أين النقص في المشهد الفلسطيني؟

بقلم: معتصم حمادة

معتصم حمادة

هل يفوّت الفلسطينيون فرصة الإلتفاف الدولي حولهم ويغادرون السياسة الإنتظارية؟
■ قدم لنا الأسبوعان الماضيان مشهداً سياسياً فلسطينياً من الطراز الأول، يستحق منا جميعاً أن نقرأه بإمعان، وأن نستخلص منه ما يستوجب علينا إستخلاصه في خدمة القضية الوطنية.
• اللوحة الأولى: وصول الجانبين (غانتس ونتنياهو) إلى إتفاق على تشكيل حكومة طوارئ لإنجاز خطة ترامب، نتنياهو بقيام دولة «إسرائيل الكبرى»، دولة يهودية، وطناً قومياً للشعب اليهودي في العالم؛ عبر إنجاز خارطة الضم كما يصوغها الفريق الأميركي – الإسرائيلي المشترك، والمشكل لهذه الغاية.
• اللوحة الثانية: ترحيب أميركي على أعلى المستويات بمشروع الضم الإسرائيلي، وتأكيد الحق المزعوم لإسرائيل في مصادرة الأرض الفلسطينية، وشطب وتصفية القضية الوطنية.
• اللوحة الثالثة: دعوة أميركية على لسان الناطقة باسم الخارجية لحكومة الثنائي إلى جر الفلسطينيين إلى المفاوضات ليكونوا شهداء على تصفية قضيتهم، في كارثة وطنية. تدفن المشروع الوطني الفلسطيني إلى الأبد.
اللوحة الرابعة: شروع إسرائيل الضغط على الفلسطينيين لشلهم إقتصادياً، من خلال السطو على أموال المقاصة بأساليب مختلفة، منها مصادرة 450 مليون شيكل (140 مليون دولار) بذريعة التعويض للعائلات الإسرائيلية المتضررة من أعمال المقاومة الفلسطينية.
اللوحة الخامسة: الضرب على العصب الوطني الفلسطيني، من خلال إنذار المصارف بعدم قبول ودائع لعائلات الشهداء والأسرى تحت طائلة المصادرة. سبق ذلك السطو على أموال المقاصة بما يعادل التزامات السلطة إزاء عائلات الأسرى والشهداء.
اللوحة السادسة: تواصل أعمال القمع والقتل والإغارة على المدن والأحياء الفلسطينية، وزج المئات في السجون،  التي تكاد أن تتحول إلى مقبرة لآلاف الأسرى، في ظل خطر إنتشار وباء كورونا في صفوفهم (بإعتراف الصحافة والمؤسسات الحقوقية الإسرائيلية نفسها).
هذا بما يتعلق بالجانب الإسرائيلي من المشهد السياسي الفلسطيني

* * *
في الجانب الدولي والإقليمي نقرأ اللوحات التالية:
اللوحة الأولى: مجلس الأمن في إجتماعه  في 23/4/2020، يجمع بكامل أعضائه (ماعدا المندوب الأميركي) على رفض «خطة ترامب، نتنياهو»، ورفضه مشروع الضم الإسرائيلي، ويؤكد على تمسكه بالمعايير الدولية وبقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة بالقضية الفلسطينية، بما في ذلك حق الشعب الفلسطيني في دولة مستقلة كاملة السيادة على حدود 4 حزيران 67 وعاصمتها القدس
اللوحة الثانية: يدلي جوزيف بوريل، مفوض الأمن والسياسة الخارجية للإتحاد الأوروبي، بتصريح يؤكد فيه رفض الإتحاد بكل أطرافه، لمشروع الضم الإسرائيلي، وتمسكه بقرارات الشرعية الدولية، وبالمعايير الدولية لحل القضية الفلسطينية، في السياق رفض «خطة ترامب، نتنياهو» وتأكيده حق الشعب الفلسطيني في دولة مستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس على حدود 4 حزيران 67. علماً أن الإتحاد الأوروبي، سيبحث في اجتماع لاحق إقتراح اللوكسمبورغ  الإعتراف بالدولة الفلسطينية،  التي تعترف بها 139 دولة من الدول الأعضاء في  الأمم المتحدة.
اللوحة الثالثة: الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، يبعث إلى أحمد أبو الغيط، الأمين العام لجامعة الدول العربية برسالة جوابية، يؤكد له فيها باسم الأمم المتحدة رفض مشروع الضم الإسرائيلي والتمسك بحل القضية الفلسطينية على أساس قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة، بما فيها قيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس على حدود 4 حزيران 67.
اللوحة الرابعة: اجتماع بواسطة الفيديو كونفرنس لوزراء خارجية الدول العربية، يجدد رفض الدول العربية مشروع الضم الإسرائيلي، ويعيد التأكيد على المبادرة العربية للحل، وفقاً لقرارات الشرعية الدولية.

* * *
بالمقابل ماذا نشهد في الجانب الفلسطيني؟
اللوحة الأولى: الإنقسام مازال على حاله. والسلطة أصبحت سلطتين، وبات الملف شديد التعقيد، أشبه بعش الدبابير. كلما اقتربت منه، أياً كانت النوايا، تحول إلى احتراب إعلامي بين الطرفين، يتبادلان الإتهام بالمسؤولية عن الوضع القائم، وكل طرف يبرئ نفسه، ويحمل الآخر عبء ما هو قائم؛ دون خطوة واحدة إيجابية إلى الأمام.
اللوحة الثانية: رغم كل ما يقال عن إستغلال دولة الإحتلال  لأزمة وباء كورونا، في مواصلة الإعتقالات والزج بالسجون، فإن التنسيق الأمني مازال على حاله، لم يتراجع، وكأن كورونا أصاب كل الحالة الفلسطينية بالشلل واستثنى منها التنسيق الأمني. وقد أصبح عبئاً ثقيلاً على كاهل القضية الوطنية بما في ذلك كاهل السلطة.
اللوحة الثالثة: بدأت السلطة تتعامل مع قرارات السطو الإسرائيلي على أموال المقاصة، بما يؤكد كونها عاجزة عن القيام بأية خطوة عملية واحدة.  حاولت في المرة الأولى ممارسة سياسة الحرد، واضطرت للتراجع عنها والإستسلام للقرار. وها هي في المرة الثانية لم تعلق على الموضوع بأي إجراء، ما يدفع للسؤال عما كانت أنجزته اللجان الثماني التي شكلتها الإجتماعات القيادية، لوضع خطط وآليات تطبيق  قرارات الإنفكاك الإقتصادي عن دولة الإحتلال، وقد كان رئيس الحكومة الحالية عضواً فيها، وكانت له إقتراحاته العديدة في سياقها. هل تبخرت أم أحيلت إلى الحفظ؟
اللوحة الرابعة: تعلن دولة الإحتلال علناً عن نواياها ضم الضفة الفلسطينية. أي بما معناه فك الإرتباط بإتفاق أوسلو من جانب واحد، لأن الإتفاق، كما يقول أصحابه دعا إلى وقف الإجراءات الأحادية. الناطق الرسمي باسم السلطة الفلسطينية يعلن رداً على ذلك، أن السلطة ستعتبر الإتفاقات الموقعة مع إسرائيل لاغية، إذا ما نفذت قرار الضم. مادامت إسرائيل قد ألغت الإتفاقات، فما هي فائدة أن تتمسك بها السلطة الفلسطينية؟
اللوحة الخامسة: يعلق أحد وزراء السلطة على قرار مصادرة 450 مليون شيكل أن هذا القرار من شأنه أن يقرب ساعة الحسم لتطبيق قرارات المجلس الوطني والمركزي. من يا ترى يحدد ساعة الحسم، وهل يكون تطبيق القرارات مجرد رد فعل على إجراءات إسرائيل، أم أنها قرارات إتخذها المجلس الوطني في سياق إستراتيجية سياسية متكاملة، تقود إلى الخروج من أوسلو، والإنتقال إلى خوض معركة قيام الدولة الفلسطينية المستقلة؟ وهل الإنتقال من المرحلة الإنتقالية، كما نص عليها إتفاق أوسلو، إلى مرحلة بناء الدولة مجرد عبارات إنشائية وبيانات بلاغية أم هي خطة، محورها الخلاص من الإحتلال والإستيطان عبر كل الوسائل، بما فيها المقاومة الشعبية بكل أشكالها كما نص عليها المجلس الوطني؟

أخيراً:
كل عناصر خوض معركة الإستقلال متوفرة على الصعيد الدولي والإقليمي.
يبقى الناقص الوحيد، هو القرار الفلسطيني. وهذا ما يتوجب النضال لأجله■

معتصم حمادة

المصدر: -

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت