اليرموك والموزاييك والتنوع الأيديولوجي

بقلم: علي بدوان

علي بدوان

من الناحية التاريخية، تتواجد جميع فصائل العمل الوطني الفلسطيني فوق الأرض السورية بشكلٍ رسمي وعلني، والمقصود الفصائل المعروفة المنضوية في إطار منظمة التحرير الفلسطينية، وكانت عددها تاريخياً سبعة فصائل، انضمت اليها جبهة التحرير الفلسطينية بعد خروجها عن الجبهة الشعبية/القيادة العامة عام 1977 (حركة فتح + الجبهة الشعبية + منظمة الصاعقة + الجبهة الشعبية/القيادة العامة + جبهة التحرير العربية + ج د + جبهة النضال الشعبي الفلسطيني + جبهة التحرير الفلسطينية). اضافة لجيش التحرير الفلسطيني الموجود بشكل طبيعي منذ تأسيسه وحتى الآن، مع انتقاله من مكان لأخر مع بقاء القيادة الخلفية في سوريا (مؤخرة القوات)، الى الأردن أيام العمل بالساحة الأردنية، والى لبنان فترة العمل العسكري الفلسطيني اللبنانية، ومن ثم العودة الى القيادة الخلفية. ولانتحدث هنا عن الإتحادات والمنظمات الشعبية الفلسطينية الموجودة منذ نشوئها وحتى الآن في الساحة السورية.

إلاّ أن الإنشقاقاقات الفلسطينية، بعد الخروج من بيروت، وانطلاق التيار الإسلامي الفلسطيني بالداخل، استولد اصطفافات وفصائل، اضافة للفصائل الموجودة في عضوية المنظمة. حتى بلغ عددها بعد انطلاقة الإنتفاضة الكبرى الأولى، (15) فصيل : (حركة فتح + الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين + الجبهة الشعبية القيادة العامة + طلائع حرب التحرير الشعبية/قوات الصاعقة + حركة حماس + حركة الجهاد الإسلامي + حزب الشعب الفلسطيني + جبهة التحرير الفلسطينية + جبهة النضال الشعبي الفلسطيني + حركة فتح الإنتفاضة + الحزب الشيوعي الفلسطيني الثوري + الجبهة الديمقراطية). والفصيل الوحيد من فصائل منظمة التحرير الفلسطينية الذي لم يَستطع أن يعمل فوق الأرض السورية بشكلٍ رسمي وعلني سوى لفترة محدودة، كان تنظيم جبهة التحرير العربية وهو الجناح الفدائي الفلسطيني التابع للقيادة القومية لحزب البعث في العراق، بالرغم من وجود عددٍ كبير من قادة التنظيم وكوادره من أبناء فلسطينيي سوريا ومخيم اليرموك، وعلى رأسهم الشهيد كمال كعوش. كما أن ً أن الشهيد الأول لتنظيم جبهة التحرير العربية كان من مخيم اليرموك (الشهيد نصرو علي الغوري) من طبريا، وكذلك الشهيد الثاني (حاتم أبو شقره) من أم الفحم.

والتنظيم الأخر الذي كان وجوده العلني والرسمي فوق الأرض السورية مُتقطعاً، وتشوبه الكثير من الإشكاليات والإلتباسات، كان تنظيم (فتح/المجلس الثوري)، وهو تنظيم كان ومازال تُحيط به أوضاع خاصة، جعلت منه تنظيماً مُختلفاً عن باقي الفصائل، والحديث يطول...

نُشير هنا، بأن الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، ونتيجة وجود عدة عوامل لها علاقة بإشكاليات تاريخية وقعت، فإنها غادرت مواقع العمل العلني والرسمي في سوريا لفترة محدودة بين اعوام (1973 ـــ 1977) لكنها عادت بقوة للوجود العلني والرسمي بدايات العام 1978، وبدأت عودتها بمهرجان جماهيري  كبير في ساحة إعدادية القسطل في شارع المدارس، حيث ألقى الدكتور جورج حبش كلمة مطولة، مازلت أذكر مقاطع منها، حيث كنت من حضور النشاط الجماهيري إياه. ونشير هنا بأن الحالة الصحية التي أحاطت بالدكتور جورج حبش نهاية العام 1978 دفعت بالرئيس السوري الراحل حافظ الأسد لإرسال طائرة خاصة لبيروت نقلت الدكتور جورج حبش الى المشفى في براغ العاصمة التشيكية.

أيضاً، فإن جبهة النضال الشعبي الفلسطيني كانت قد غادرت العمل الرسمي والعلني في سوريا بين أعوان (1972 ــ 1977) بعد واقعة وحادثة مُحددة لها علاقة بالمنظمة الشيوعية العربية التي نشأت في سوريا وكان من أعضائها الكثير من الفلسطينيين، وقد تعاون معها بعض قادة جبهة النضال، والحديث يطول أيضاً... حيث أعتقل بدمشق على خلفية تلك الحادثة خالد عبد المجيد لعدة اشهر.

أخيراً إن التعددية السياسية والفكرية، ظاهرة طبيعية في المجتمعات الناضجة، أو التي تتمتع بالحد الأدنى من النضج العام بكافة جوانبه. فهي تعبير حضاري، يحمل في طياته روحية العمل المجتمعي الجماعي، وتلاقح الأفكار، لذلك لايُمكن إستنكارها. لكن الظاهرة إياها (واقصد التعددية) تحوّلت في الوضع الفلسطينية الى حالة مُتورمة ومُتضخمة، وقد يكون من بين تلك الأسباب وراء ذلك حالة التشرد واللجوء لغالبية الشعب الفلسطيني ووقوعه تحت سلطات وأنظمة مختلفة ومتباينة في تعاطيها مع الفلسطيني والقضية الفلسطينية عموماً، ووقوع الأرض الفلسطينية بكاملها تحت سطوة الإحتلال، وهو ما استولد حالة من التعددية تشوبها التشوّهات، لكن التنوع الأيديولوجي الفكري، ثروة عند الشعوب الحية، فالتنوع يفتح الفضاءات أمام تطور الفكر الإنساني، والمواقف وبناء السياسات، والحضارة بشكلٍ عام. (ملاحظة خرجت حركة حماس من الساحة السورية بدايات الأزمة السورية).

(للتفاصيل يمكن العودة لكتابنا : صفحات من التاريخ الكفاحي الفلسطيني، دار صفحات، دمشق 2008. يجب ذكر المصدر عند الإقتباس أو الإستشهاد بمقاطع ومعلومات)

بقلم علي بدوان

المصدر: -

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت