كيف أسلموا الحلقة السابعة

بقلم: أسامة نجاتي سدر

أسامة نجاتي سدر

  بلال بن رباح
 أن يكون أسطورة حية في زمنه وحكاية يرويها الكبار للصغار حين انتقل من ذل العبودية إلى أن يكون سيدنا الصحابي الجليل مؤذن الرسول بلال بن رباح فذلك فضل من الله عظيم، أما أن تغيظ الكافرين بفعلك وتقهرهم بصبرك وتهزمهم بأخلاقك ومروءتك فلابد أنك خلقت لأمر عظيم وسخرك الله يحكمته وفضله لنصرة دينه.
شاع ذكر دعوة النبي صلى الله عليه وسلم في المجالس، وأصبحت دعوته تملأها نقاشا وجدلا واستهزاءاً بالدعوة وصاحبها، وبات العبيد يسمعون بأنهم متساوون مع أسيادهم في بعض الحقوق وأنهم مكلّفون مثلهم بعبادة الله الواحد بدلا من هذه الآلهة العديدة، والغريب أنه يأمر السادة بحسن المعاملة مع مواليهم بل وربما فتح هذا الدين أملا بالعتق والحرية، وأنّى لهؤلاء القساة أن يتبعوه ويرتضوا تعاليمه.
أمر سيده عبد الله بن جمح أن يخرج كل عبيده خارج مكة كي لا يفتنهم كلام محمد، لكنه كان الوحيد الذي يعرف شياه عبد الله بن جدعان ولابد أن يخرج بها، وبدأت شمس الصحراء تنال من وجهه الأسمر ولابد أن يصطحب أغنامه إلى بعض كهوف الجبال ليقيها الحر، وإذا بوجه تألق رغم الظل يسأل: "هل من لبن"، عرفه بلال ذاك هو محمد بن عبد الله وصاحبه أبو بكر اعتزلا الناس يتباحثان في أمر الدين الجديد، لكن لم يسعه إلا القول:" ما لي إلا شاة منها قوتي، فإن شئتما آثرتكما بلبنها اليوم " فقال له "إيت بها"، فأمسكها النبي وحلبها حتى ملأ الوعاء فشرب، ثم حلبها حتى امتلأ الوعاء مرة أخرى وأعطاه لأبي بكر، وحلبها وسقى بلالا حتى روي، تعجب بلال مما رأى فما كان لشاته أن تروي عطشه هو فكيف روت صاحبيه، فدعاه النبي إلى الإسلام وبدأ يشرح له عن أحكامه ومبادئه وكيف يصبح مسلما، فأخذهم الوقت ونسي بلال أن يهتم بشياه سيده، لكن النّبي عليه السلام طمأنه وأمره أن يعود، فكانت كمية الحليب لهذا اليوم مضاعفة، وعاد بلال في اليوم التالي مشتاقا للحديث مع صاحبيه حول الدين الجديد وعن نظرته لرجل ولد عبدا، واتفق معهم أن يكتم إيمانه، وعاد باليوم التالي ليخبر الرسول ببركة اللبن منذ التقى به، فأوصاه بأن لا يخبر أحدا من الرعاة عن مكانهم.
زار أبو جهل صاحبه عبد الله بن جدعان وروى له الأخير عن البركة التي حلت بشياهه منذ ثلاثة أيام مع بلال بن رباح الحبشي فقال:" عبدكم وربّ الكعبة يعرف مكان ابن أبي كبشة (الرسول عليه السلام)، فامنعوه أن يرعى المرعى "فمنعوه أن يذهب إلى المرعى، وأصر سيده أن يرسله في اليوم التالي إلى الكعبة يخدم الأصنام، فجعل يعمل خارجها حتى إذا انتصف النهار وذهب الناس يحتمون من الحر دخل الكعبة وبدأ يبصق على الأصنام ويقول: "أيتها الأصنام التي لا تسمع ولا ترى، وترضى لنا الذل والهوان دون ذنب أو ظلم خاب وخسر من عبدكنّ" وشاء الله أن يراه أمية بن خلف ويصرخ عليه فيهرب إلى بيت سيده عبد الله بن جدعان فيلحقه الناس وينادون عليه، يخرج إليهم فقالوا: "أصبوت" فقال باستغراب: "أمثلي يقال له هذا!! ، فعلي نحر مئة ناقة للات والعزى"، قالوا: "فعبدك الأسود سب أصنامنا وبصق عليها، فدعا راعي ماله وقال: ألم آمُرْك أن لا يبقى بها أحد من مولّديها إلا أخرجته؟ " فقال:" كان يرعى غنمك، ولم يكن أحد يعرفها غيره "فوهبه لأبي جهل وأمية بن خلف:" شأنكما به فهو لكما، اصنَعا به ما أحببتُما ".
 رمى عبد الله بن جدعان عبده بين أقدام أبو جهل وابن خلف وصاح ابن خلف متحديا أمام أهل مكة: "إن شمس هذا اليوم لن تغرب إلا ويغرب معها إسلام هذا العبد الآبق!! ". فضحك بلال ولسان حاله يقول مستهزءا: "ألا تقول إن شاء الله"؛ وبدأ العذاب أطفال مكة يجرونه في الطرقات، وأبو جهل يلهب ظهره بالسوط، أما أمية بن خلف فيتركه في عز الحر مستلقيا فوق الرمال مثبتا بحجر وكلهم يصيح به اذكر اللات والعزى فيقول: "أحدٌ... أحد"، وتمر الأيام وبلال صامد ويمر الناس فيسألون متى يغرب إسلام هذا العبد الآبق، ومع الوقت بدأوا يسألون متى يهلك ويريح سيده، وينهك التعب ابن خلف فبدأ يساوم بلال في أن يسب محمدا ولا يذكر اللات والعزى فيرد "أحد ... أحد" ويقول له أن يقبل يده أمام الناس ليرفع عنه العذاب فيرد " أحد ... أحد"، وسئل يوما كيف احتملت العذاب فقال: كنت أمزج حلاوة الإيمان بمرارة العذاب فتطغى حلاوة الإيمان على مرارة العذاب.
 قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: "كان أول من أظهر إسلامه سبعة: رسول الله ، وأبو بكر، وعمار، وأمه سمية، وصهيب، وبلال، والمقداد؛ فأما رسول الله فمنعه الله بعمه أبي طالب، وأما أبو بكر فمنعه الله بقومه، وأما سائرهم فأخذهم المشركون وأُلبِسوا أدراع الحديد وصهروهم في الشمس، فما منهم أحد إلا وأتاهم على ما أرادوا إلا بلال، فإنه هانت عليه نفسه في الله، وهان على قومه فأخذوه فأعطوه الولدان، فجعلوا يطوفون به في شعاب مكة وهو يقول: أحد أحد"؛ ذاك هو سيدنا وقدوتنا بلال بن رباح الحبشي صاحب الكرامات مؤذن الرسول المجاهد البطل الذي مات مطمئنا برضى الله يقول " غدا نلقى الأحبة محمد وصحبه.

أسامة نجاتي سدر

 

المصدر: -

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت