بالرغم من قرار الحظر الحكومي الذي أقفلت بموجبه جميع المطاعم والمقاهي بسبب تفشي مرض فيروس كورونا الجديد (كوفيد-19)، يواظب الحاج صالح محمود كل يوم على فتح مطعمه في منطقة (المدينة القديمة) في قلب العاصمة الليبية طرابلس، ليقدم وجباته الطازجة، لكن ليس مقابل النقود، بل مجانا للمتضررين من الآثار المترتبة على الفيروس والنازحين واللاجئين الذي دفعتهم الحرب إلى الخروج من مناطق الاشتباكات.
يأتي الحاج صالح الشوشان (65 عاما) وعدد من مساعديه إلى مطعمه الشعبي، الصغير ولكن المشهور عند أغلب سكان طرابلس، يأتي مبكرا لتحضير وجبات الإفطار للصائمين يومياً، في مشهد يعكس روح التضامن والإحساس بمن تقطعت بهم السبل خاصة من ذوي الدخل المحدود.
يصل الحاج صالح هو وخمسة من أصدقائه إلى المطعم بعد ظهر كل يوم، حيث يبدأون في تحضير الطعام والمقبلات وحتى المشروبات الساخنة، وعقب الانتهاء من هذا العمل، يقومون بتجهيز الوجبات التي يتجاوز عددها 100 وجبة يوميا ووضعها في صف طويل، قبل مباشرة علمية توزيعها على الناس المحتاجة.
وقال صالح محمود في حديثه لوكالة أنباء ((شينخوا)) يوم الأربعاء، وهو يقوم بسكب الطعام في الأواني، "صحيح مطعمي مثل المطاعم الأخرى مغلق منذ قرابة الشهرين، لكن لا أريد إغلاقه نهائياً، وأرغب في استمرار تقديم خدمة الطعام الطازج، لكن بدون مقابل".
وأضاف وهو يرتدي زيا متواضعا للطباخين، "لقد تقطعت السبل بآلاف الناس بسبب الحرب، وزاد تفشي الفيروس مؤخرا من معاناتهم، وجعل جيوبهم فارغة ولا يملكون قوت يومهم (...)، هذا أبسط أمر نؤديه بحب وتفاني تضامنا مع بعضنا".
وفرضت ليبيا في منتصف مارس الماضي حالة الطوارئ وإغلاقا للحدود البرية والجوية لمواجهة مخاطر الإصابة بفيروس كورونا الجديد.
وتضمنت حالة الطوارئ فرض "حظر تام" للتجول، لمواجهة خطر تفشي كوفيد-19، قبل إعلان تخفيف حظر التجول ابتداء من الثلاثاء الماضي ولعشرة أيام لمدة 12 ساعة يوميا.
وبموجب الإغلاق العام، أغلقت المساجد والمطاعم والمقاهي والأنشطة التجارية والصناعية، باستثناء محلات البقالة والمواد الغذائية الصغيرة ومحطات الوقود.
وبلغ إجمالي المصابين في ليبيا 61 حالة، بينهم 18 تماثلت للشفاء وحالتا وفاة.
وأشار أسامة البلعزي، الشاب الليبي الذي خسر عمله في إحدى الشركات الخاصة، إلى أنه بسبب قرار حظر التجول وإعلان "حالة الطوارئ"، اضطرت الشركة إلى تسريحه وعدد من الموظفين.
وأوضح أسامة في تصريحه لـ((شينخوا))،"قبل شهرين كانت الأمور تسير معي بخير، حيث كنت أعمل سائقا لصالح إحدى الشركات العقارية، لكنهم قاموا بتسريحي قبل شهر ونصف، بعد إبلاغي وعدد من زملائي بأنهم عاجزون عن دفع مرتباتنا حتى ينتهي الإغلاق بسبب كورونا".
وتابع والخجل باديا على وجهه "أنا وحيد أمي وأبي ولا يوجد لدينا دخل، اضطررت إلى المجيء إلى هذا المطعم لمنحي وعائلتي وجبة الإفطار(...)، نشكر الحاج صالح، لأنه إنسان طيب ويشعر بمعاناة الناس".
بدروه، يؤكد مهند الدرباش، بأن الحرب والفيروس جعلا الليبيين في حالة صعبة، خاصة خلال شهر رمضان، لأن الظروف الأمنية والاقتصادية متردية جدا.
وقال مهند، وهو أحد النازحين من مناطق الاشتباكات جنوب طرابلس، "منذ أكثر من 6 أشهر اتنقل وعائلتي المكونة من 4 أطفال وزوجتي من بيت لآخر، وليس لدي المال الكافي لأنفق عليهم، والحقيقة هذا المطعم يحل مشاكلنا خاصة في رمضان، الذي يحتاج إلى أموال إضافية لتلبية الاحتياجات المعيشية".
ومن جهته، يعتقد صالح الشوشان، أن المائدة الرمضانية التي يقدم فيها مئات الوجبات يوميا، لم تنجح لولا مساعدة أهل الخير وبعض التجار.
وقال في هذا الصدد إن "أهل الخير وبعض التجار يتصلون بي يوميا، ليسألوني عن احتياجاتي اليومية لإعداد وجبات الطعام، وبالتالي تأتيني المستلزمات كل يوم مجانا دون تأخير، الأمر الذي يجعلني متحمسا للاستمرار، بالرغم من تقدمي في السن".
وختم ضاحكا "أصدقائي يساعدوني في إعداد الطعام وتجهيز الوجبات (...)، ليبيا بخير بالرغم من الألم والحرب والفيروس".