البعض خرج عن صمته رافضاً قرار الرئيس الفلسطيني الأخير بتمديد حالة الطواريء لشهر آخر، وكأن الأمور كانت لدينا قبل إعلان حالة الطواريء تسير على صراط القانون الأساسي، فالحكومة الفلسطينية لم يتجرأ أي من أفرادها ممارسة صلاحياته إلا بعد أن نالت الحكومة بكامل هيئتها ثقة المجلس التشريعي صاحب الاختصاص، وقبل أن تبدأ الحكومة عامها المالي ومصروفاتها الضرورية والغير ضرورية تقدمت بموازنتها إلى المجلس التشريعي الذي أقرها بعد ماراثون جلسات عاصفة أجبر من خلالها الحكومة على تخفيض موازنة الأجهزة الأمنية التي تعادل موازنة التعليم والصحة والزراعة مجتمعة، وكم كنا فرحين والصحافة تنقل لنا كل شاردة وواردة عن الصراع المحتدم بين أركان الحكومة والنواب حول البنود المختلفة للمصروفات والاايرادات قبل اقرار مشروع الموازنة.
يحق لهؤلاء أن ينتفضوا مما قد يفعله تمديد حالة الطواريء من لي عنق المعلومة التي كانت تصل الينا دون عناء، فقد تفضل الأخوة مشكورين في رام الله بالافصاح الدقيق والممل عن أوجه صرف أكثر من نصف الموازنة على غزة وقطعوا بذلك قول كل خطيب، ونعرف في الوقت ذاته أدق التفاصيل عن ايرادات سلطة غزة وأوجه الصرف حتى وإن كانت خارج التغطية بالنسبة للموازنة العامة للسلطة، ولدينا يقين لا يدنوه شك بأنه لا تفرض ضريبة أو رسم مهما صغر قيمته إلا بقانون، يحق لهم أن يغضبوا خوفاً من زلل هنا أو هناك يمس من بعيد حقوق المواطن، أو أن يتفضل أحد الأجهزة الأمنية المتعددة الأسماء والصفات بدعوة كريمة منه لمواطن لإحتساء فنجان قهوة يعرضها عليه زائر منتصف الليل، يحق لهم أن يساورهم الشك في حالة الطواريء ومنغصاتها فقد كنا من قبلها ننعم في واحة من حرية الرأي تستنفر السلطة التنفيذية كل مقدراتها لحماية رأي المواطن حتى وإن كان لا يغير أمراً كان مفعولاً، فلسنا من ذلك القوم الذي يعتدي على صحفي لأنه خالف شريعة حرية الصحافة حين حاول أن يوثق معاناة مواطن أو أن يزج بآخر في الاعتقال لأنه سمح لريشته بإقتحام منزل الكاريكاتير دون استئذان.
ما الذي يمنع مؤسسات حقوق الانسان لدينا الامتعاض من تمديد حالة الطواريء وهي التي لم يسبق لها أن سجلت بالخطأ انتهاك على مدار السنوات السابقة، ولماذا لا ينضم إليها رجال القانون بعد أن تبغددنا في المدينة الفاضلة التي لا يعلو فيها صوت فوق صوت القانون، وتمترس جميعنا دفاعاً عن استقلالية القضاء وأطحنا بمجلس القضاء الأعلى كي نعطي صورة مشرقة عن كيفية الفصل بين السلطات، يحق للممتعضين من تمديد حالة الطواريء أن يصرخوا هلعاً وقلقاً وخوفاً على تصدع البنيان المرصوص من جراء بدعة الطواريء التي لم نكن نعرف عنها شيئاً قبل أن تأتينا معطوفة على مخلوق لا نعرف عنه سوى أنه أجبرنا على الانصياع لجبروتة.
لعل الواجب يفرض علينا أن نطمئن الأخوة الذين أغضبهم قرار تمديد حالة الطواريء وأن ننزع عنهم جلباب الشك، فلن تأتي الطواريء بما هو أسوأ من الزربيحة، والزربيحة كما يعرفها حق معرفتها أسرانا الأوائل الذين كان لهم شرف الاعتقال في سجون الإحتلال في السنوات الأولى بعد حرب حزيران 1967، حيث كانت وجبتهم الرئيسية التي أجبرهم الاحتلال لسنوات طويلة على ملازمتها يومياً، وهي شوربة كان يصنعها الاحتلال من بواقي الخضروات بوضعها على حالها في قدر كبير مع الكثير من الماء، وما تمتاز به الزربيحة "سيئة السمعة" أن لا مذاق لها ولا يمكن وضع وصف لها سوى أنها زربيحة
د. أسامه الفرا
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت