قام الجنرال المتقاعد، غابي غانتس، رئيس حزب "أزرق/ أبيض" ورئيس المعسكر المنافس والمناوئ لنتنياهو، بتفجير قنبلة سياسية أدت شظاياها الى اصابة شخصية غانتس العسكرية ومستقبله السياسي، وشعبيته الجماهيرية بجروح سياسية كبيرة، وذلك عندما أعلن قبل اسبوعين تنازله عن مبادئه وشعاراته الانتخابية التي كانت واضحة كل الوضوح بأنه لن يشارك في أي حكومة وحدة وطنية بزعامة نتنياهو، لأن يديه متورطتان بملفات فساد كبيرة يمثل بسببها أمام المحكمة المركزية الاسرائيلية، ولكنه استسلم لنتنياهو ووافق على ان يكون تحت امرته خاضعاً لضغوطات عديدة داخلية وخارجية، منها المكشوفة ومنها المخفية.
الضغوطات الداخلية تمثلت أولاً بقيام عضو الكنيست في حزب غيشر، أورلي ليفي، بالانسحاب من المعسكر المناوئ لنتنياهو والانضمام الى حزب الليكود، وبالتالي حصل غانتس على تأييد 61 عضو كنيست لتكليفه من قبل رئيس الدولة بتشكيل حكومة جديدة. والضغط الآخر عليه جاء من قبل عضوي الكنيست زاوهر وهندل اللذين ينتميان لحزب "أزرق/ ابيض" عندما أعلنا انهما لم يصوتا لصالح حكومة ضيقة تعتمد على دعم من القائمة العربية المشتركة، مع انهما يؤيدان الاطاحة بنتنياهو، وبالتالي تشكيل حكومة وحدة وطنية . وأيد الاثنان تقديم اقتراح مشروع قانون على الكنيست ينص على منع أي مسؤول من الحصول على تكليف لتشكيل حكومة او تولي منصب وزير اذا كانت هناك لوائح اتهام مقدمة ضده. لكن غانتس ماطل ولم يمض في تقديم هذا القانون، وذلك لأن معلومات سرية وردت اليه تفيد ان هناك أعضاء من داخل حزبه "أزرق/ أبيض"، ومن رئيس حزب العمل عمير بيرتس قد لا يصوتون لمثل هذا المشروع لأن لديهم علاقات قوية وسرية مع نتنياهو ومع أعضاء في حزب الليكود.
من هنا، ومع شعور غانتس بأنه لا يستطيع تشكيل حكومة ضيقة، وكذلك لا يستطيع تمرير مشروع قانون يطيح بنتنياهو.. فأخذ بالتفكير بالخروج من هذا المأزق الذي يتمثل في انه فشل وفي ثلاث انتخابات متتالية خلال عام، ولم يستطع الاطاحة بنتنياهو كما وعد، ولم يستطع تشكيل حكومة وحدة وطنية او حتى ضيقة، وهذا أدى الى تململ من قيادته، وقد يؤدي ذلك الى استقالته، او انسحاب أعضاء في حزبه "أزرق/ أبيض" لرفضهم استمرار قيادته لهذا الحزب.
أما الضغط الداخلي المكشوف فقد جاء من حزب الليكود ومن المعسكر اليميني الداعم له، إذ ان هذا المعسكر يدعم نتنياهو بقوة كبيرة، ومتمسك به، ولن ينقسم أحد عنه. كما ان نتنياهو استخدم لغة تجمع بين التهديد والترهيب، فمن ناحية التهديد فقد أكد انه لن يشكل حكومة ضيقة رغم انه يستطيع ذلك، وانه يفضل ان تجري انتخابات رابعة بعد ستة شهور، فيبقى بذلك رئيساً للوزراء خلال هذه الفترة وربما لأكثر من ذلك. وان حزب الليكود سيشن حملة انتخابية قوية ضده ويتهمه أيضاً بالفساد، حتى وان كان بريئاً، عندما كان رئيساً لشركة اتهم بعض المتنفذين فيها بالفساد.
وأما الترغيب فجاء باستعداد نتنياهو لتبادل منصب رئيس الوزراء بعد عام ونصف، وانه سيمنح غانتس وحزبه مناصب حكومية رفيعة مثل، نائب رئيس الوزراء، وزير الخارجية، وزير الدفاع، ووزير العدل، اضافة الى نواب للوزراء. وقد أثرت عليه هذه العروض المغرية فأعلن استسلامه بسرعة البرق.
واضافة للضغوطات الداخلية، فان الادارة الاميركية مارست ضغطاً كبيراً على غانتس بعد ظهور نتائج الانتخابات وحصوله على تكليف رسمي لتشكيل حكومة جديدة. وتمثلت تلك الضغوطات في ان الادارة الاميركية ذكرته بأنه قطع وعداً للرئيس الأميركي دونالد ترامب، خلال مشاركته في حفل اعلان صفقة القرن، انه لن يعارض هذه الصفقة، وسيطبق ما هو مفيد منها لصالح "اسرائيل" وأمنها. وأكد هذا الوعد عندما عاد الى اسرائيل وأعلن ان القائمة العربية المشتركة لن تكون في أي حكومة يشكلها. وهذا التصريح الذي جاء قبل الانتخابات أثار موجة من ردود فعل قوية. وقد ألمحت الادارة الاميركية لغانتس بصورة واضحة انه اذا شكل حكومة ضيقة بدعم من القائمة العربية المشتركة التي تعارض صفقة القرن، فان التعاون الأميركي مع هذه الحكومة سيكون فاتراً الى حد كبير، ولربما قد تكون هناك أزمة سياسية. وأكدت هذه الادارة على ان الرئيس ترامب يدعم تشكيل حكومة وحدة وطنية، وان نتنياهو صديق لترامب وقائد شجاع، وان ترامب بحاجة اليه للحصول على دعم وتأييد اللوبي الصهيوني الأميركي الفعال في حملته الانتخابية لولاية رئاسية ثانية والتي ستجري بعد أقل من سبعة أشهر.
انطلاقاً من هذه الأجواء الضاغطة على غانتس، فقد قرر الاستسلام تحت ذريعة انه يتحمل مسؤولية قومية في رص الصفوف لمواجهة جائحة كورونا، وفي ذات الوقت ينقذ نفسه من مصير سياسي كالذي تعرض له قادة عسكريون سابقون أمثال براك وموفاز.
بقيت الاشارة الى ان الحزبين المتنافسين على رئاسة الحكومة لا يختلفان حول مسيرة السلام او حول كيفية مواجهة جائحة كورونا ، بل يختلفان على مصالح شخصية وليس مصالح "اسرائيل" المستقبلية.
بقلم: جاك خزمو
الناشر ورئيس تحرير مجلة البيادر
القدس 9/4/2020
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت