جاء تحديد يوم السابع عشر من أبريل/ نيسان من كل سنة، ليكون تقديراً للأسير الفلسطيني. هذا اليوم الذي كان موعد إطلاق سراح أول أسير" محمود بكر حجازي" وقد اعتمده المجلس الوطني الفلسطيني في دورة انعقاده عام 1974 كيومٍ وطني لنصرة الأسرى والمعتقلين في زنازين العدو الصهيوني. يأتي هذا اليوم ووضع الأسرى والأسيرات، يزداد ألماً ومعاناةً في مواجهتهم/ن المزدوجة لفيروس الاحتلال الذي جلب القتل والدمار والاعتقال منذ غزوه واستعماره لفلسطين، ولفيروس كورونا " كوفيد 19 "الذي يهدد حياة مئات الملايين من البشر في العالم، وداخل فلسطين المحتلة، ومنهم الأسرى والأسيرات في سجون تُحشر فيها أجسادهم/ ن في ظروف لاإنسانية، لأن هذه المعتقلات تعتبر الأكثر اكتظاظًا في العالم، إذ تنعدم فيها شروط السلامة الصحية الفتي تجعلها بيئة حاضنة للمرض، مما يُسهل تفشي الأوبئة.
يعيش الشعب الفلسطيني منذ أن بدأت أقدام المستعمرين تطأ أرض وطنه في نهايات القرن التاسع عشر، بمواجهة يومية مع الغزاة. إذ قَدَّم مئات الآلاف من الشهداء والجرحى في سبيل حريته. وقد جاء العدوان/التوسع الصهيوني في عام 1967 الذي نتج عنه احتلال الضفة الغربية وشرقي مدينة القدس وقطاع غزة، ليفتح مساراً جديداً للعمليات المسلحة ضد الاحتلال كتعبير بالعنف عن رفض الوجود الصهوني. وبمواجهة المقاومة المتصاعدة قامت قوات العدو وأجهزته الأمنية بحملات اعتقال مستمرة لم تتوقف للآن. وقد جاء في إحصائيات مهنية متخصصة، أن مايقارب المليون من الرجال والنساء والأطفال قد مروا بتجربة الاعتقال أو التوقيف . وما زالت تلك السجون، والزنازين الشبيهة بالقبور تحتوي على حوالي خمسة آلاف أسير وأسيرة من أبناء الشعب الفلسطيني حسب ماأكدته هيئة شؤون الأسرى والمحررين في إحصائية جديدة تضمنت أن مايزيد على 180 طفلاً، و43 امرأة و700 مريض و570 من المحكومين بالمؤبدات، والمئات من المسنين يعانون من أوضاع قاسية تُهدد حياتهم في كل لحظة. لهذا أطلق نادى الأسير بمشاركة عدة مؤسسات نداءً من خلال عريضةٍ، تُطالب المجتمع الدولي "حكومات ومؤسسات مدنية" بالتدخل للإفراج العاجل عن أكثر من 1000 أسير من المرضى وكبار السن، والأسيرات، والأطفال، والمعتقلين إدارياً، بسبب الأعداد الهائلة التي يتم حشرها في أقسام السجون المغلقة التي تعاني من انعدام أية تدابير "التعقيم وأجهزة الفحص المتطورة" للمحافظة على صحة وسلامة الأسرى والأسيرات. خاصة، وأن "لجنة أردان" وزير الأمن الداخلي في حكومة العدو قامت بسحب مواد التعقيم الأساسية من الأسرى .
في ظل الإجراءات التي اتخذتها حكومة الكيان الصهيوني لمواجهة فيروس كورورنا في المدن والبلدات ومراكز العمل "التجمعات"، فقد استثنت السجون ومراكز التوقيف من ذلك، بل أقدمت أجهزة الاحتلال العسكرية والأمنية- كما أكدت عدة مؤسسات تهتم بشؤون الأسرى- باعتقال 357 فلسطيني/ة خلال شهر آذار/ مارس الفائت، مما يؤكد استمرارية سياسة حكومة العدو في الاستهتار بحياة الشعب الفلسطيني، بل الأخذ به إلى المعتقلات ومراكز التوقيف التي تُشكل البيئة الحاضنة والمهيأة لتفشي الوباء، خاصة أن أحد المعتقلين الذي كان يخضع للتحقيق بمركز عسكري/ أمني في " بيتاح تكفا " قد وصلت إليه العدوى عن طريق أحد المحققين كما أعلن " نادي الأسير " في بيان له صدر مؤخراً.
لم يكن مفاجئاً لكل المهتمين بقضايا الأسرى والأسيرات، الكيفية التي تعاملت بها حكومة العدو مع كل النداءات التي وجهتها عدة أطراف رسمية وأهلية "محلية وعالمية " لإطلاق سراح الأسرى . وإذا كانت الذريعة التي تتمسك بها تلك الحكومة برفض فتح أبواب السجون ليخرج منها الأسرى والأسيرات، خاصة، المرضى والأطفال والنساء والمسنين، بحجة " الأسباب والدواعي الأمنية" ، فإن الوقائع على الأرض تُكذب هذا التبرير الواهي والكاذب.لأن إدارة السجون وما يسمى "المحاكم" تُطلق سراح كل من انتهت فترة اعتقاله/ا أو توقيفه/ا بدون الاحتفاظ به/ا للأبد ، على الرغم من التمديد الجائر لكل موقوف أو موقوفة " إدارياً " : ستة أشهر ثم ستة أشهر بدون أي تفسير ،ولنا في حالة وتجربة الناشط السياسي "حافظ عمر" الذي خرج من سجون الاحتلال قبل عدة أيام (يوم الأحد 12 / 4 ) بعد اعتقاله 13 شهرًا ، المثال الحي على التعامل الوحشي والفاشي للقيادة العسكرية/الأمنية مع أبناء وبنات الشعب الفلسطيني. فقد قررت تلك السلطات تمديد توقيفه لأكثر من 8 مرات بدون تهمة أو محاكمة، ، حتى صدور الحكم عليه بالسجن الإداري التعسفي.
في ظل هذه الأوضاع التي يعيشها الأسرى الذين يواجهون فيروس الاحتلال منذ عقود ، بالصمود والصلابة التي لاتنكسر، وباللحم الحي، وبالشهادة كما أكد المختص في شؤون الأسرى "عبد الناصر فروانة " يوم الثلاثاء 14 / 4 " إن 222 أسيرًا استشهدوا بعد اعتقالهم منذ العام 1967 "، موضحاً " أن 75 من مجمل عدد الشهداء الأسرى، قتلوا بشكل مُتعمد، في حين أن 7 آخرين استشهدوا داخل السجون نتيجة إطلاق النار عليهم، و67 نتيجة الإهمال الطبي، و73 نتيجة التعذيب". كما أشار إلى "أن مئات الأسرى فارقوا الحياة بعد خروجهم من السجن متأثرين بأمراض ورثوها عن السجون". كما أن الأسرى مستهدفون هذه الأيام بفيروس كوفيد 2019 من خلال ماينقله لهم سجانوهم، ومن خلال الأمراض وقلة المناعة التي يعاني منها الآلاف منهم ، بسبب سوء التغذية والتعذيب الجسدي والنفسي والاكتظاظ بسبب ضيق المساحات في أقسام السجون .
من خلال التجربة الطويلة لقوى المقاومة المسلحة في تعاملها مع ملف الأسرى، تأكد بالملموس أن خروجهم للحرية وعودتهم لعائلاتهم، لم يتحقق إلاّ بعمليات التبادل .وهنا تبدو في الأفق مؤشرات على احتمال بدء جولة من المفاوضات غير المباشرة بين المقاومة وحكومة العدو من أجل معلومات عن جنود العدو "أحياءً أو جثثاً " الذين تحتفظ بهم المقاومة في غزة مع عدد كبير من الأسرى والأسيرات. ونأمل أن تكون أسماء القادة وأصحاب الأحكام المؤبدة في قائمة التبادل. وبانتظار ماستسفر عنه الجهود بهذا الجانب، فإن مهمات عاجلة يجب أن تُبادر إليها القوى والهيئات الأهلية بالطلب من المنظمات الدولية والإقليمية ذات الصلة بالموضوع الإنساني المتعلق بالأسرى، للضغط على حكومة الكيان الصهيوني لإطلاق سراح الأسرى والأسيرات كإجراء ضروري في مواجهة فيروس كورونا " كوفيد 2019 ".
لكل ذلك، فإن حرية الأسرى والأسيرات يجب أن تحتل رأس قائمة المهام المطلوب تحقيقها في جدول النضال الوطني للشعب الفلسطيني.
محمد العبد الله*
* كاتب فلسطيني
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت