في موضوع صفقة التبادل فرق شاسع بين رؤية الاحتلال وما تريده المقاومة

بقلم: رياض الأشقر

رياض الاشقر.JPG

من تابع التسريبات على وسائل الاعلام خلال اليومين الماضيين، وكذلك التصريحات التي صدرت خلال الاسبوع الماضي سواء من طرف الاحتلال أو قادة المقاومة قد يخيل له بأن صفقة التبادل باتت على الأبواب، وان الأسرى من الطرفين حزموا حقائبهم، وان الخلاف الان فقط يقتصر على نوع الباصات التي ستنقل الأسرى الى منازلهم .

كمتابع جيد لهذا الملف اقول بان هذا السيناريو من المبكر الحديث عنه في الوقت الحالي، و لا يزال هناك فرق شاسع بين رؤية الاحتلال للصفقة وما تريد تحقيقه المقاومة في هذا الملف ، وليفهم القارئ ما اقصده بالتحديد اعرض هنا رؤيتين مختلفتين الأولى رؤية المقاومة والثانية قناعات الاحتلال.

أولا : ما تريده المقاومة

في مرحلة أولى (تمهيدية) يمكن أن تقدم المقاومة تنازلات جزئية ومحدودة قد تكون على شكل معلومات حول مصير الجنود، أو فيديو يظهر أحدهم وهو يتحدث للتأكيد على أنه حي، و من غير المستبعد في المرحلة الاولى اطلاق سراح الأثيوبي منغستو، أو هشام السيد، في مقابل أن يطلق الاحتلال سراح 50 اسيراً من محرري صفقة وفاء الأحرار قام بإعادة اعتقالهم عام 2014 .

وفى ظل الظرف الحالي الاستثنائي يمكن ان تشمل المرحلة الأولى اطلاق سراح الأسيرات والأطفال وعدد من المرضى وكبار السن .

واذا شملت المرحلة الاولى كشف المقاومة عن وجود جنود احياء سواء واحد أو اكثر هذا سيجعل الصفقة اكثر زخماً وبالتالي سيكون الثمن كبيراً، وقد يُسَّرع قليلاً من الحوار حول اتمام صفقة في مراحلها النهائية ، لأنه سيشكل ضغط كبير على حكومة الاحتلال لاستعاده هؤلاء الجنود وخاصه انها تبنت منذ العدوان على غزة رواية ان الجنود قتلى ، ولا جدوى كبيرة من اعادتهم ودفع ثمن مقابل ذلك .

 اذا سارت الامور كما ذكرنا سابقاً فإن التفاوض سيستمر للاتفاق على المرحلة النهائية، والمقاومة بدورها جاهزة بقوائم الاسماء التي ترغب في تحريرها من السجون وعلى الأرجح ستشمل ما لا يقل عن (1500) أسير ما بين عمداء الاسرى الذين امضوا اكثر من 20 عام خلف القضبان وعددهم (51) اسيراً،  والمؤبدات (580)  والأحكام العالية فوق العشر سنوات (500) أسير، وعدة مئات لا زالوا موقوفين وينتظر اصدار احكام عالية بحقهم .

وهكذا لو تحقق هذا السيناريو الذى تسعى لانجازه المقاومة يمكن القول بانها حققت ما تريد، وكسبت جولة جديدة في اطار صراعها المستمر مع الاحتلال، وتقدمت بخطوة كبيرة عليه.

ثانياً : ما يريده الاحتلال

بكل تأكيد الاحتلال يرغب في معرفة مصير جنوده سواء كانوا احياء او أموات ، واعاده الاحياء منهم الى اهلهم سالمين او اعاده جثث الأموات لدفنها حسب شريعتهم واغلاق هذا الملف، وهذا يعتبر انجاز كبير لمن يحقق ذلك ولكن السؤال المهم ماذا يمكن ان يقدم الاحتلال مقابل ذلك، وما يريد تحقيقه في هذا الجانب.

ولكن لكى يعطى الاحتلال لنفسه هامش واسع من المناورة والوقت ادعى بعد الحرب على غزة بأن جنوده المفقودين هم قتلى ولتأكيد ذلك، نظم لهم الجيش جنازة رمزيه، واقاموا لهم الشعائر، وصرفت الحكومة لعائلاتهم تعويضات مالية مناسبة ومخصصات شهرية.

في الوقت الحالي وحسب المعطيات على الأرض أخر ما يفكر به الاحتلال هو اطلاق سراح أسرى  فلسطينيين، وخاصة من اصحاب المحكوميات العالية والمؤبدات كونهم مسئولين عن قتل جنود او مستوطنين،  ولا يمكن لأياً من قادة الاحتلال ان يتخذ هذا القرار الصعب، وخاصة ان الاحتلال لدغ من صفقة وفاء الاحرار الاولى حيث يتهم المحررين منها بقيادة المقاومة في الداخل والخارج بعد تحريرهم .

في اعتقادي وحسب المعطيات، الاحتلال يريد ان يحصل على كل ما يريد دون ان يدفع ثمن، وان كان لابد فليكن الثمن مقبول وغير باهظ، ولا يظهر الاحتلال من خلاله منكسراً او مرغماً او مجبوراً على ذلك .

ولا يفهم من كلامي ان الاحتلال يعارض اتمام صفقة، بل على العكس  هو يرغب بشده في ذلك، ولكنه يريد ان تكون الصفقة على مقاسه الخاص بدون انجاز للطرف الاخر، بمعنى يريد ان يعيد جنوده احياءً او اموات مقابل صفقة انسانية كانت في السابق تعتمد على رفع جزئي للحصار عن قطاع غزة وادخال الأموال والانتعاش الاقتصادي وفتح أبواب العمل للغزيين داخل الخط الاخضر، واليوم اضاف عليها الاحتلال السماح بإدخال المواد والمستلزمات الطبية التي يحتاجها القطاع الصحي لمواجهة جائحه كورونا ( مقايضه وابتزاز).

لذلك فان حكومة الاحتلال تلعب على عامل الوقت ونفاذ صبر المقاومة مع استمرار معاناة الاسرى في السجون وضغط ذويهم والشعب الفلسطيني لسرعة اطلاق سراحهم كون اعمارهم تنقضي خلف القضبان وهذا لم يعد مقبولا في ظل وجود اسرى للاحتلال لدى المقاومة، وكذلك استمرار تردى الاوضاع الانسانية في القطاع وازدياد صعوبة الحياة فيه كل ذلك يطمع الاحتلال من خلاله ان يدفع المقاومة للقبول بعروض الاحتلال، والتخلى عن مبادئها الثابتة لإنجاز الصفقة.

خلاصة القول

المقاومة تريد صفقة لتبادل أسرى مقابل أسرى وليس أي أسرى يختارهم الاحتلال فالعدد ليس مهما، بقدر من الأسرى الذين تختارهم المقاومة ولديها قوائم جاهزة باسمائهم، بينما الاحتلال يريد صفقة لتبادل أسرى مقابل تحسينات معينة لأهل القطاع وفى أحسن الاحوال اطلاق سراح النساء والاطفال وبعض المرضى وليس كلهم ويمكن ان تشمل الاداريين كونهم معتقلين بدون ملفات او تهم .

وهكذا تبدو الأمور واضحة بأن المسافة لا تزال بعيدة بين الطرفين رغم الرغبة المتبادلة في اغلاق هذا الملف، لذلك حين نسمع بين الحين والاخر تصريحات لقادة الاحتلال بانهم على استعداد لإتمام الصفقة أو دراسة عرض حماس وغيرها من المسميات فهذا لا يعنى ان الصفقة على الأبواب لان الاحتلال غير مستعد للقبول بدفع الثمن في الوقت الحالي.

ومع ذلك أرى بأن حكومة الاحتلال وبعد استنفاذ كل ما في جعبتها من وسائل مكر، وخداع، وضغط، وابتزاز، يقابله صبر واراده وحكمه من المقاومة، فإنها ستضطر الى الجلوس للحوار والخضوع للشروط ، ولكن هذا سيحتاج الى وقت ليس بالقليل.

 

انتهى

كتب الباحث والمختص في شئون الأسرى رياض الاشقر

الناطق الإعلامي لمركز أسرى  فلسطين للدراسات

المصدر: قدس نت - كتب: رياض الاشقر

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت