في حال قيامها، ستكون الحكومة الإسرائيلية القادمة هي الأولى التي تتشكل منذ قدوم إدارة ترامب إلى سدة الحكم في الولايات المتحدة ويمكن تسميتها ربطا بسياقها السياسي وظروف تشكيلها بـ«حكومة الصفقتين» لسببين:
• لأن مهمتها الأساسية الشروع مباشرة في تطبيق ماورد في الإعلان عن الشق السياسي لـ«خطة ترامب ـ نتنياهو»،المعروفة باسم«صفقة القرن»، بعد أن تابعت حكومة نتنياهو السابقة بنشاط تنفيذ تطبيقات الخطوات العدوانية التي صدرت عن إدارة ترامب بشأن القضية الفلسطينية.
• ولأنها نتجت عن صفقة عبر عنها بوضوح اتفاق تشكيلها الذي وقعه الخصمان اللدودان نتنياهو وغانتس، بعدما أقحما المشهد الحزبي والسياسي الإسرائيلي في ثلاث جولات انتخابية متتالية خلال أقل من عام.
أما جائحة «كورونا» التي يدعيان أنهما اجتمعا لمواجهتها، فستكون الستار الذي سينفذان من ورائه مشاريع الضم والتهويد.
يمكن القول إن نتنياهو حقق من وراء الاتفاق مع غانتس مالم يستطع تحقيقه عبر الجولات الانتخابية الثلاث التي مضت. ويمكن القول أيضا إن غانتس خسر في هذا الاتفاق كل ما استطاع تحقيقه في تللك الجولات. وإذا كان ينتظر دوره في التناوب على رأس الحكومة القادمة(إن شُكلت)، فهو يؤكد لنفسه قبل غيره أنه لم يفهم نتنياهو .. ولن يفهمه.
ويتوقف ترسيم الحكومة على مصادقة الكنيست على مجموعة من المحددات والقواعد المطروحة في الاتفاق، والتي تنظم وتضمن للطرفين، ومن ينضم إليهما، التزام تنفيذه. بعد ذلك، يتم طرح التشكيلة الحكومية لنيل الثقة. ومن اطلع على ما نشر من نصوص ما اتفقا حوله، يتأكد أنه مشروع اتفاق بين طرفين يفتقد كل منهما إلى أدنى درجات الثقة بالآخر. لكن الاتفاق بحد ذاته يحمل الكثير من الدلالات لعل أهمها:
• يؤشر التوصل للاتفاق إلى أن هناك ضغوطا على طرفيه من أجل تشكيل حكومة وحدة. والأمر لا يتعلق بضرورة اجتماع معظم الأحزاب الصهيونية في هذه الحكومة، بل المطلوب إنهاء حالة الاستقطاب القائم منذ أكثر من عام. وبالتالي، تم النظر إلى انشقاق «كاحول لافان» على يد رئيسه كخطوة كافية لتحقيق هذا الغرض. وهذا يعني أن المشهد الحزبي الصهيوني بات جاهزا (من حيث الاستقرار النسبي) للخوض في كثير من المهمات «الكبرى».
• على رأس هذه المهمات، المباشرة في تطبيق الخطوات والإجراءات النهائية في «خطة ترامب ـ نتنياهو». وقد لوحظ أن اتفاق تشكيل الحكومة حدد موعد الأول من تموز القادم تاريخا لهذه المباشرة. ومن الضروري الإشارة، إلى أن هذا التحديد الدقيق يدل أولا على أن العمل في بلورة خرائط ضم الاستيطان وغور الأردن وشمال البحر الميت لم يتوقف للحظة من قبل اللجنة الأميركية ـ الإسرائيلية المشكلة لهذا الغرض. ويدل ثانيا على أن إدارة ترامب ترى أن موعد الاستثمار السياسي للخطة قد حان مع قرب الانتخابات الرئاسية الأميركية ، وهذا التقدير ينسجم مع مشروع نتنياهو الاستعماري ومع حساباته لليوم التالي لتشكيل الحكومة القادمة.
• الحديث عن تأثير جائحة كورونا على تشكيل الحكومة صحيح، لكن من الناحية الأخرى؛ أمام الفشل الكبير الذي منيت به حكومة تصريف الأعمال برئاسة نتنياهو. وبات من الضروري إيجاد شريك (أو شركاء) تقاسمها تداعيات هذا الفشل، ويخفض بالتالي من حجم وجهات الانتقاد لسياستها في مواجهة الجائحة، في ظل تساهل هذه الحكومة مع الحريدين وخرقهم المتعمد لقواعد السلامة، ويعود هذا التساهل لأسباب تحالفية مصلحية لنتنياهو.
• ماسبق ينطبق أيضا على وضع ترامب وإدارته بخصوص الفشل في مواجهة «كورونا»، بدئا من تفاخر الرئيس الأميركي باستهتاره بالوباء مرورا بمحاولته الظهور كمنقذ للبلاد عندما استشرى فيها، وصولا إلى اتهام الآخرين عن هذا الاستشراء. لذلك، رأى وإدارته أن إشعال الاهتمام مجددا بملف التسوية على طريقة الخطة الأميركية ـ الإسرائيلية سيساهم في تشتيت بعض التركيز على فشله. وهو الشي نفسه تقريبا عندما يلوح بالحرب الاقتصادية والعقوبات على عدد من الدول والمؤسسات الدولية.
لقد أدى اجتماع الكثير من الأسباب لدى نتنياهو للتسريع بكسر حالة الاستقطاب الحزبي في إسرائيل. لكن هذا لا يعني أن رئيس الوزراء الإسرائيلي قد استرخى لوجود غانتس إلى جانبه، والذي يطرح نفسه شريكا في الحكم وإدارة شؤون الدولة العبرية. وقد توقع أغلب المراقبين سابقا أن يدفع نتنياهو باتجاه انتخابات رابعة تؤدي إلى خسارة «كاحول لافان» وانشقاقه، دون الحاجة إلى تقديم تنازلات لغانتس اقتضت أن يحصل على نصف الحقائب الوزارية في الحكومة القادمة، على الرغم من أنه يمتلك أقل من نصف مايمتلكه الليكود من مقاعد الكنيست.
لكن ربما رأى نتنياهو، وربطا بالأسباب السياسية التي تم ذكرها، تأجيل معركته مع خصمه غانتس إلى مرحلة أخرى يكون فيها قطع شوطا في عملية ضم المستوطنات وضم مناطق من الضفة الفلسطينية، وتأمن له التحالف مع أطراف أخرى تعوض الاستغناء عن غانتس وحزبه. ويشير مراقبون بوضوح أن نتنياهو يرفض أن يكون له شريك فعلي يقاسمه «إنجاز» تنفيذ هدف كبير مثل «الضم»، لذلك يتوقعون أن تكون معركته مع غانتس غير بعيدة، إلا إذا اقتضت اعتبارات إدارة ترامب غير ذلك، بسبب استحقاقات الانتخابات الرئاسية الأميركية.
حكومة«الصفقتين» تتمتع بجميع المواصفات العدوانية والتوسعية التي اتسمت بها سابقاتها، لكنها تزيد عنها خطورة على قضية الشعب الفلسطيني وحقوقه، كونها تأتي في ظل ظرف اجتمعت فيه على الشعب الفلسطيني أضلاع مثلث الوباء الكبير: ترامب ونتنياهو وكورونا.
هذا لايعني أن سكة الضم وتصفية القضية الفلسطينية سالكة، لسبب بديهي يطرحه تناقض المشروع الأميركي ـ الصهيوني مع المصالح الوطنية للشعب الفلسطيني، الذي تمكن عبر محطات كثيرة من تجاوز الكثير من المخاطر، التي هددت قضيته ومستقبله الوطنية. لكن نجاحه في مواجهة مايتهدده اليوم يحتاج من الحالة الفلسطينية بكل مكوناتها إلى تجاوز عوامل الضعف التي تنتابها بدءا من الانقسام مرورا بمواصلة الرهان الرسمي على جدوى التفاوض مع حكومة الضم والعنصرية.
كورونا لم يمنع نتنياهو وحكومته من التغول على حقوقنا وأن يستمر في ذلك ويصعده، ولا يمنعنا من مقاومته بكل الوسائل الممكنة. ولا وقت لدينا نضيعه، خاصة أن دول العالم مبتلاة بوباء واحد، فيما نحن مبتلون بمثلث من الأوبئة.
محمد السهلي
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت