إن القلق من أجل القانون سواء في الظروف العادية أو الاستثنائية مسألة طبيعية ودائمة للحفاظ على سيادة القانون ومشروعية الأداء. هذا القلق يثير النقاش في الاسس للتكييف القانوني لحالة مواجهة فيروس كوفيد 19 "كورونا" والإجراءات المتخذة وفق هذا التكييف "حالة الطوارئ وتمديدها" خاصة بعد القول إنه على الشعب الفلسطيني عدم الاهتمام بالمشروعية "لا ندق كشعب فلسطيني في قضايا قانونية أو مش قانونية"، وأن تمديد حالة الطوارئ للمرة الثانية، بعد انتهاء فترة التمديد الأولى بداية شهر أيار القادم، ممكنة.
في ظني أن الهلع من فيروس كورونا استعجل الخطوات أو التصرف لمواجهة هذا "الغول" الخفي الذي يضرب البشرية، مع إدراكٍ واعٍ لمحدودية القدرات الفلسطينية الصحية والاقتصادية في مواجهته الامر الذي منح الشرعية لمرسوم اعلان حالة الطوارئ سواء من خلال القبول الشعبي بهذا الاجراء، أو من خلال المطالبة الشعبية باتخاذ إجراءات متشددة للحجر الصحي منطلقة أساسا من الخشية على الحياة وحياة أحبتهم.
إن اعلان حالة الطوارئ بالمطلق سلطة تقديرية للرئيس الفلسطيني يحكمها نص المادة 110 من القانون الأساسي التي. حصرت وجود تهديد للأمن القومي لواحد أو أكثر من أربعة أخطار "أسباب" هي الحرب والغزو والعصيان المسلح والكارثة الطبيعية. ولم يذكر القانون الأساسي ما يتعلق بانتشار الوباء مثل فيروس كورونا، كما أن قانون الدفاع المدني الفلسطيني لم يضع الانتشار الوبائي ضمن تعريفه للكارثة الطبيعية.
هذا النقاش من ناحية الشكل يدعو الى النظر في الاجراءات الفعلية "المضمون" التي اتخذتها السلطة في إطار حالة الطوارئ، المعلنة في الخامس من شهر أذار الماضي، فهي لم تخرج عن الإجراءات الواجبة التي تنص على الحجر الصحي في قانون الصحة العامة وقانون الدفاع المدني اللذان ينطبقان على الحالة الفلسطينية "السلامة الصحية". تظهر وثيقة نشرت على مواقع التواصل الاجتماعي تتعلق بتدابير حكومة فلسطين للوقاية من وباء الكوليرا بتاريخ 30 كانون أول 1947 التي جاءت بناءً على إعلان مدير الصحة آنذاك الحجر الصحي وتحديد مراكز الدخول الى فلسطين وهي تجربة تحتاج الى قراءة معمقة لاستخلاص العبر.
إن تكييف الحالة القانونية ضرورة لصوابية الاجتهاد أو الوصول الى اتخاذ القرار الادق والارفع من جانب المسؤول صاحب السلطة التقديرية لمعالجتها ومع ذلك تبقى عرضة للنقد والاشتباك وينطبق عليها قول الامام الشافعي " رأي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب".
كما أن النقاش في اجتهاد التمديد الذي جرى بداية هذا الشهر لحالة الطوارئ يقتضي النظر في النص القانوني المستند اليه في مرسوم التمديد والنظريات المدافعة أو المستخدمة لتبرير هذا التمديد. يستند مرسوم تمديد حالة الطوارئ الى ثلاثة قواعد رئيسية، بالإضافة الى مرسوم اعلان حالة الطوارئ بداية شهر آذار والقرار بقانون الخاص بتنظيم حالة الطوارئ، هي: أولا؛ الاستناد الى أحكام المادة 110 من القانون الأساسي المختصة بإعلان حالة الطوارئ وآلية التمديد حيث تشترط المادة 110 لعملية التمديد موافقة ثلثي أعضاء المجلس التشريعي. لكن المجلس قد تم حله بقرار من المحكمة الدستورية نهاية عام 2017 مما يضع عقبة دستورية أمام عملية التمديد ومشروعيته.
وثانيا يستند المرسوم إلى الحالة الاستثنائية التي يمر بها الوطن وهي بالفعل حالة استثنائية تتعلق بانتشار وبائي "فيروس كورونا" مما يستدعي اتخاذ إجراءات استثنائية منصوص عليها في قانون الصحة العامة وفي قانون الدفاع المدني وهي تقتضي تفعيلها من مؤسسات الدولة وأجهزتها. إن تجسد كيان الدولة تقضي عمل جميع مؤسسات وأجهزة وسلطات الدولة بتناغم وتكامل وفقا للاختصاصات والصلاحيات المنوط بها سواء في إطار السلطة التنفيذية أو ضمن مبدأ فصل السلطات.
وثالثا: استند التمديد الى جزء من احكام المادة 35 من القانون الأساسي الخاصة باليمين "القسم" الذي يؤديه الرئيس إثر انتخابه "وان أرعى مصالح الشعب الفلسطيني رعاية كاملة" وهي بكل تأكيد جزء من مهام الرئيس وواجباته باعتباره رأس السلطة التنفيذية. إن المحاججة بالتمديد قائم على أساس المصلحة الوطنية العليا والواجبات الدستورية للرئيس لرعاية مصالح الشعب يمكن دحضها وتفنيدها استنادا الى قواعد القانون الأساسي ذاته؛ حيث أن نفس اليمين ينص على "وأن احترم النظام الدستوري والقانون" وهي الفقرة التي تسبق رعاية مصالح الشعب في ترتيب اليمين وهي واجبة كغيرها من فقرات اليمين. كما أن مواد القانون الأساسي هي وحدة واحدة لا يمكن قراءة مادة أو تفسيرها بمعزل عن المواد الأخرى، أو دون اتساق مع احكام القوانين الأخرى، طبعا مع احترام مبدأ المشروعية، مما تضع تحد لاحترام أحكام المادة 110 وشروطها من جهة واحكام الفصل الثالث من قانون الصحة العامة المتعلق بمكافحة الأمراض الوبائية.
ان الذهاب في هذا المسار يدخل البلاد في صراعات الاختصاصات والصلاحيات من باب المصلحة الوطنية والواجبات الدستورية ومصالح الشعب العليا، كما لا يخلو ذلك من مخاطر اعتبار القانون الأساسي للاستئناس بدلا من احترام القواعد الآمرة في القانون الأساسي.
ما زالت الضرورة قائمة لمواجهة المخاطر الناتجة عن فيروس كورونا وحماية الصحة العامة وتحقيق الأمن والاستقرار، ومع ذلك فإن هذا الاستثناء يعني بالضرورة تكييف الحالة أو الظرف وفقا للنصوص القانونية التي تنظمها في إطار سيادة القانون كأولوية لضمان ان لا يقلق الفلسطينيون من أجل القانون؟!. إن هذا القلق والنقاش لا يقللان، بالمطلق، من فاعلية الإجراءات المتخذة للحد من الانتشار الوبائي وضمان عمل افراد الجهاز الصحي لصون حياة المواطنين، ولاحترام الحقوق والحريات من قبل قوى الامن التي بقيت منضبطة، في الممارسة العملية، بحدود الغايات والاجراءات المعلنة في مرسوم إعلان حالة الطوارئ لمنع تفشي فيروس كورونا وحماية الصحة العامة وتحقيق الأمن والاستقرار.
ملاحظة: أود أن اعتذر للقراء عن طول مقال هذا اليوم لأسباب فنية تتعلق بضرورة المحاججة والنقاش لجوانب قانونية.
جهاد حرب
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت