كيف أسلموا (الحلقة الأولى)

بقلم: أسامة نجاتي سدر

أسامة نجاتي سدر

1- أبو بكر الصديق: نَسَبُه عَظِيم ورأيُه حكيم وفِعلُه عن وجوه الشرِّ قَويم، يأتيه النَاسُ من كل حدب وصوب يسألونه عن الأنساب وأيام العرب، وينهلون من حكمته ومعرفته بتاريخ قريش والعرب، كم من الناس يطمع في أن يكون لديه مكان في مجلسه وأن يجمعه به لقب صَدِيق، ويغبطه الناس على صحبة سيد من سادات بني هاشم، هو أرفع مقاما وأشرف نسبا وأكرم خلقا منه، هو يعلم منزلته ويفتخر بقربه ومحبته ويشعر بكرامة أن يكون أقرب الناس إليه، يسمّونه الصادق الأمين محمد بن عبد الله بن عبد المطلب صلى الله عليه وسلم.
أما لقبه قبل الإسلام فهو "باغي الخير" كيف لا وهو من لم تمنعه تجارته ومكانته عن طلب العلم والبحث عن النور في الظلام الدامس، فأشرق نور الحنيفية على قلبه وروحه، وسمع البشرى بنبي آخر الزمان من ورقة بن نوفل، وحفظ دون الناس خطبة قس بن ساعدة :" أيها الناس، اسمعوا وعوا، وإذا وعيتم فانتفعوا، إن من عاش مات، ومن مات فات، وكل ما هو آت آت. إن في السماء لخبرًا، وإن في الأرض لعِبَرًا، مهادٌ موضوع، وسقفٌ مرفوع، ونجوم تَمور، وبحار لن تغور، ليل داجٍ، وسماتٌ ذات أبراج!! إنّ لله دينًا هو أحب إليه من دينكم الذي أنتم عليه.
 ما لي أرى الناس يذهبون ولا يرجعون، أرضوا بالمقام فأقاموا، أم تركوا فناموا، ثم أنشد قائلاً:
 في الذاهبيـن الأولين *** مـن القـرون لنـا بـصائــره
 لمـا رأيـــت مــــواردًا *** للمـوت ليس لهـا مصـادره
ورأيـت قومي نحوها *** يـسعى الأكابر والأصاغره
أيــقنت أنـي لا مـحـا *** لة حيث صار القوم صائره
فتاقت له نفسه واشتاق لرفقته وهو لا يعلم بأنه أقرب الناس إليه صحبة ومكانا، وما انفك يلتمس لقلبه النور أثناء رحلات الشتاء والصيف فيجلس إلى عبّاد الشام ورهبانهم ومنهم "بحيرا الراهب"، مر به نبينا صلى الله عليه وسلم حين خرج في قافلة أبي طالب وهو صغير، وسأله عن رؤيا رآها فبشره بالوزارة والخلافة، وأي شرف.
وانفلق الصبح بنور أحمد، جبريل قال اقرأ وابتدأ للعالم فجر جديد، وجاء بعدها بأمر جلل وأمر تعجز عنه الجبال "قم فأنذر، وربك فكبر" ولعله انهار وقلبه من هول ما حباه الله احتار وحملت زوجه معه الخبر، وشارك أهل بيته ما حصل ودار، فكانوا عمادا يستند إليهم ويرفع أمره كما يرفع السقف الجدار، ومر نبينا بصاحبه وصاحبنا مشفقاً عليه من هول ما ينتظرهم من أمر، وعرض عليه المهمة دون نظر فهو الصديق الصدوق ولا حاجة أن يطوا النظر: "إني رسول الله ونبيه، بعثني لأبلغ رسالته، وأدعوك إلى الله بالحق، فوالله إنه للحق، أدعوك يا أبا بكر إلى الله وحده لا شريك له، ولا تعبد غيره، والموالاة على طاعته"، "بأبي أنت وأمي أهل الصدق أنت، أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله" قالها من أعماق روحه وأشرق بها قلبه دون تردد ودون خوف.
بإسلامه رضي الله عنه فتح الله أفقا جديدا لهذا الدين، ورفع بفضله دعوة نبيه وأشع نوره بالعالمين ودخل الناس بالإسلام أفواجا، كبار التجار وأهل الرأي والمشورة وفرسان النزال وقادة الميدان ومن أصبحوا نجوما في راية الإسلام وتيجانا فوق رؤوس الخاصة والعامة،
رب أكرم سيدنا وحبيبنا أبي بكر الصديق بالمنزلة العليا والمقام الكريم واجمعنا وإياه في أعلى عليين مع الأنبياء والصديقين والشهداء ومع نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.

أسامة نجاتي سدر

المصدر: -

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت