نالت الحكومة الفلسطينية الثامنة عشر، في سنتها الأولى بالحكم، من الشكر اضعاف ما نالته أية حكومة سابقة؛ ففي الجائحة وقف الجميع حامدا الرب على قرارات الحكومة الحالية للحد من إمكانية الانتشار الوبائي في البلاد. وهي أي الإجراءات الصحية المتبوعة بإجراءات أمنية احترازية تستحق الثناء سواء للحكومة أو لأعضاء الجهاز الصحي "الجيش الأبيض" ومنتسبي الأجهزة الأمنية وأفراد لجان الطوارئ والمتطوعين في المناطق المختلفة، وإلى أولئك المواطنين الملتزمين بنسبة عالية بإجراءات التباعد الاجتماعي لغاية السلامة والصحة للبلاد والعباد.
إن نجاح هذه الحكومة في مواجهة الانتشار الوبائي لفيروس كوفيد19 "كورونا" مرهون بعاملين أساسيين؛ الأول: الالتزام الشعبي بالإجراءات والتعليمات الصادرة عن وزارة الصحة وخاصة بالتباعد الاجتماعي وهي تقع على عاتق الافراد ووعيهم وقدرتهم على الضبط الذاتي. أما العامل الثاني: فيتعلق بجاهزية الحكومة على المستويين الصحي والاقتصادي.
هذه الجاهزية تحتاج الى مراجعات عميقة للسياسات الصحية الفلسطينية بإعادة النظر بعمق بنظام الرعاية الصحية وفحص إمكانيات التغيير والتطوير ليس فقط للأجهزة بل التمويل والخدمات. وفي ظني أن جائحة كورونا فرصة لإعادة الفحص، كما هو في سائر دول العالم، بإعادة توجيه الأموال في الموازنة العامة للغايات الاجتماعية بالأساس للنظام الصحي بغاية تحمل تباعات أية أزمات أو احتياجات مستقبلية تتعلق بهذا الامر. وهي مسؤولية أية حكومة حالية ومستقبلية لضمان سلامة الامن الصحي للمواطنين.
إن الصعوبات الاقتصادية التي تعاني منها الحكومة الحالية ليست بالضرورة لعوامل ذاتيه لها بل هو نتاج سياسات الحكومات المتعاقبة على مدار أكثر من ربع قرن من ناحية، وسياسات استعمارية للحكومات الإسرائيلية دافعة لإفقار الفلسطينيين واضعاف حكومتهم والحد من قدرتهم على استثمار الثروات المحدودة في الأراضي المحتلة عام 1967 من ناحية ثانية.
ويمكن القول إن ما قدمه رئيس الحكومة د. اشتية الاحد الماضي ينطبق عليه المثل القائل "ما باليد حيله" سواء في الاعتماد على تبرعات القطاع الخاص والمواطنين لصندوق "وقفة عز" بهدف مساعدة وزارة الصحة ووزارة الشؤون الاجتماعية والعمال الذين انقطع رزقهم. أو العمل على خطة إنعاش اقتصادي للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة والمتناهية الصغر، عبر صندوق بقيمة مبدئية تبلغ 300 مليون دولار، لخلق حوافز من خلال برامج بنكية ميسرة وبتعزيز من الصناديق العربية والإسلامية. هذه الجائحة تفرض المزيد من المراجعات للسياسات الاقتصادية والمالية بما يتناسب مع الإمكانيات الفلسطينية وتخفيف الأعباء عن الفقراء من ناحية، وإعادة توزيع الأعباء على المواطنين لغاية تحقيق العدالة الاجتماعية.
مما لا شك فيه أن النقد بحد ذاته وسيلة هامة للحكومة للاستماع لوجهات نظر الاخرين، بل ان النقد ضرورة للتفكير وإعادة التفكير بما يفتحه من تحديات للتعمق بالنظر في القرارات والسياسات. هذه التحديات هي ذاتها تمكن الحكومة من تفسير إجراءاتها أمام الجمهور في إطار المساءلة من جهة، وكسب التأييد للخطوات والإجراءات والسياسيات الحكومية والوطنية من جهة ثانية.
إن الانتقال، من الشكر بعد الخوف العظيم من جائحة كورونا، إلى النقد واجب وطني ومهني للمشاركة أو محاولة المشاركة في رسم السياسات لمستقبل البلاد. وهو أمر لا يضير الحكومة بقدر ما يسعفها ويساعدها للنجاة من الاثار السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وليس فقط الصحية، المترتبة حتمًا عن هذه الجائحة.
جهاد حرب
لصالح مؤسسة REFORM
الآراء الواردة في هذا المقال تعبر عن وجهة نظر صاحبها وليس بالضرورة رأي المؤسسة او الممول
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت