ما معنى التهديد بإلغاء اتفاقيات، كان المجلس الوطني في دورته الأخيرة قد ألغاها وقرر وقف العمل بها؟
■ الإتفاق الثنائي بين غانتس ونتنياهو لتشكيل حكومة طوارئ إسرائيلية، على أساسي تأكيد قانون القومية اليهودي العنصري، وتطبيق خطة الضم كما يصوغها الفريق المشترك الإسرائيلي الأميركي.. أعادنا، في السياسة الفلسطينية إلى مربع الصفر، وأكد لنا أن الغيبوبة السياسية، في ظل «الحجر المنزلي» للحركة الشعبية، في الضفة الفلسطينية، لم يخرج الصراع عن مساره التقليدي. بحيث بدت الجدية من جانب الإسرائيلي، سياسة الإنتظار القاتلة من الجانب الفلسطيني.
«الإسرائيلي» تجاوز «المحرمات»، ودمر تحالفات، وداس على مبادئ الإئتلافات، والوعود الإنتخابية، وخضع لضغوط الولايات المتحدة، و«للدولة العميقة»، وتجاوز خلافاته السياسية، بذريعة كورونا من جهة، ولإدراكه (من موقعه الصهيوني اليميني) مفصلية المعركة مع الفلسطينيين، وفي الإطار الإقليمي، ومتغيرات اللوحة السياسية الأميركية في ظل كورونا، والضبابية التي تحيط بمستقبل ترامب، بإعتباره الفرصة «التاريخية». «الإسرائيلي» قطع كل هذه المسافات الكبرى، وذهب إلى «حكومة طوارئ»، تجمع أطراف اليمين، وتمتلك أغلبية مريحة في الكنيست. وإن كان قد اختلف على بعض الإجراءات والقضايا، ذات الصلة بالمكاسب الفئوية لهذا الطرف أو ذاك، إلا أنه اتفق على قضيتين أساسيتين، تشكلان عنوان المرحلة الإسرائيلية القادمة.
• الأساس الأول هو ضم الضفة الفلسطينية [بعد أن ضمت القدس والجولان ومزارع شبعا، وتلال كفر شوبا وفرضت السيادة القانونية (الضم بشكل مبطن) على المستوطنات في أنحاء الضفة بما في ذلك محيط القدس]. وهذا في اتجاه بناء دولة «إسرائيل الكبرى».
• الأساس الثاني هو تأكيد الهوية اليهودية للدولة باعتبارها دول «الشعب» اليهودي فقط، ونزع حقوق المواطنة، دستورياً، عن الأغبار، ممن فيهم من يحملون الجنسية الإسرائيلية، في إطار التمهيد لإنجاز «الترانسفير السياسي»، أي نزع الجنسية، بقرار قضائي، ومصادقة الكنيست، عن آلاف الفلسطينيين في إسرائيل، بدعوى نقلهم إلى تخوم السلطة الفلسطينية، في سياق إعادة رسم خرائط الضفة، وخرائط «الدولة».
* * *
ردود فعل السلطة الفلسطينية جاءت مخيبة للآمال وللتوقعات. إذ ما زالت هذه الردود تقوم على الرهانات الفاشلة والهابطة، وتعيش أسيرة الحسابات الإنتظارية.
فالقول، على سبيل المثال، إن أمام حكومة إسرائيل خيارين، هما إما الذهاب إلى المفاوضات لبناء السلام في المنطقة، أو الذهاب إلى الضم بكل ما سوف يجره من تداعيات.. هذا القول بتقديرنا، يكشف أن من بيده زمام القرار، في الحالة الفلسطينية، ما زال عاجزاً عن رسم استراتيجية بديلة، تخرجنا من قيود أوسلو، وتحررنا من أوهام العودة إلى المفاوضات في ظل موازين القوى المختلة بشكل فادح لصالح الجانب الإسرائيلي. خاصة وأن المشروع التفاوضي الوحيد المطروح على بساط البحث، هو «خطة ترامب-نتنياهو». الرباعية الدولية، كما هو معروف، أنهيت مهماتها بقرار أميركي، بعد أن استنفذت وظيفتها لإدارة عملية تفاوضية عقيمة، لم تقضِ سوى إلى هدر الوقت.
وأي مشروع للعودة إلى المفاوضات في الوقت الراهن، لن يكون إلا بشروط «صفقة ترامب-نتنياهو». ولنا أن نتذكر كيف أن نتنياهو، للحفاظ على صفقته مع ترامب الخيار السياسي التفاوضي الوحيد، رفض كل الدعوات الروسية للقاء الرئيس أبو مازن في موسكو. وبالتالي إن أي حديث عن العودة إلى المفاوضات، هو ذر للرماد في العيون، ودعوة لكارثة وطنية، سيتحول فيها المفاوض الفلسطيني إلى الشاهد الرسمي على خطط الضم وعلى خطوات إقامة دولة «إسرائيل الكبرى».
أما القول، بالمقابل، إنه إذا شرعت إسرائيل بالضم فسوف نعتبر أن كافة الإتفاقات المعقودة معها ملغاة.. فهو قول فقد قيمته ومعناه وتخطاه الزمن، وتخطته الوقائع الميدانية، ولم يعد له أي معنى في السياسة، سوى أن من بيده زمان القرار عاجز عن إتخاذ القرار الجدي للتصدي لكارثة الضم قبل وقوعها.
فالإتفاقات المعقودة مع إسرائيل ألغاها المجلس الوطني (دورة 30/4/2018) والمجلس المركزي من قبله (15/1/2018).
والمرحلة الإنتقالية التي تلزم السلطة الفلسطينية بالإتفاقيات، أعلن المجلس الوطني انتهاءها، وأعلن أن الحالة الفلسطينية انتقلت إلى مرحلة بناء الدولة الفلسطينية، متحررة من كل إلتزام سابق بما في ذلك إتفاق أوسلو.
مرحلة بناء الدولة الفلسطينية تتعارض مع الإلتزام بالإتفاقيات مع إسرائيل، هذا أولاً.
ثانياً: تدرك السلطة والجهات الي بيدها زمام القرار السياسي، أن إسرائيل ألغت من جانب واحد الإتفاقات المعقودة معها منذ زمن غير قصير.
فضم القدس إنتهاك للإتفاقات. وكذلك بناء المستوطنات. وكذلك عدم إطلاق سراح الأسرى القدامى المعتقلين ما قبل إتفاق أوسلو. فضلاً عن العديد من البروتوكولات التي تعطل سلطة الإحتلال تنفيذها، فرضت على السلطة إجراءاتها هي، دون التشاور مع السلطة أو التفاهم معها. مثال: أموال المقاصة والسطو على أموال الشهداء والأسرى. مثال آخر التدخل الفظ في عمل المصارف الفلسطينية للسطو على أرصدة عائلات الأسرى والشهداء (إن وجدت) أو أية أرصدة قد تحال إلى أطراف تضعها سلطات الإحتلال على اللائحة السوداء.
ثم إن التهديد بإلغاء الإتفاقيات، يبقى كلاماً مبتوراً، غائماً، من خارج إستراتيجية سياسية واضحة المعالم. إذ ماذا بعد إلغاء الإتفاقيات؟
هل حل السلطة؟ هل إستقالة جماعية للقيادات الفلسطينية وترك الأمور تسير على غاربها هل الذهاب إلى الأمم المتحدة؟ وبأية مشاريع؟ هل الذهاب إلى المقاومة الشعبية، وكيف تعالج قضايا الإنقسام؟
* * *
هذه الأسئلة المتناسلة والمتواترة ليست تعبيراً عن تشوش سياسي. أن المؤسسة الفلسطينية الوطنية، في المجلس الوطني، وفي المجلس المركزي ألغت هذا التشوش. ورسمت خطة سياسية واضحة المعالم، منذ اللحظة الأولى التي أعلن فيها ترامب إعترافه بالقدس المحتلة عاصمة لإسرائيل.
وبالتالي في جعبة الحالة الوطنية الفلسطينية رزمة قرارات واضحة، وسريعة لا تبرر لأي كان التلعثم في تناول خطة مقاومة حكومة الحرب الإسرائيلية الجديدة.
ولا باأس من إعادة التذكير ولو بكلمات قليلة وكلها تتمحور حول الخروج من أوسلو، نحو برنامج الإستقلال والخلاص من الإحتلال مما في ذلك إعتبار الإتفاقات لاغية، عملاً بقرارات المجلس الوطني. ومن يهدد بإلغائها يعترف أنه هو الذي مازال يعطل تنفيذ القرار.
على هذه القاعدة يجب سحب الإعتراف بإسرائيل، ووقف التنسيق الأمني، والإنفكاك عن الإقتصاد الإسرائيلي، وخوض معارك الإستقلال في الميدان، بالمقاومة الشاملة، وفي المحافل الدولية، وصولاً إلى ميزان قوى يسمح بعقد مؤتمر دولي يكفل الحقوق الوطنية المشروعة للفلسطينيين.
هذا التلويح المتكرر بقرارات ما زالت معطلة.
وهذا التهديد الكلامي المكرر، لا جدوى منه على الإطلاق.
حتى لا نصبح في وقت مادة يتندر فيها أدرعي، فيما الإسرائيليون يزرعون الوقائع الصارخة على الأرض.■
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت