تعتقد «التنفيذية» أن بياناتها ستنجح في التمويه على غياب دورها القيادي الميداني
■ قد نقرأ بعض التباينات في تصريحات أركان الإدارة الأمريكية، بما في ذلك تصريحات سفيرها في تل أبيب، ديفيد فريدمان.
تتراوح التصريحات بين الاستعداد الأمريكي الجاهز للاعتراف بقرار الضم، خلال أسبوعين من اتخاذه على يد حكومة التحالف الجديدة في إسرائيل (فريدمان).
... وبين تصريحات تنسب إلى الرئيس ترامب وبطانته، تدعو نتنياهو إلى عدم التسرع في الضم، وترهن هذه الخطوة بضرورة عقد مفاوضات مع الفلسطينيين، باعتبارها العملية الوحيدة لجرهم إلى المشاركة (والموافقة) على «صفقة ترامب ـ نتنياهو»، وأن أية خطوة نحو الضم، دون مشاركة الفلسطينيين، من شأنها أن تغلق الطريق أمام خطة ترامب للنجاح.
واضح هنا، أن ترامب (وإدارته في واشنطن) يأخذ بعين الاعتبار الموقف العربي الذي لم يعلن رفضه للخطة منذ الأساس، بل دعا الفلسطينيين إلى التعامل معها بليونة، وأن يأخذوا منها «الإيجابيات» وأن يرفضوا السلبيات، وفق معادلة، لدى بعض العواصم العربية، أن إشراك الفلسطينيين في لعبة المفاوضات، تحت سقف الصفقة، والزج بهم في الموافقة عليها، وجعلهم شركاء فيها، من شأنه أن يسهل على هذه العواصم أن تعلن تأييدها الواضح والتام للخطة، وأن تعتبر الاتفاق الفلسطيني ـ الإسرائيلي إنهاء لحالة الحرب، وانتقالاً إلى حالة السلم، ما يبرر، حينئذ، التطبيع العلني مع دولة الاحتلال، وإقامة مشاريع التعاون معها، بما في ذلك التعاون الإقليمي في إطار الحلف الذي تدعو له الصفقة في مواجهة، ما بات يسمى بالمعايير الأمريكية الإسرائيلية، الخطر الإيراني على المنطقة.
لا شك في أن رؤية ترامب، هذه المرة، تنظر إلى الأمور نظرة استراتيجية، لا تهمل المصالح الإسرائيلية في الضم، وقيام إسرائيل الكبرى، لكنها في الوقت نفسه، لا تهمل المصالح الأمريكية، في استكمال خطوات بناء الحلف الإقليمي، الذي يوفر لها الهيمنة التامة على المنطقة، ويعزز موقعها في مواجهة الوجود الروسي، وفي الحسابات الدولية الأخرى.
أما بومبيو، وكما يبدو فإنه يحاول أن يمسك العصا من الوسط، كما يقال، موازناً بين «الحق السيادي لإسرائيل» في ضم الضفة الفلسطينية، ومصالح بلاده على الصعيد الإقليمي.
في جميع الحالات، تبدو لنا «رؤية ترامب ـ نتنياهو» أكثر خطورة من رؤية فريدمان وبومبيو، وعلى فرض أن هناك تباينات في الرؤى الثلاث، فترامب يحرص على اكمال خطته بجر الجانب الفلسطيني إلى المفاوضات، ليكون شاهداً على تصفية قضيته، ويدخل «شريكاً هامشياً» في المشروع الأمريكي، تعطى له بعض الفئات، عبر حكم إداري ذاتي، له ملامح «الدولة»، دون أن يمتلك أياً من مقومات هذه الدولة.
* * *
أما اللجنة التنفيذية في م. ت. ف، التي تنبهت مؤخراً أنها الهيئة القيادية الأعلى في المؤسسة الوطنية الفلسطينية، وعقدت لنفسها اجتماعاً، كان فيه أعضاؤها مجرد مستمعين ومعلقين على مداخلات رئيس الحكومة اشتيه، حول أداء حكومته في مواجهة كورونا، وأمين السر صائب عريقات، حول اتصالاته الدولية والعربية لاستحضار مواقف التأييد للقضية الوطنية، والرفض لمشروع الضم، ... لم تجد هذه الهيئة ما تقوم به سوى إصدار بيان، عالي النبرة، تكرر فيها مواقفها المؤيدة والمنددة والمتنكرة والشاجبة وغير ذلك من العبارات، التي أصبحت محور القاموس السياسي للبيانات الفلسطينية.
وحتى في الرد على الدعوة الأمريكية للمفاوضات تحت سقف «صفقة ترامب ـ نتنياهو»، تلعثمت اللجنة التنفيذية، ودعت إلى صيغة تفاوضية غامضة، بديلاً لصيغة ترامب المرفوضة، فتجنبت أن ترسم معايير الصيغة البديلة، في إطار مؤتمر دولي بقي في بيان اللجنة التنفيذية بلا ملامح، علماً أن المجلس الوطني الفلسطيني (30/4/2018) كان شديد الوضوح في دعوته لمؤتمر دولي، بإشراف الأمم المتحدة، وبموجب قراراتها ذات الصلة، يخلص إلى نتائج ملزمة، تكفل الحقوق الوطنية المشروعة للفلسطينيين، في دولة مستقلة عاصمتها القدس على حدود 4 حزيران (يونيو) 67، وحل قضية اللاجئين بموجب القرار 194، الذي يكفل لهم حق العودة إلى الديار والممتلكات التي هجروا منها منذ العام 1948.
ونعتقد أن ما يعيق اللجنة التنفيذية عن تقديم بديل واضح لاقتراح ترامب، لا علاقة له بالرفض المبدأي والثابت للصفقة الأمريكية ـ الإسرائيلية، بل له علاقة بأن اللجنة التنفيذية تترك لنفسها هامشاً للبحث عن صيغة «دولية» لمؤتمر، قد تشكل حلاً وسطاً، كأن تكون الدعوة تحت رعاية الرباعية الدولية، التي ما زالت أوساط سياسية فلسطينية تراهن على إمكانية إعادة إحيائها، علماً أن الجميع، خاصة أطراف الرباعية أنفسهم، يدركون أن وظيفة الرباعية الدولية قد استنفذت، وأنها أدت ما عليها من دور، وأن الولايات المتحدة قدمتها للحالة العربية «هدية» تعويضاً عن جرائمها في غزو العراق وتدميره، وللإيحاء بإمكانية الوصول إلى حل «دولي» للقضية الفلسطينية، خارج إطار الاستفراد الأمريكي.
لنتذكر تماماً أن الرباعية الدولية غادرت المسرح السياسي مع قدوم الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، وأن وزير خارجيته جون كيري، رفض، حتى في أحلك ساعات وساطته بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، اللجوء إلى الاستعانة بالرباعية الدولية، وبالتالي ليس الرهان على الرباعية (على سبيل الافتراض) ليس إلا انفصالاً عن الواقع، ومحاولة لخلق بدائل، طوى التاريخ صفحتها، خاصة وأنها فشلت في إنجاز المطلوب منها بما يتناسب وقرارات الشرعية الدولية، فكيف الحال في مواجهة إدارة أمريكية، تقوم استراتيجيتها على نسف الشرعية الدولية، وفرض الوقائع بالقوة، معياراً بديلاً للحل.
* * *
تندرج استراتيجية اللجنة التنفيذية في معالجة الأمر السياسي، بإصدار البيانات الإعلامية بين فترة وأخرى، تعود بعدها إلى مغادرة المسرح السياسي المنظور لشعبها، خاصة وأنها باتت عارية من عناصر القوة حين فقدت دوائرها التي من شأنها أن تمد في علاقاتها، إن الصعيد الجماهيري في مناطق تواجد الشعب الفلسطيني كافة، أو على الصعيد السياسي، عربياً ودولياً. وبات الأفراد فيها وبات أفراد منها يختصرون دورها في ظل الحالة الهامشية التي تعيشها.
وبات واضحاً أن التنفيذية تعتقد (واهمة) أنه كلما اتسمت بياناتها بالتشدد اللفظي في مواجهة السياسية الأمريكية، كلما موهت على غياب دورها الميداني، وعجزها عن اتخاذ قرارات عملية تواجه الإجراءات والسياسات العملية للجانب الإسرائيلي.
ما نخشاه أن تكون شمس اللجنة التنفيذية في ساعات الغروب الأخيرة، بحيث تصبح هيئة هامشية، إلى الحد الذي لا يشعر فيه الفلسطينيون بوجودها
معتصم حمادة■
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت