اعتاد المواطنون في قطاع غزة على استقبال شهر رمضان بالإقبال على الأسواق الشعبية العامة، وتسوق المواد الغذائية والسلع الأساسية، لكن إقبالهم هذا العام ضعيف جداً مقارنة مع الأعوام السابقة في ظل ظروف استثنائية متعلقة بتفشي «جائحة كورونا».
ويعتبر شهر رمضان فرصة كبيرة لأصحاب الشركات والمحال التجارية، وموسماً اقتصادياً يحقق لهم دخلاً وفيراً ويعوض خسارتهم الناجمة عن تردي الأوضاع الاقتصادية التي يمر بها القطاع الذي يعاني ويلات الحصار الاسرائيلي المفروض للعام الرابع عشر على التوالي.
أسواق بلا زبائن
وعبر العديد من أصحاب الشركات والمحال التجارية عن استيائهم الشديد من ضعف الاقبال على شراء احتياجات «رمضان»، حيث اشتكى التاجر علي الحسنات صاحب شركة الحسنات للتجارة العامة، من ضعف إقبال المواطنين على الأسواق، قائلاً: « لم نعتد على مثل هذه الأوضاع، فمثل هذه الأيام تكون الأسواق مكتظة بالمواطنين الذين يقبلون على شراء المواد والسلع الغذائية».
وقال الحسنات، الذي يعمل في البيع «جملة ومفرق»، في حديث خاص لمجلة «الحرية»، إن التجار تعرضوا لخسائر اقتصادية كبيرة، لحقت بهم جراء جائحة كورونا، فمنهم من كان يعول كثيراً على شهر رمضان، آملاً في تعويض خسارته التي لحقت به خلال هذه «الجائحة»، لكن الحال بقي كما هو عليه.
ولم يختلف الحال كثيراً لدى أبو محمد مهاني صاحب سوبر ماركت النجمة في حي تل الهوى بمدينة غزة، الذي أكد لـ«الحرية» أن «جائحة كورونا» أثرت علينا كثيراً، فالإقبال على الشراء ضعيف بشكل غير مسبوق.
وقال مهاني إنه لا ينوى شراء البضائع والسلع الخاصة بشهر رمضان من «تمور وألبان واجبان ومخللات ..ألخ»، خوفاً من تكدسها وقلة بيعها، معتبراً ذلك قد يؤدي إلى خسارته بشكل كبير.
وأوضح مهاني أن الكثير من أصحاب محلات البقالة والسوبر ماركت، اعتادوا على شراء أصناف متعددة من المواد والسلع الغذائية بكميات كبيرة، وعرضها في محلاتهم في شهر رمضان، وكانت تحقق لهم أرباحاً كبيرة، لكنهم افتقروا لذلك، بسبب تدني السيولة المالية وضعف الاقبال على الشراء.
فيما أعرب المواطن وسام الخليلي الذي كان يتجول في سوق الزاوية بمدينة غزة، عن تذمره من الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تعصف بالقطاع، وقال إنه رغم كمية البضائع المتوفرة في الأسواق، وحتى في حال انخفاض اسعارها، فإننا غير قادرين على شرائها نتيجة لعدم توفر الدخل اليومي لدينا كوننا عاطلين عن العمل، خاصة وأن الكثير من عمال غزة يتقاضون اجورهم بشكل يومي أو أسبوعي، واصبحوا عاطلين عن العمل بسبب الإجراءات الوقائية التي فرضت علينا بفعل «كورونا».
فقر وبطالة
وحول الأثار المترتبة على الاوضاع الاقتصادية في القطاع، في ظل «جائحة كورونا» وحلول شهر رمضان أكد الخبير الاقتصادي د. مازن العجلة في حوار خاص لـ «الحرية» أن الأوضاع الاقتصادية السلبية طفت على السطح منذ أن توقفت معظم المنشآت الاقتصادية عن العمل خاصة في قطاعي السياحة الداخلية والمواصلات، وتداعيات إغلاق المؤسسات التعليمية، والتأثير على عمل الباعة المتجلين في الاسواق العامة والاسبوعية، حيث أن كل ذلك انعكس سلباً على ألاف الأسر والعمال البالغ عددهم نحو (20 ألف) عاطل عن العمل، وهذا يضيفهم إلى قائمة الفقر والبطالة في القطاع المحاصر.
واضاف العجلة: «عندما نتحدث عن حجم البطالة الذي تجاوزت نسبتها (60%)، فهذا يعني تزايد كبير في معدلات الفقر والبطالة وانعدام الأمن الغذائي، واتساع حجم الفئات الاجتماعية التي تحتاج إلى مساعدة، وهذا الوضع أصبح يتداعى بشكل كبير وسريع، لأن الوضع الاقتصادي والاجتماعي في القطاع هش وضعيف، والكل يعلم أن غزة تعاني من أعلى معدلات الفقر والبطالة منذ سنوات طويلة، الأمر الذي عزز من قسوة هذه التداعيات لعدم وجود استجابات أو تدخلات.
وأكد العجلة، أن المؤشرات والمعطيات لا توحي بانفراجه قريبة في الاوضاع الاقتصادية في القطاع، مطالباً كافة المؤسسات الرسمية والأهلية بضرورة تقديم دعم إغاثي عاجل، لهؤلاء العمال الذين جلسوا في بيوتهم بسبب اجراءات مكافحة «كورونا»، خاصة أن جميعهم بدون استثناء يعمل بالأجر اليومي «عمال المياومة» أي من لا يعمل لا يتقاضى أجراً.
وأوضح العجلة، أن المساعدات التي تقدمها المؤسسات الرسمية والأهلية للأسر الفقيرة والمتضررة من اجراءات مكافحة « كورونا» هي مخصصة لسد ما أمكن من حاجاتها، ولن تحدث نقلة نوعية في إنعاش السوق المحلي المتضرر بشكل كبير.
أما بخصوص الإقبال على الاسواق لشراء احتياجات شهر رمضان، اعتبر العجلة أنه « لو أجرينا احصاءً سريعاً لعدد من المواطنين في الاسواق لا نجده يتجاوز المئة مواطن أو أكثر من ذلك بقليل، بالتالي لا يعتبر مؤثراً في مدينة يتجاوز عدد سكانها مئات الآلاف، معتبراً بأنه ليس من الضرورة أن من يتواجد في الاسواق قادر على شراء السلع لعدم وجود دخل لهم، وهذا العدد من المواطنين لا يعتبر مؤشرا على قوة شرائية، وهذا الموضوع يتعلق ببعض الفئات التي تحضِّر لشهر رمضان.
أسواق غزة: وفرة في البضائع .. ندرة في المشترين!