحة الفساد وفقاً لأحكام قانون مكافحة الفساد رقم (1) لسنة 2005 وتعديلاته. من المهم كذلك توقيع مذكرة تفاهم وتعاون بين الصندوق والهيئة باعتبارها المؤسسة الرسمية المعنية بمكافحة الفساد.

 

 

 

 

قيم الشفافية المطلوبة في بيئة عمل صندوق "وقفة عز"

  • رقمنة الصندوق بحيث يجري إنشاء موقع إلكتروني يتم رفده وتحديثه بالمعلومات دورياً للصندوق، بما يبقي المواطنين/ات ذوي/ات قدرة في الحصول على المعلومات حوله وبالذات تحديثات الموازنة والرفد الدورية.
  • إصدار النشرات التوعوية والإرشادية للجمهور، سواء عبر الإعلام التقليدي أو الرقمي، مع التركيز على الأخير نظراً لما سببه فيروس كورونا والعزل المنزلي من تكثيف للنشاط في المنصات والمواقع. على أن تكون هذه النشرات بلغة مبسطة واضحة، واستخدام وسائل جاذبة في التوعية مثل أفلام الأنيمشن وفيديو الإنفوجرافيك بما يضمن الوصول لأكبر قدر من المواطنين/ات على اختلاف فئاتهم العمرية.
  • إتباع هيئة الصندوق سياسة الإفصاح، بحيث يجري إطلاع المواطنين عبر النشر والإعلام عند اتخاذ أي خطوة جديدة، بالذات الخطوات ذات العلاقة بهيئة الصندوق وتنظيمه واجتماعاتها والقرارات الصادرة عنها، وأسماء المتبرعين والمبالغ التي جرى التبرع بها مع الحفاظ على خصوصية المتبرعين الراغبين في السرية.
  • توضيح وإعلان سياسات المستفيدين من الصندوق، بحيث ينبغي أن يتم رفع وعي المواطنين وتثقيفهم بآليات وأسس ومعايير اختيار الأشخاص الذين سيتلقون مساعدات مالية من الصندوق. مع الحفاظ على خصوصيتهم.
  • إشراك الجمهور في وضع خطط عمل الصندوق قدر الإمكان، من خلال النقاشات في الحيز الرقمي والتقني.

نظم المساءلة المطلوبة في بيئة عمل صندوق "وقفة عز"

  • المسارعة في تشكيل لجنة وزارية رسمية للإشراف على الصندوق ومتابعة أعماله وتنفيذه للغايات التي أنشئ من أجلها.
  • إصدار أنظمة داخلية خاصة بالرقابة والتدقيق والشكاوى، مقرة ومفعلة من هيئة إدارة الصندوق. ينبغي أن تكون إجراءات الشكاوى متاحة وواضحة للجمهور وتوفير موظفين مختصين أو لجنة لمتابعتها.
  • حث العاملين في الصندوق على الإبلاغ عن أي شبهات فساد وفرض نظم داخلية ملزمة بذلك لا يبقى الإبلاغ في الإطار الاختياري الذاتي من قبل إدارة الصندوق.
  • تعزيز هيئة الصندوق مهامها الإشرافية على أنشطته وتعزيز التدقيق والرقابة الداخلية.
  • تعزيز الرقابة الخارجية المدنية والشعبية على الصندوق. بالإضافة غلى المؤسسات الرقابية المختصة.
  • التزام الصندوق بإصدار تقارير دورية، يجري مناقشتها وإقرارها من قبل هيئته العامة.
 

[1]  تطلق لفظة جائحة على الوباء الذي ينتشر بين البشر في مساحة كبيرة، عبر قارة أو قارات أو كل العالم، تاريخياً ظهرت العديد من الجوائح الفتاكة مثل الجدري والطاعون الأسود الذي قتل أكثر من 20 مليون شخص حول العالم عام 1350م.

[2]  6/4/2020.

المصدر: -