الواقع العربي .. التحديات وآفاق التغيير

بقلم: حكم طالب

حكم طالب

نظراً لما يتمتع به الوطن العربي من موقع استراتيجي في غاية الأهمية من حيث موقعه على الممرات والمضائق المائية وربطه لقارات العالم القديم ، وباعتباره حلقة الوصل بين الشرق والغرب ومساحته الواسعة والتي تقارب مساحة عُشر مساحة العالم وإمكانيته البشرية الهائلة ومناخه المتنوع الذي يؤدي إلى تنوع إنتاجه ، وكذلك ثرواته المعدنية والطبيعية والذي يشكل النفط والغاز عصب الحياة ووقود الاقتصاد العالمي المعاصر ، عدا عن الثروات السمكية والحيوانية والأراضي الخصبة للزراعة حيث يعتبر السودان كنموذج سلة الغذاء العربي ، وكذلك السياحة التي تعتبر جزء مهم من اقتصاد العالم العربي .

نتيجة لهذا الموقع المتميز كان محل نظر وإطماع الدول الاستعمارية والتي سعت بكل الوسائل والطرق للسيطرة عليه ونهب خيراته ومقدراته ، سواء من خلال الاحتلال العسكري المباشر أو من خلال نظام الحماية والوصاية والانتداب ، وعملت على طرد السكان الأصليين ومصادرة أراضيهم وإحلال المستوطنين مكانهم ، والسيطرة على الموارد البشرية والمادية ، وتدمير عادات وتقاليد وثقافات هذه البلدان وطمس الهوية العربية ونشر لغة وثقافة وسياسات الدول الاستعمارية وحرمان السكان من خيرات بلدانهم وغياب العدل والمساواة وعملت على وضع الواقع العربي في حالة من التجزئة والشرذمة من خلال تقسيمه إلى مناطق نفوذ بين الدول الاستعمارية " اتفاقية سايكس بيكو " ، واعتبرت الوطن العربي سوقاً استهلاكيا لمنتجاتها وسلعها ، وتكالبت الدول الاستعمارية الكبرى على هذه البقعة الجغرافية من خلال زرع كيان غريب " إسرائيل " كقاعدة استعمارية متقدمة في خاصرة الوطن العربي ، وعملت على دعمه ورعايته وتفوقه عسكريا على كل دول المنطقة لترسيخ التجزئة .

إن الواقع العربي يعيش واقعا صعبا من انقسام وشرذمة وحروب أهلية وطائفية دمرت العديد من الدول ومقدراتها وشعوبها وغياب الديمقراطية قولا وفعلا وانعدام الحريات وانتهاك حقوق الإنسان وغياب العدالة الاجتماعية وعدم الاهتمام بالبحث العلمي لأهميته وغياب واضح لمعالم وحدود الطبقة الوسطى لما لها من أهمية في إحداث التوازن في المجتمع وضعف دور مؤسسات المجتمع المدني بما فيها الأحزاب السياسية والتبعية والإلحاق للغرب وسياساته ، عدا عن العديد من القضايا الاقتصادية من البطالة والتضخم والفقر وكذلك الأزمات المالية والصراعات الداخلية والعديد من السمات العامة ، مما يتطلب تناول بعض القضايا والتي تشكل إسهاما للخروج من هذا الواقع ولإحياء المشروع العربي النهضوي ، من اجل تعزيز حضور ومكانة الوطن العربي على الصعيد الدولي انسجاما مع الإمكانيات البشرية والاقتصادية الكبيرة  ، ومن ابرز القضايا :

  • تحرير الإرادة العربية من كافة أشكال التبعية والإلحاق وإطلاق العنان للعقول العربية للتفكير الحر والعمل بما يخدم مصالح الأمة العربية .
  • تعميق وترسيخ الحياة الديمقراطية وبناء النظام الديمقراطي الذي يمثل رغبات وآمال وتطلعات الشعوب العربية .
  • توزيع الموارد بشكل امثل وبعدالة وإنصاف وبلورة سياسات اجتماعية واقتصادية وصولا لإحقاق العدالة الاجتماعية .
  • تعزيز وتفعيل كل أشكال العمل المشتركة وصيغه الوحدوية ، وتعزيز التعاون والتنسيق بين جميع الدول العربية وترسيخ لغة وثقافة الحوار في معالجة كافة التناقضات والإشكاليات .
  • وضع الحلول والمعالجات للعديد من المشاكل الاقتصادية وبخاصة الفقر والبطالة والتوجه نحو التنمية الاقتصادية والاجتماعية والاهتمام بالإنسان وبناءه باعتباره محور وهدف التنمية بكافة مجالاتها .
  • إعادة النظر بسياسات التعليم والمناهج الدراسية وإعطاء دور للجامعات والمؤسسات التعليمية لأخذ دورها في المجتمع واعتماد سياسات تعليمية جديدة قائمة على الإبداع والتشاركية والابتعاد عن التلقين والوعظية .
  • الاهتمام بالبحث العلمي لما له من أهمية في تطور وتقدم الشعوب وأهمية الحفاظ على العقول والأدمغة العلمية من التهجير وتهيئة المناهات لها للعمل والانطلاق نحو فضاء الإبداع والإنتاج العملي والعلمي .
  • محاربة كل أشكال ومظاهر الفساد والاستبداد والفصل بين السلطات الثلاث وإعطاء كل سلطة لصلاحياتها المستقلة واستقلال القضاء .
  • تعزيز مشاركة المواطن العربي في رسم السياسات العامة للبلدان العربية والتأكيد على دورية الانتخابات الرئاسية والبرلمانية كونها الضامنة لحقوق المواطن ومعيار للمحاسبة والرقابة الشعبية .
  • تعزيز دور مؤسسات المجتمع المدني لأهمية المهام المناطة لها لخدمة بناء المجتمعات وتفعيل دور الأحزاب السياسية ودمقرطتها لتكون قادرة على محاكاة الواقع وإحداث التغيرات لصالح المواطنين وقضاياهم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية .
  • رعاية حقوق ودور قطاعي المرأة والشباب ووضع برامج خاصة تستهدف هاتين الشريحتين وإبراز إسهاماتهم في بناء المجتمع وترسيخ الهوية الوطنية والقومية وإعطائهم المكانة التي يستحقونها في كافة المجالات وإيصالهم جديا إلى مراكز صنع القرار .
  • إعطاء أهمية قصوى لبناء السوق العربية المشتركة تعزيزا للتكامل الاقتصادي العربي وبما يعزز من وحدة العمل العربي لتكون قوة فاعلة ومؤثرة على خريطة الاقتصاد الدولي .

ختاما فإنني اعتقد أن هناك حاجة لوجود مشروع فكري نهضوي متكامل يضع المصالح العربية ويسهم في بناء المجتمع العربي المتماسك ليكون قادرا على الصمود في مواجهة التحديات .

بقلم : حكم طالب *

  • كاتب ومحلل سياسي فلسطيني
المصدر: -

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت