تتنوع أدوات المطبعين ويغلفها غلاف زائف من إدعاء الحيادية وقراءة الواقع أو الحديث بجرأة عن مواضيع حساسة , يحاولون صناعة دور البطولة عن مهامهم القذرة , يظهرون عبر الأعمال الفنية ويبرزون عبر مقالات مسمومة , ولكنهم يهربون أمام السؤال المزعج والمؤلم بحجج فجة كالكتابة بمشاعر الإنسان المجردة , فهل يعقل تمجيد قاتل مجرم إرهابي؟ , وهل تستسيغ الإنسانية قبول إحتلال الأوطان ؟, أليس الفطرة السليمة ترفض الإحتلال , وتؤمن بأن لا خيار أمام الإنسان الحر إلا قتال المحتلين وطردهم عن أرضه.
وباء التطبيع يدخل مرحلة شبيهة بــ "داء الكَلَب" حيث يتمكن من عقول البعض ويصيبها بالهذيان والهلوسة, ويصبحون عرايا من القيم والمبادئ ,عرايا من عروبتهم وإنسانيتهم , وينكرون ويجحدون رابط الإخوة التي عقدها الدين القويم بين أبناء أمة محمد صلى الله عليه وسلم , كل ذلك من أجل إرضاء الأرعن ترامب وصبيه الفاسد نتانياهو , في تمرير صفقة القرن الخبيثة , بات المشهد واضحاً بكل ما يحمله من قبح ودناءة , يفضح كل المتورطين في طعن فلسطين بخناجر خيبرية مسمومة .
من صور التطبيع التسويق للشخصيات الصهيونية , وكأنها نماذج ناجحة يمكن الإقتداء بها أو محاولة إحداث التعاطف مع السيرة الذاتية لهذه الشخصيات المجرمة , وهذا ما وقعت به صحيفة "الجزيرة" السعودية عبر نشرها مقال يمجد الهالكة الصهيونية "جولدمائير" بعنوان "نساء في ذاكرة التاريخ" ويضعها في مصاف النساء المعتبرات في التاريخ , وكأن جولدمائير فازت بالفرح على حال العرب في حياتها يوم إحراق المسجد الأقصى وبعد موتها بهذه الهرولة التطبيعية المخزية. "جولدمائير" لم تنال هذا التمجيد من المجتمع الصهيوني , والذي ينظره لها بنظرة سلبية على صعيد حياتها الشخصية , ويمقتها بسبب سلوكها طرق الإستغلال المشينة وإحترافها دور "امرأة لعوب " من أجل الوصول إلى المرتبة السياسية في الكيان الصهيوني , وهذا ما أكده الباحث والمؤرخ الصهيوني يوسى جولدشتاين من خلال كتابه "جولدا.. سيرة ذاتية".
ومن لا يعرف "جولدمائير" من الواجب عليه أن يتعرف على سجلها الإجرامي وتاريخها العنصري, قبل أن يخط حرفا يصنع منها بطلة أو شخصية معتبرة , فلا يمكن تمجيد الإرهابيين الكارهين للعرب كأمة وليس للفلسطينيين فقط , ومن غير المقبول تعظيم الطامعين من الأعداء بأرض الحرمين , فمن أقوال جولدمائير والتي تكشف عن شخصية عدوانية إرهابية ( كل صباح أتمنى أن أصحو ولا أجد طفلًا فلسطينيًا واحدًا على قيد الحياة ) , فهل تقبل صحيفة الجزيرة السعودية إحياء ذكر شخصية هالكة تحرض على قتل الأطفال ؟ , وفيما يتلق بأطماع الإرهابية "جولدمائير" التوسعية , وقفت يوما على شاطئ خليج العقبة قائلة " إنى أشم رائحة أجدادى في خيبر" , فهل يسمح الإعلام السعودية بإفراد هذه المساحة على صفحاته لشخصية لها هذه الأطماع الواضحة في بلاد الحرمين؟ ومعلوم أن القادة الصهاينة يربطون تاريخ اليهود بعملية إحتلال فلسطين في سعيهم لإيجاد أي شرعية موهومة لهم في فلسطين.
وفي ذات السياق نتذكر أقوال الإرهابي موشي ديان عند إحتلال المسجد الأقصى عندما قال "هذا يوم بيوم خيبر، يالثارات خيبر" لنعلم أن الخطر الصهيوني لا يتوقف عند حدود فلسطين ولو أن قدر الله جعل من شعب فلسطين جدار الصد لهذا المشروع التوسعي ما توقف أطماع الصهاينة من الوصول إلى مدينة رسول الله وإحتلالها . لعل سُعار التطبيع الذي أصاب أنظمة الردة السياسية , قد تسبب في إنهيار مبادئ الأمن القومي وتلاشت معه مفاهيم العروبة والوحدة , وتبدلت في ضله قائمة الأعداء , فصورت الدعاية الماكرة الأخ كعدو وتوهم المغلفون بأن العدو تحول إلى صديق , ولازال القوم في غيهم قد ركبهم العناد وخدعتهم الوعود وطمعوا في حماية العروش وهي الزائلة مهما عمرت من سنيين, ويصدق فيه المثل القائل " القط يحب خناقه " .
بقلم : جبريل عوده*
كاتب وباحث فلسطيني 2-5-2020
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت