الحاج أبو عوض: النكبة جرحنا النازف والذاكرة لا تشيخ

نكبة

لم تخب جذوة الحنين إلى الديار في ذاكرة المُسن محمد كمال أبو عوض، وإيمانه بحتمية العودة إلى قريته الزِّيب قضاء عكا التي هُجِّرَ منها قسراً قبل 72عاما على يد العصابات الصهيونية، رغم تقادم سنوات اللجوء والتشرُّد.

الحاج محمد (80عاماً) الذي حطت به الرحال في مدينة غزة بعد رحلة عذاب طويلة بدأت منذ العام 1948، ما زال يتمسك بالأمل في العودة، رغم الجرح النازف منذ عقود.

في أيار من كل عام، يُحيي أبناء شعبنا في الوطن والشتات ذكرى نكبتهم وتهجيرهم، واقتلاعهم من أراضيهم، وقيام "إسرائيل" على أنقاضها، مطالبين المجتمع الدولي وأحرار العالم بالعمل لتنفيذ حق اللاجئين في العودة إلى ديارهم وممتلكاتهم وفق قرار الأمم المتحدة رقم 194.

وقال الحاج محمد لوكالة الأنباء الفلسطينية الرسمية "وفا": عندما تحلّ ذكرى النكبة كل عام أشعر بغصّة ومرارة كبيرة، أستذكر ما حصل قبل 72 عاماً وكأنه بالأمس القريب، لا يغيب عن مخيلتي أبداً كيف هُجِّرنا من قريتنا الزِّيب على يد العصابات الصهيونية وخرجنا بملابسنا التي نرتديها.

عاد أبو عوض بالذاكرة إلى الوراء: "عندما دخلت العصابات الصهيونية القرية خرجنا من البلد مشياً على الأقدام مسافة 50 كم تقريباً إلى منطقة رأس الناقورة، ومنها ركبنا سيارات لبنانية إلى قرية جويا، ومكثنا فيها مدة شهر، ومن ثم ذهبنا إلى صور، وبعدها ركبنا القطارات إلى سورية، ومكثنا أسبوعاً في منطقة النيرب في حلب، وبعدها بحوالي شهرين إلى منطقة أخرى اسمها أعزاز، ومنها إلى معرّة النعمان وبعدها استقر بنا الحال في مخيم اليرموك بدمشق".

وتابع: "عانينا الأمرّين ونحن نتنقل من مكان إلى آخر حتى وصل بنا المطاف إلى سوريا قبل أن ينتقل جزء من عائلتنا إلى مخيمي النيرب وحماه للاجئين في سوريا، وبعدها ومع عودة السلطة الوطنية إلى أرض الوطن عام 94 عدنا مع قوات الثورة الفلسطينية، واستقر بنا الحال في غزة".

"كنا في ديارنا نعيش معززين مكرمين، ولم نكن نتخيل يوماً أن نفقد كل ما نملك في رمشة عين، ورغم أننا نعيش في وطننا 'وفي غزة الجزء العزيز والأصيل من الوطن'، ما زلنا نحيا على أمل أن يأذن الله لنا بالعودة إلى مسقط رؤوسنا، ولكن رغم كل المآسي والعذاب على مدار تلك السنوات ما زلنا كلاجئين متمسكين بحقنا في العودة إلى قرانا ومدننا التي تم تهجيرنا منها، قال أبو عوض بحرقة.

أما زوجته وابنة عمه الحاجة سلوى (67 عاماً) فقالت: "رغم أنني ولدت في أحد مخيمات اللجوء في سوريا ولم أكن على قيد الحياة لحظة النكبة والتهجير، إلا أنني ما زلت أحفظ في ذاكرتي كل ما حدثني عنه والداي وأعمامي عن معاناة التهجير واللجوء.

وأضافت: "لن أنسى أبداً اللوعة والحسرة التي كانت تلازم والداي كلما كانا يحدثانني أنا وإخواني عن بلدتنا الزِيب ومدى شوقهم وحنينهم للعودة إليها".

وأكدت أنها بدورها تحدث أبناءها وأحفادها عما حدثها إياه والداها وأعمامها، لتزرع بداخلهم حب وطنهم وحقهم في العودة إليه مهما طال الزمن، لأنّ حق العودة مقدّس ولا يسقط بالتقادم حسب وصفها.

وتابعت، 72 عاماً من العذاب والمعاناة والآلام، والتشريد في أصقاع العالم، 72 عاماً من الشجب والاستنكار والتنديد الدولي، وما زال شعبنا رغم كل هذه الرحلة الطويلة من القهر الألم، ورغم المعاناة والتضحيات الجسام التي طالت كل ممتلكاته وحتى أرواحه الطاهرة التي لم ترتكب أي ذنب غير كونها مدموغة بالهوية الفلسطينية، ما زال يحمل هويّته ووطنه في قلبه.

تقع قرية الزيب على الساحل عند مصب وادي القرن، وعلى بعد 14 كم عن عكا، وبلغت مساحة أراضيها عام 1945م، 12607 دونمات، واستغل منها 2950 دونمات لغرس البرتقال و2000 دونم لغرس الزيتون، بلغ عدد سكان القرية سنة 1948 قبل التهجير 2216 نسمة، كانوا يعتاشون على الزراعة وصيد الأسماك.

وكانت القرية تضم 11 خربة وبقايا قرية (عميعاد) الكنعانية، وأرضيات، وصهاريج، ومدافن، ومعاصر، أما اليوم فأقيمت على أراضيها خمس مستعمرات وهي ليمان، وجيشر هزيف، وتساهال، وعبرون، وكفار عفدون.

بعد تهجير أهل القرية وهدم بيوتهم لم يبق فيها سوى المسجد القائم حالياً بجانب شواطئ البحر الأبيض المتوسط، والمقبرة الإسلامية التي تبعد عن المسجد ما يقارب 300 متر خارج متنـزه أخزيف الحالي.

وقال الجهاز المركزي للإحصاء في آخر تقرير له العام الماضي في ذكرى النكبة: إن عدد الفلسطينيين تضاعف 9 مرات منذ النكبة ليبلغ بنهاية 2018 نحو 13.1 مليون نسمة، منهم 6.02 ملايين لاجئ.

وأضاف، أن نحو 28.4 بالمئة من اللاجئين يعيشون في 58 مخيما رسميا يتبعون وكالة الغوث وتشغيل اللاجئين (أونروا)، بواقع 10 مخيمات في الأردن، و9 مخيمات في سوريا، و12 مخيما في لبنان، و19 مخيما في الضفة الغربية (بما فيها القدس)، و8 مخيمات في قطاع غزة.

ولفت إلى أن البيانات الحكومية لعام 2017 أظهرت أن نسبة اللاجئين الفلسطينيين تشكل 43 بالمئة من مجمل السكان الفلسطينيين المقيمين في دولة فلسطين.

وتشير البيانات إلى أن نحو 950 ألف فلسطيني هُجّروا من قراهم ومدنهم من أصل 1.4 مليون فلسطيني كانوا يقيمون في فلسطين التاريخية عام 1948 في 1300 قرية ومدينة فلسطينية.

وسيطر الاحتلال الإسرائيلي بعد النكبة على 774 قرية ومدينة فلسطينية، دمر 531 منها بالكامل، وخلال هذه المرحلة، اقترفت العصابات الصهيونية أكثر من 70 مجزرة بحق الفلسطينيين أدت إلى استشهاد ما يزيد عن 15 ألف فلسطيني.

المصدر: - تقرير: حسام المغني