في السنوات الأولى من قيام مخيم اليرموك وحتى أواخر السبعينيات من القرن الماضي، كانت القنوات المائية القديمة ويقال عنها الرومانية وحتى الينابيع تنتشر في مناطق مختلفة في المحيط القريب منه، كان أشهرها على الإطلاق نبع "العصرونية" في موقعه المعروف غرب شارع اليرموك، وتحديداً في دخلة فرن ابو فؤاد، حيث قام على أرض النبع مسجد زيد بن خطاب.
هذا النبع الكبير كان في وسط منحدرٍ عميق وبه عدة مغاور كان الماء العذب الزلال يتدفقُ منها، وكانت تلك المغاور المائية مسبحاً شعبياً لفتيان وشبان اليرموك، فيما كانت مياهه تتابع سيرها عبر قنوات تحت الأرض لتخترق شارع اليرموك بإتجاه مصبها الأول في النبع الثاني الذي كان يطلق عليه مسمى (المَشرَع) الذي كان على هيئة بحيرة كبيرة نسبياً تنمو فيها الأسماك وكانت تُتخذ من قبل شبان اليرموك مسبحاً شعبياً. أما موقع (المشرَع) فقد كان تحت وعلى جوانب مشفى فلسطين الحالي في أخر شارع اليرموك والى اليمين قليلاً.
النبع الثالث، كان قناة(ترانس) وهي بعيد قليلاً عن اليرموك، فقد كانت تقع في موقع غرب (دف الشوك) الحالي عند مطابع طارق بن زياد، وكانت مياهها تسير على شكل نهر بإتجاه ببيلا شرقي حي التضامن. وفي موقع تلك القناة كانت حركة فتح قد أقامت أول معسكر لها عام 1965 قبل نقله إلى الهامة التي أصبح فيها المعسكر والموقع القيادي الأول لحركة فتح حتى نهاية العام 1975. كما كان قرب القناة نفسها معسكراً لتنظيم فلسطيني هو تنظيم (جبهة التحرير الوطني الفلسطينية) أو ما كان يطلق عليه إختصاراً تنظيم (ج ت ف) بقيادة المرحوم حسن الصباريني (أبو حلمي)، وقد انضم التنظيم المذكور لحركة فتح عام 1972.
في تلك القنوات الرومانية، ومنها موقع (المَشرَع) يتم منذ الصباح الباكر، سحب المياه بواسطة (موتورات) تعمل على الديزل لري الحقول المحيطة باليرموك وخاصة في المنطقة الغربية منه، في نغمة خاصة لتلك (الموتورات) والتي تعودنا عليها في تلك السنوات. فأراضي مخيم اليرموك وجوفها، يختزم كميات كبيرة من المياه، التي بدأت بعد سنوات طويلة ترفد شبكة مياه الفيجة. وفي هذا السياق، وقعت حوادث غرق عديدة، توفي في إحداها واحداً من فتيان مخيم اليرموك.
إذاً، كان باليرموك ومحيطه، قناة العصرونية وقناة المشرع وقناة ترانس، اضافة للقنوات الرومانية القديمة، والتي كان منها بحيرة ماء يتخللها جسر حجري اثري بعرض متر واحد تقريباً، نهاية اليرموك وبالقرب من المنطقة المسماة الآن (الحجر الأسود)، وعمق المياه على الجسر متر واحد أيضاً، اما البحيرة فكانت عميقة جداً، ومياهها باردة جداً، ونقية. كما كان وإلى الجنوب الغربي من (المَشرَع) وعلى بعد حوالي ٢ كم كان هناك نبع الحجر الأسود وسميت منطقة الحجر الاسود على اسمه وفعلاً، وفي الستينات غرق شاب فلسطيني هناك اسمه معروف ترشحاني يعود بأصوله لمدينة صفد.
تلك القنوات المائية، جزء من تاريخ وحكاية المخيم، عاشت أجيال المخيم الأولى معتبرة إياها ثروة اليرموك المائية ومكاناً لممارسة هواية السباحة في أزمنة الفقر والتعتير، وحتى التنزه في تلك المناطق التي كانت تحيطها البساتين.
لقد كان لتلك القنوات المائية، فضلٌ على أجيال اليرموك ومحيطه في تعلم السباحه، حيث لم تكن ظروف الشباب الماديه الصعبه تسمح لهم بالذهاب للمسابح الرسميه .. ناهيك عن الاحتفاليه الخاصه للسباحه في قناة (المَشرَع) على سبيل المثال، والذي كان يقسم الى قسمين : الأول وهو الاقرب الى المدخل ليس عميقا وهو للتدرب والتعلم والثاني اكثر عمقاً للمتقدمين في قدرتهم على السباحه.
(الصورة سحب المياه من أطراف القنوات المائية لري الحقول).
بقلم علي بدوان
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت