كيف للثقافة العربية ان تخون ...؟!

بقلم: هاني العقاد

هاني العقاد

تبقي القضية الفلسطينية هي القضية المركزية بالعالم العربي مهما تغيرت حكومات وجاءت حكومات وتغيرت انظمة وجاءت اخري ومهما ابرمت اسرائيل اتفاقيات سلام مع البعض وقضت بحلول منفردة يرحل معها الاحتلال من اراض تلك االدول كما حدث مع مصر والاردن في اتفاقيتي كامب ديفيد ووادي عربة.
منذ ذلك التاريخ لا اعتقد ان هناك تغيرا كبيراً طرأ علي محددات القضية والصلح مع اسرائيل وانهاء الصراع بالمجمل لان الفلسطينين لم يحصلوا علي حقوقهم كاملة ولم يقيموا دولة قابلة للحياة حسب القرارات الشرعية المعترف بها وحسب المرجعيات واهمها مباردة السلام العربية 2002 بيروت .
لم يتغير مفهوم الصراع ولا حتي النظرة للمحتل بالرغم من تلك المعاهدات سواء علي المستوي الرسمي او المستوي الشعبي بالعالم العربي حتي مع بعض التغير في طيبعة مقاومة الاحتلال الاسرائيلي الذي اتخذ اشكالا تفهما شعوب العالم وفي ذات الوقت تحفظ حقوق البشر كأدمين وهنا اشير الي الانتقال الي النضال السلمي والمقاومة الشعبية التي باتت من اهم اشكال النضال في عصرنا الحالي والتي ازعجت المحتل واقلقت مستوياته الاستراتيجية اكثر من الكفاح المسلح الذي انتهجته الثورة الفلسطينية عندما انطلقت واستمر الي وقت قريب.
لم تخون الانظمة التي وقعت اتفاقيات مع اسرائيل لانها وقعت ولم تتنازل عن شبر من ارض فلسطين ولم تخون شعوبها فهي اتفاقيات مشروعة واتفاقيات افضت الي وقف اراقة الدماء علي الاقل عشرات العقود من الزمن .
ولم تخون شعوب تلك البدان التي وقعت اتفاقيات بل ان الشعوب باتت اكثر كراهية للمحتل الاسرائيلي الذي رفض منذ ذلك الحين انهاء احتلال الارض الفلسطينية واستمر في القتل والتهجير والاعتقال وهدم البيوت والتهويد وانتهاك حرمات المقدسات سعيا لتهويدها وتقاسمها مع المسلمين .
المسؤولية هنا تقع كل علي اسرائيل وهي المتسبب الاول والاخير في عدم قبولها وقبول شعبها بين العرب وليس تلك الشعوب لان اسرائيل استمرت في ممارسة الحرب والكراهية ضد الفلسطينين وتريد من الشعوب العربية ان تطبع معها وتقبل وجودها علي اراضيها دون ان ينتهي الاحتلال وينتهي الصراع وتعاد الحقوق المسلوبة الي اصحابها .
ليس محرما علي الحكام التوقيع علي صلح مؤقت مع العدو وليس محرما علي الحكام انهاء حالة الحرب مع العدو واستعادة السلام لكن المحرم علي الشعوب ان تمضي في هذا الوهم وتتقبل ما قبله الحكام لان الشعب له ثقافة ودرس تاريخ القضية والصراع ولدية ثوابت يصعب التنازل عنها وبالتالي لن تجبره كل معاهدات الدنيا ان يقبل بالتطبيع مع من قتل العرب وذبح ابنائهم في حروب شنت فقط من اجل سرقة الارض العربية وردع تلك الشعوب عن مواصلة مناهضتها للاستعمار والامبريالية او حتي تقديم الدعم لمن يقاوم ويناهض علي الارض هذه القوي المحتلة .
لا يمكن للشعوب ان تسقط وتخون وتقبل بصلح مجزوء ولا يمكنها نسيان الدم والشهداء والحرمان والتشرد فكيف للثقافة التي هي من انتاج هذه الشعوب ان تخون , وكيف يمكن ان نتصور ان تٌغرب الثقافة بكل ادواتها او اي من ادواتها وتبيع شرفها وكرامتها واصالتها وعمقها العربي وتقبل مجرد الاعتراف بحق اليهود في كيان لهم في فلسطين او حتي تقبل مجرد ان تتعايش قوي الاحتلال مع الشعب المحتل الذي سُرقت ارضه واستوطنها الغزاة وفرض بالقوة العسكرية هذا القبول .
 الثقافة عنوان الشعوب وارث تاريخي لايمكن باي شكل من الاشكال تغيرها مهما تغلغل الفكر الصهيوني بداخلها وحاول كي وعي الشعوب الا ان كل الادوات الثقافية تبقي عصية علي السطو وعصية علي التغريب وعصية علي التحوير وعصية علي ان تفرط في اي من ثوابتها التي تقول ان "فلسطين هي من البحر الي النهر" "فلسطين عربية " .
معضلة اسرائيل اليوم ليس الحكام ولا الساسة ولا ظهور سياسة بفكر مناهض للمحتل ورافض لقبول التعايش مع المحتل وانما معضلة اسرائيل هي الشعوب العربية التي لم تستطيع كل ادوات الاحتلال الفكرية وكل عوامل الغزو الثقافي ان تغير من عقيدتها في شيء ولم تستطع كل موجات التاثير الموجه وكل الاموال التي تدفع لادوات تعمل من اسفل لصالح تزيف التاريخ وقلب الحقائق وتأليف الروايات وتجميل صورة المحتل علي ان يتعاطف معها الكثيرون لم تستطع ان تقنع الشعوب بقبول تلك الروايات المزيفة وتصديق الحقائق المقلوبة والتعاطف مع اسرائيل باي شكل كان .
 كيف تخون الثقافة العربية وكيف تخرج من ثوبها وتغير جلدها العربي الرافض للاحتلال ,وكيف يخون المثقفين والادباء والمفكرين والشعراء والكتاب والنقاد والفنانين وكيف يخون كتاب التاريخ ومن يرصد جرائم المحتل كل يوم , واهم من يعتقد ان مسلسل هنا او مسلسل هناك او برنامج تطبيعي هنا او هناك قد يغير ثقافة الشعوب ويؤثر علي وعيهم الوطني وانتمائهم للتاريخ والقضية او حتي ينال من ثوابت الثقافة العربية الرافضة للمحتل او حتي التفكير في مجرد قبول رواياته في شيء مهما فعل بعض المزيفين من اصحاب الفن الهابط وجناة الاموال واللهثين وراء شهرة مزيفة .
 لن تخون الثقافة العربية ولن يخون اهلها من يناهضوا المحتل بالرواية الحقيقية لوجوده علي الارض العربية والصورة الشنيعة للمحتل الصهيوني وممارساته التي تلتقطها عيون ابناء الامة العربية من شرقها الي غربها وستبقي الثقافة العربية حارسا حقيقيا للبندقية والحلم والتراب الوطني الفلسطيني والمقدسات والانسان المكافح الذي يتصدي لجبروت الاحتلال بصدرة العاري وعقلة المستنير .

د. هاني العقاد
 [email protected]

المصدر: -

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت