للمرة الأولى منذ أكثر من قرنين ونصف يغلق مقهى النوفرة العتيق في مدينة دمشق القديمة أبوابه أمام زبائنه بشكل لم يحدث سابقا في إطار الإجراءات الوقائية المفروضة في البلاد لمواجهة تفشي مرض فيروس كورونا الجديد (كوفيدـ19).
وجرى إغلاق المقهى الشهير مثل أي مطعم أو مقهى في العاصمة السورية بعدما قررت الحكومة إغلاق الأماكن العامة لحماية الناس من انتشار مرض فيروس كورونا الجديد.
ويعد مقهى النوفرة الواقع في الجزء الشرقي من المدينة القديمة المبنية بالحجارة البيضاء، واحدا من مناطق الجذب السياحي الرئيسية في دمشق، إذ اعتاد السياح على زيارته قبل الحرب المستمر في سوريا منذ أكثر من تسع سنوات.
وكان المقهى عالي السقف مكانا لتجمعات السوريين المسائية للاستمتاع بقصص الحكواتي، وهو تقليد موجود في المقاهي القديمة بدمشق.
وما يميز مقهى النوفرة هو عتباته وشرفاته الثلاث الشهيرة، وإطلالته على المسجد الأموي، كما يمر الزائرون إلى المقهى عبر سوق الحميدية الشهير، وهو أحد الأسواق القديمة المغطاة في سوريا.
وبسبب إجراءات الوقاية من مرض فيروس كورونا الجديد، باتت أبواب مقهى النوفرة موصدة، وتكومت الكراسي والطاولات في زاوية واحدة بانتظار زواره، الذين كانوا يترددون عليه للتخلص من ضغوط الحياة اليومية.
وقال محمد رامي الرباط، وهو أحد أصحاب المقهى، لوكالة أنباء ((شينخوا)) إنه "خلال 250 عاما من امتلاك عائلته لهذا المقهى لم يغلقوا أبوابه بقدر ما هو الآن" خلال انتشار مرض فيروس كورونا الجديد.
ورغم الحرب ظل مقهى النوفرة مفتوحا حتى عندما كان المسلحون يمطرون دمشق القديمة بقذائف الهاون القادمة من الغوطة الشرقية أثناء سيطريتهم عليها قبل أن يستعيدها الجيش السوري في مارس 2018.
وتابع الرباط "هذا المقهى معروف من قبل السوريين ويقصده كل من يزور مدينة دمشق القديمة، وعمره الزمني حوالي 250 عاما، وله عراقة تاريخية".
وعلى الرغم من أن المقهى الآن مغلق، إلا أن الرباط يأتي كل يوم لتفقده وفتح أبوابه بقصد التهوية ودخول أشعة الشمس إليه وسقي الورود الموجودة على الشرفة.
كما يستقبله المارة الذين يأتون ويلتقطون الصور أمام المقهى، ويطلب بعضهم الإذن للدخول والتقاط الصور رغم إغلاقه أمام الزبائن.
حتى أن الرباط وضع بداخل المقهى سرير ليتمكن من الاستلقاء والاسترخاء بمفرده، قائلًا إن هذا المكان يعيش بداخله وأنه لا يمكنه التوقف عن القدوم إليه.
وأضاف "آتي إلى هنا كل يوم لأن روحي تحب هذا المكان. وكأنه يعيش في داخلنا ونحن نعيش فيه. أتمنى أن تمر أزمة مرض فيروس كورونا بسرعة وأن نعود إلى عملنا ونفتح المقهى"، مشيرا إلى أنه تعلم العمل من والده وجده الذي ورث المقهى من جده الأكبر.
وبين الرباط أن المقهى لديه زبائن اعتادوا الحضور كل يوم، وهم الآن يحسبون الأيام حتى تنتهي الأزمة، مؤكدا أنه يتلقى مكالمات هاتفية من زبائنه كل يوم يسألونه متى سيتم إعادة فتح المقهى.
وقال وسام حمودة، أحد هؤلاء الزبائن، إنه يشعر بشيء مفقود عندما لا يزور المقهى.
وأوضح حمودة لـ(شينخوا) "أنا أعيش في دمشق القديمة وكنت أزور المقهى كل يوم حتى لو لم أكن أرغب في شرب الشاي أو تناول الشيشة، لقد مررت لأنني في اليوم الذي لا آتي فيه أشعر أن هناك شيئا مفقودا بداخلي، خاصة في رمضان".
وخففت الحكومة السورية في الآونة الأخيرة بعضا من إجراءات مواجهة مرض فيروس كورونا الجديد، بما في ذلك عودة الموظفين تدريجيا للعمل والسماح بفتح الأسواق.
لكنها واصلت العمل بعدة إجراءات وقائية، منها فرض حظر التجول الليلي وإيقاف وسائل النقل الجماعي ومنع التنقل بين المحافظات.
ورغم ذلك يقال أن الحكومة قد تخفف القيود على المقاهي والمطاعم في وقت ما بعد عطلة عيد الفطر كجزء من تخفيف الإجراءات ضد مرض فيروس كورونا الجديد.
وسجلت سوريا حتى الآن 47 إصابة بمرض فيروس كورونا الجديد، بينها ثلاث حالات وفاة و29 حالة شفاء، فيما يخضع المئات للحجر الصحي، بحسب السلطات السورية.