تعزيز الفوز للسياسات العامة في زمن الكورونا

بقلم: إسلام خضر بدوان

إسلام خضر بدوان

تبرز أهمية اعتماد السياسات العامة كإطار مخطط ومدروس بوعي في حل المشكلات والتخفيف من آثار الأزمات، ضمن أهداف تتطابق وحاجات جميع أصحاب المصلحة في الدولة. حيث ان غياب السياسات والاجراءات لدى الجهات المسؤولة من شأنه أن يؤثر سلبا على الأداء ومن هنا يبرز من يستعد أولاً تاركاً خلفه مصاعب الأزمة وتبعاتها.
لقد غيّرت أزمة فايروس كورونا COVID-19 العالم، وتركت أثرها على جميع القطاعات، وقلبت الأعمال الاقتصادية، الآن ربما أكثر من أي وقت مضى قد حان الوقت كي يتألق العمل التشاركي والتكاملي بما يساعد في عودة الأمور إلى طبيعتها، والاستعداد لمستقبل أكثر أمانًا، فالواضح في هذه الظروف التي نعيشها مع تفشي وباء كوفيد 19- كونه فايروس مستجد ولم يسبق ان واجهه العالم من قبل، أن المعركة تتوزع على عدة جبهات مختلفة تتعلق بمدى خطورة آثاره التي تلامس بشكل مباشر لمختلف النواحي الحياتية ولذا فقد حظي بمقدار الاهتمام المحلي والعالمي.
في حالات الطوارئ على غرار ما نمر به إثر تفشي فيروس كورونا يظهر أحد أهم الأدوار الرئيسية للحكومة بحماية شعبها من انتقال عدوى المرض وعلاج من يصابون به بما يمكن من انقاذ الأرواح، وهو ما يصل إلى أعلى درجات الأهمية والوضوح في الأولوية، مع ضمان عدم إرباك النظم الصحية ولاسيما التي تتصف بالقدرات المحدودة كما هو في دولة فلسطين التي بالكاد تملك المصادر المالية كونها دولة تحت الاحتلال.
لا شك بأن ما قامت به الحكومة الفلسطينية من إجراءات إيجابية خلال مواجهتها لأزمة كورونا حتى اليوم؛ وكل هذا الدعم والالتفات الشعبي حولها، ما هو الا مجرد "خطوتها الاولى فقط" والتي أتمتها بمستوى عالي من الوعي ساهم بتقليل من الآثار السلبية ضمن جوهر الخطة الفلسطينية بالحفاظ على المواطن الفلسطيني وتغليب العنصر البشري والإنساني والفكري وهو القرار الذي ينبع من ثقافة الدولة الفلسطينية، ذلك على عكس أنظمة عالمية أخرى انحازت لتغليب الجانب الاقتصادي.هذه الإجراءات مهمة وقد ساعدت بتخفيف حدة العدوى ويسجل للمواطنين انهم التزموا الى حد كبير بالإجراءات الصادرة عن الحكومة، حماية لهم ولعائلاتهم. وقد قامت الحكومة الفلسطينية بذلك من خلال توحيد كافة الجهود وتوظيف كافة الامكانيات المتاحة واتخاذ الاجراءات والتدابير اللازمة (الصحية والاقتصادية والأمنية وإلخ) ووضع الحلول للآثار الجانبية التي من الممكن أن تترتب على هذا القرار بقدر المستطاع.
اليوم؛ وبعد مرور أكثر من شهر على اعلان حالة الطوارئ في الأراضي الفلسطينية، أرى أنه قد بدأت للتو مرحلة جديدة من محاولة احتواء الحكومة للأزمة بتحدي حالي مضمونه كيف تقوم الحكومة بدعم المواطن وسد حاجاته الأساسية وتحقق له الرضى قدر المستطاع، ضمن مراعاة التخفيف من آثار هذه الاجراءات على جميع نواحي حياته واحتياجاته اليومية بحيث تضمن استمرار التفافه حولها والحفاظ على رصيد صبره وتحمله ودعمه للقيادة، إلى أن يتم الوصول للمرحلة المصيرية فيما بعد الأزمة.
فالمطلوب هو أن تعدّل الاجراءات وتحسّن التدابير وفقا لتطورات الوضع الحالي وتوافق امكاناتها في مكافحة الوباء وقدرتها على استخدام أليات فعّالة، ولا بد من توحيد النظر باتجاه الملف الاقتصادي بمشاركة جميع ذوي العلاقة من مختلف القطاعات للوصول إلى حلول عملية تساعد في الحد من أثار الأزمة وذلك في ظل حديث جدّي عن آلية استمرار الإجراءات وأثرها المتراكم على الواقع الفلسطيني والذي هو يعاني اصلا وخاصة خلال السنوات الأخيرة. وهنا يبرز الدور لمشاركة لأصحاب المصلحة ضمن القطاعات المختلفة وتحديد وحل التضاربات بين هذه القطاعات جميعها، حيث ما زال الغموض يخيم على أغلب القطاعات وهنا يتم اختبار كفاءة وفعالية نظامي الحوكمة والالتزام الذين تتبعهما الدولة مما يجعل أداء الحكومة وإدارتها لأزمتها تحت المجهر.
وعلى الرغم من الإدراك بشكل متزايد للحاجة إلى برامج وخطط وسياسات إدارة هذه الأزمة لمعالجة أثارها، فإن معظمنا لا يعرف من أين يبدأ و وفقا لذلك فلا بد من معرفة ما هو نطاق السياسات الحكومية خلال المرحلة القادمة، وما دورها في جهود التخفيف من آثار الوباء والتصدي له، وما مدى استجابة الحكومة لمستجدات تراكم اثار الأزمة وفعالية تلك الاستجابة، وما هي الموارد البشرية والمالية التي تستطيع الحكومة تخصيصها. وهل لدى الحكومة سياسات فعالة تخفف من المخاطر والآثار المتوقعة للأزمة خلال الفترة المقبلة، هل لدى الحكومة خطط بديلة لسد احتياجاتها، هل تمتلك الحكومة نظاما رقابيا فعالا لمتابعة سير الخطط الموضوعة. ويتوقع من الحكومة في زمن كورونا أن تجيب عن كل هذه الأسئلة بالشفافية اللازمة.
وعليه وضع وسائل بديلة مؤقته لتخفيض الأضرار والتكاليف مع توفير تسهيلات إضافية وتستمر حتى لفترة التعافي، وإيجاد توازن معقول بين منع أزمة مؤقتة كهذه من إلحاق ضرر دائم بالناس وكذلك القطاعات الاقتصادية. وإننا نعي بأن ذلك قد يستلزم أخذ الكثير من الوقت آخذين بالاعتبار حجم الأزمة العالمية.
كما لا بد من الإشارة لأهمية حفاظ الحكومة الفلسطينية على استمرارها بالالتزام بمبدأ الوضوح والشفافية والمصداقية من حيث نشر التقارير والمعلومات اللازمة في الوقت المناسب وبشكل دقيق، كونه لعب وما يزال له دورا مهما في استقرار المشاعر وتعزيز الثقة بين الحاكم والمحكوم.
تشير التجارب السابقة من الأزمات العالمية انها لم تكن يوماً نهاية العالم، بل هي نقطة بداية لمراحل جديدة من التطور الأكثر وعيا وتبصر، لذلك فنحن على أعتاب تغييرات كثيرة سيشهدها العالم وإننا كلما ازددنا إمعانا في الماضي والحاضر ازددنا بصيرة بالمستقبل. واليوم نحن بحاجة لبذل المزيد من الجهد للبحث في كيفية الاستجابة للمستجدات والتطورات لتقليل المشاكل والأزمات التي تطرأ وتقليل المخاطر والتكاليف والوصول للغاية المنشودة بوضع وتطبيق نظام متكامل آمن وفعال يساعدنا في النجاة والعبور الى برٍ آمن.

م. إسلام خضر بدوان - باحثة في التنمية

المصدر: -

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت