علي بن أبي طالب
محمد صلى الله عليه وسلم في فراشه يئن من هول ما رأى حين نزل عليه جبريل، خديجة بنت خويلد تواسيه وتخفف عنه، وزيد يقف قلقا حزينا لا يعلم ما جرى لأبيه، أما علي فإنه قد رآه لكن خديجة أرسلته لأمه فاطمة بنت أسد ووالده كي تخفف عنه، فإنه لا يطيق أن يمس ابن عمه وكفيله شيء، لطالما اشتاق إليه وهو في الغار يتعبد، وكم كانت تحدثه نفسه عن هذا الإله الذي يسلبه حبيبه، وهل يختلف عن اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى التي يعكف الناس على عبادتها ويذبحون تحتها وهي ساكنة لا تتحرك وينزل على رأسها الطير وتعجز أن تطرده.
خرجت خديجة رضي الله عنها ومعها النبي يتبعهما زيدٌ قاصدة ورقة بن نوفل، وكان علي يراقب ما يجري في بيته حائرا وهو يعلم في قرارة نفسه بأن الأمر عظيم، قالت خديجة يا ابن عم هذا محمد أتاك تهون عليه أمره، فقال له ورقة بن نوفل: "يَا ابْنَ أَخِي مَاذَا تَرى؟ فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم خَبَرَ مَا رَأَى، فَقَالَ لَهُ وَرَقَةُ (دون تردُّد): هَذَا النَّامُوسُ الَّذِي أنزَّلَه اللهُ عَلَى مُوسَى، يَا لَيْتَنِي فِيهَا جَذَعًا، لَيْتَنِي أَكُونُ حَيًّا إِذْ يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "أَوَمُخْرِجِيَّ هُمْ؟" قَالَ: نَعَمْ، لَمْ يَأْتِ رَجُلٌ قَطُّ بِمِثْلِ مَا جِئْتَ بِهِ إِلاَّ عُودِيَ، وَإِنْ يُدْرِكْنِي يَوْمُكَ أَنْصُرْكَ نَصْرًا مُؤَزَّرًا" .
وعاد محمد صلى الله عليه وسلم وخديجة رضي الله عنها إلى البيت وقلوبهم تدق بسرعة وعيونهم تملأها الحيرة، وأفكارهم لا تحط بأرض أو سماء، وما أن وصلوا حتى وقف عليه السلام وخلفه زوجه يصليان ينشدان السكينة والقوة على ما ينتظرهما من أمر، ودخل علي فاستغرب حال خديجة وحدق بهما "ألا تخبرانني بما يجري" فقال محمد صلى الله عليه وسلم: " هذا دين الله تعالى الذي اصطفاه لنفسه وبعث به رسوله، فأدعوك إلى أن تعبد الله وحده لا شريك له، وأن تكفر باللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى "، احتار علي بهذا القول وأحس بأن محمدا يعرض عليه حِملاً عظيما وأمرا جللا لم يعرفه أبويه وقريشٌ من قبله، فقال: "لست بقاض أمرا إلا أن أحدث أبا طالب" وخرج من الباب ينشد بيت أمه وأبيه والرسول يخشى أن يُشيع الأمر قبل أن يأذن له ربه، وبات ليلته حيرانا ؛هل يقول لأبيه وهو لا يدري كيف يفعل به وبمحمد، أم يعود لمحمد معلنا إيمانه بما يقول؛ ولم لا؛ وهو من كان ينظر للناس تعبد الأصنام فيستخف بهم وينكر فعلهم، أليس محمد كافله ووليه، ألم ير من خلقه الصدق والإحسان وحسن المعشر، "ويل لي إن خذلته، والله إن له حق علي كما لأبي حق"، وما إن طلع الصباح حتى عاد لبيت محمد فقال: ما عرضت عليَّ يا محمد؟ فقال له رسول الله ﷺ : "تشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وتكفر باللات والعزى ، وتبرأ من الأنداد" فقال: أشهد، فقال عليه السلام: أواستشرت أباك، قال: "إن الله حين خلقني لم يستشر أبا طالب، فكيف أستشيره في عبادته"، وحمل علي بن أبي طالب الأمانة وحمى النبي وضحى في سبيل الإسلام ورفع رايته حتى أكرمه الله شهيدا في سبيل الله اللهم إني أحب أمير المؤمنين علياً رضي الله عنه، وأشهدك بأنه ومحمداً وليي من دون الناس، وأسألك له الفردوس الأعلى من الجنة بما قدمه في سبيل الله والإسلام، وأسألك أن تجمعني بالنبي والصحابة والصديقين والشهداء في مستهل رحمتك.
أسامة نجاتي سدر
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت