الفلسطينيون في مرآة الواقع المخروب

بقلم: طلال الشريف

د. طلال الشريف

في واقع المشهد المخروب رغم ضبابية الصورة، يمكن إلتقاط بعضا من الحقائق.
التيار الوطني الذي تمثل حركة فتح فيه المركز، لم يعد لديه من عناصر النهوض القادرة على مواجهة المشروع الأمريكي لتصفية القضية عبر صفقة ترامب، فقد تشتت شمل منظمة التحرير وأصبحت أشلاءً بعد كل ما جرى في السنوات الخمس الأخيرة، فقد سارت السياسة الداخلية الفلسطينية بقيادة الرئيس عباس في إتجاه تفريغ منظمة التحرير من مضمونها كحاضنة وبيت جامع للنضال الوطني.
 في صورة الوطنية الفلسطينية، إنقسمت فتح، وفي الطريق لتقسيم المقسم يلوح في الأفق صراع الخلافة على رئاسة، أو، قيادة الحركة، وذلك بعد فشل برنامج السلام الذي تبنته حركة فتح، وغالبية من فصائل منظمة التحرير، وبعد تحييد العمل العسكري مبكرا لصالح إنجاح عملية السلام، بعد أن كان يشكل العمل العسكري الأساس لإنطلاق حركة فتح منذ تأسيسها، ولكن بعد أوسلو وإنخراط المجموع الفتحاوي والقيادة المتنفذة في كيفية الإستمرار العقيم في محاولة إنقاذ برنامج السلام الذي تبنته الحركة، متخيلين بأن إسرائيل تفكر مثلهم وتخلص لعملية السلام، ولم يدركوا أن إسرائيل تغيرت حيث راكمت عناصر قوة جديدة أكثر من أيام كامب ديفيد، وأكثرها وضوحا ما يلي:
 أولا: وجود فريق أكثر صهيونية يقود الولايات المتحدة على رأسه الرئيس دونالد ترامب وفريقه للسلام في الشرق الأوسط، ما غير كثيرا في السياسة الدولية أخطرها تجاهل ثوابت وقرارات الأمم المتحدة المتعلقة بالوضع الفلسطيني في تغييرات طبيعة الأرض والسكان، أي الجغرافيا والأراضي وحقائق الديمغرافيا للسكان الفلسطينيين المحتلين من قبل إسرائيل، والتي جرمتها الشرعات والقرارات الدولية، وهي تعتبر محرمات في القانون الدولي والإنساني لا يمكن إقتراب أي دولة عضو في الأمم المتحدة منها قبل سياسات ترامب والصلف الأمريكي.
 ثانيا: تطور علاقات مصالح عربية إسرائيلية نشأت على أرض الواقع بسبب صراعات الإقليم في مواجهة دول طامعة للهيمنة على مقدرات وإقتصاد وثقافة وفكر وأيديولوجيا الشرق الأوسط، وهذا نقل موقع القضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي لمرتبة ثانية في السياسة العربية، وهذا بالقطع كان في صالح إسرائيل رضينا أم لم نرض، وفي صراع الإقليم دول مثال، تركيا وإيران، الأولى يريد رئيسها أن يصبح خليفة السنة والمسلمين للهيمنة على مقدرات العرب الإقتصادية وقيادة العالم الإسلامي والعربي، والثانية تسعى لخلافة شيعية ونفوذ إيراني يهيمن على المنطقة العربية إقتصاديا وفكرياً، وتلك الدولتان في الأصل دولتان إستعماريتان تاريخيا ولازالت لهما على ما يبدو تلك المطامع الإستعمارية.
ثالثا: حالة الضعف الفلسطيني والإنقسام الذي تلاعبت به أمريكا وإسرائيل عبر دول مثل قطر، وتركيا، لتعميق الخلافات الفلسطينية وصلت حد سفك الدماء بين الفلسطينيين، وتفتيت منظمة التحرير الفلسطينية، ودعمهما حماس كجماعة إخوان مسلمين ساعين للسلطة، ودعم عباس كرئيس يسيطر على القرار الفلسطيني، وكصديق لقطر، وليس حركة فتح كلها، فكان أن حافظت قطر بكل قوة على بقاء الإنقسام، وتشظي الفلسطينيين بخلافاتهم السياسية، وتحاول التحكم بحاجتهم المالية، والإقتصادية، وكان هذا واضحا من خلال تسهيل تمويل حماس، وتسكيت عباس، فوصلنا للحالة الفلسطينية الأكثر ضعفا تاريخياً
 المشهد على أبواب الضم خطير.
 عباس إنتهت مهمة إستخدامه في هدم الوطنية الفلسطينية وإضعاف فتح.
اللوحة القادمة للإستخدام هي حماس على ما يبدو، وتطمح حماس في قيادة الشعب الفلسطيني لأسباب لها علاقة بالحركة والحكم وأسباب لها علاقة وجماعة الإخوان المسلمين وتراجع نفوذها في دول عربية حكمت في مصر لمدة عام، ودول أخرى لها ثقل على القضية الفلسطينية وتحاول الوصول فيها للحكم.
 هل يبدو أن هناك سيناريو يُرسم لحماس؟ بعد ترهل وإضعاف التيار الوطني بمجموعه، وبعد أن أنهى عباس هدم الوطنية الفلسطينية، وتذويب مؤسساتها، وإبطال مفعول قراراتها، وخلافاته مع الجبهة الشعبية المكون الثاني في منظمة التحرير ، والجبهة الديمقراطية، وبعد أن أصبحت السلطة الوطنية بلا سلطة، وتقترض الأموال من إسرائيل، ولا تتحكم حقيقة بأوضاعها، ودون سيطرة على غزة مسبقاً، وحتى دون سيطرة على عمالها، أو، بنوكها، أو الجماعات المسلحةكما ظهر أخيراً، ناهيك عن إستمرار التنسيق الأمني الإجباري، ودخول المنسق والضابط الإسرائيلي على خط مسؤولياتها وإصدار الأوامر للسكان، ناهيك عن الفلتان اليومي للجماعات المسلحة، والتجييش في صراع خلافة الرئيس عباس.
الأخطر هو مع اقتراب عملية ضم المستوطنات والغور وإنتهاء دور الرئيس عباس للمرحلة القادمة، إن لم تحدث معجزة مثل ثورة الشعب الفلسطيني على الإحتلال وإستلام قيادة وطنية ثورية واعية للمرحلة تتمكن هذه القيادة الثورية من إجهاض مخططات ترامب وإسرائيل، ولذلك سيكون السؤال الذي يفرض نفسه:
 هل تحضر الولايات المتحدة وإسرائيل وعبر قطر وتركيا لهدم القوة العسكرية للفصائل المقاونة في غزة، أو إحتوائها كأجهزة أمنية لسلطة تقودها حماس في المرحلة القادمة بعد تشظي فاعلية فتح والتيار الوطني الذي قاد القرار الفلسطيني في المراحل السابقة؟ وما هو موقف حماس من ذلك؟ وما هو موقف التيار الوطني بمجمله ؟ خاصة بعد رفض عباس عقد إجتماع للأمناء العامين الفصائل ورفض حماس لحضور إجتماع للفصائل في رام الله؟ وكأن هناك تبادل أدوار لرفض أي مصالحة في وطن تصادره أمريكا وإسرائيل ، ومواقف متشنجة لا ترقى للكارثة القادمة لتصفية القضية الفلسطينية أمام أعينهم.

د. طلال الشريف

المصدر: -

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت