اليرموك، وابو غازي الهدروس، ونمر المهرجي ... وشُبيبة نوح ابراهيم

بقلم: علي بدوان

علي بدوان

كانت ومازالت على الدوام افراح واتراح مخيم اليرموك، مناسبات وطنية قبل ان تكون مناسبات خاصة لهذه العائلة او تلك، خاصة في العقود الثلاثة الأولى، وحتى العقود الأربعة الأولى من عمر النكبة، وقبل ان نشهد الإنتشار الطافر لصالات الأفراح المُعلبة. وقد بانت خلال تلك المشاركات والمساهمات العادات والتقاليد المتأصلة في المجتمع الفلسطيني، في المجتمع الريفي، والمجتمع المدني، والمجتمع القبلي، وغيره من التشكيلات الإجتماعية الموجودة في فلسطين. حيث يَجمَع مخيم اليرموك كل تلك التلاوين، وإن كانت الغلبة للطابع الريفي من حيث الحضور والإنتماء السكاني، مع تواضع الحضور المديني الفلسطيني إجمالاً.

 

ومن بين المناسبات، كانت الأعراس، التي اكتسبت فولكلوراً خاصاً بها، مع هذا الإختلاط الفلسطيني، بين مجتمعات الريف والمدينة، والإنتماء القبلي لبعض المجموعات السكانية الفلسطيني باليرموك. فَبَدَت العادات والتقاليد راسخة، ومنها الدبكة الفلسطينية، واستخدام الأدوات البسيطة التي تُعطي لتلك الفعاليات واغانيها لحنها الحنون والدافىء. فكانت شُبِيبة الشهيد (نوح ابراهيم) وكتاباته ساطعة في اداء تلك الحفلات، خاصة ماكتبه أثناء ثوة العام 1936 في فلسطين. وكانت اعراس (غوارنة) فلسطين علامة فارقة لجهة جماليتها، وتميّزها، ومهارات الدبكة واستخدام اليرغول، لكنها كانت تنتهي اغلب الأحيان بــ "طوشة"، كان لابد منها، حتى تكتمل طقوس العُرس وفولكلوره الخاص. "طوشة" بالعصي والحجارة.

رويس دبكة

اشتهر من عازفي المجوز والشبيبة واليرغول في مخيم اليرموك، اسماء كثيرة جداً، كان منهم، وفقد ماتوارد في ذاكرتني الآن، المرحوم أبو عبد الله الصرفندي (يوسف عطية) (من حارة الفدائية شارع مفلح السالم) عازف المجوز والشبيبة في أفراح مخيم اليرموك في تلك السنوات العابرة، ومن الشخصيات الدائمة الحضور في اعراس وافراح فلسطين قبل النكبة في قضاء وقرى حيفا، وبعدها في مخيم اليرموك. الى جانب عازف المجوز أبو فوزي الطنجي (من الطنطورة قضاء حيفا). وتوهان، وحسن شريتح... وكان الأعتق والأبرز من بينهم المرحوم (خالد طحيمر) وهو من مواليد 1897 في فلسطين، ومن مخيم خان الشيح، لكنه كان دائم الحضور في حفلات اليرموك. مساهماً بــ الضرب على (اليرغول)، وقد توفي رحمه الله عام 1995.  (ويابو الشبيبة شَبّبّ  عسنك ... خلي الصبايا تتعلم منك).

خالد طحيمر

أما الزجل الشعبي، فكان المرحوم أبو سعيد الحطيني، شاعر الثورة الفلسطينية، صاحب الحلم الدائم بالعودة إلى فلسطين. فهو علماً من اعلام فلسطين، منذ ماقبل النكبة الى جانب الزجال : فرحان سلام، وابو السعود الاسدي، وابو غازي الاسدي، واخيه المرحوم ابو عاطف، وتوفيق الريناوي، ومن بعدهم الأجيال التالية مثل : فتحي صُبح، والبكار ... من الذين كانوا يعملون في اذاعة صوت فلسطين من دمشق لسنواتٍ طويلة.

أبو غازي الهدروس

أما رويّسة الدبكات : فكان منهم ملك الدبكة المرحوم أبو غازي الهدروس، والمرحوم نمر المهرجي، وابو عرسان حمدان، وغيرهم وغيرهم…

نمر المهرجي

المرحوم نمر عبدالله المهرجي، رحمه الله، ملك الدبكات ورويسها، من مواليد بلدة (لوبية) قضاء طبريا عام 1939، وتوفي عام 1998. الرجل الأمين والوفي، وصاحب الحضور، ومُطلق الأهازيج الشعبية في الأعراس : يابنتي يلي عالسطوح ... طلي وشوفي رجالنا .... عريسنا زين الشباب ... زين الشباب عريسنا ...

اضافة لترديده الأغنية الوطنية التي ذاع صيتها في ثورة العام 1936 وكتب نصها الشاعر الشهيد (نوح ابراهيم)، واجرى عليها المرحوم الشاعر (أبو الصادق) بعد التعديلات، بعد انطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة، وقد أدّاها غنائياً ايضاً المُبدع حسين منذر :

كنا نغني بالأعراس
جفرا عتابا ودحية
واليوم نغني برصاص
ع الجهادية الجهادية
* * *
القسام بين الثوار
آية زتونة شبرية
وآان لما يهب الإعصار
تشتي الدنيا حرية
* * *
شوي شوي وصار الصوت
يدوي بلهجة شعبية
ضد الظلم وضد الموت
والغاصب والذلية
* * *
وتغير صوتي ياولاد
صار أعلى المية المية
ويا بلادي يا أحلى بلاد
إنتِ أحلى غنية

***
موال الثورة موال
بدمي بقلبي وعنيّه
والمهرة لقت الخيال
ويا ربعي ردوا عليّ.

***

اليرموك، علامة صارخة من علامات النكبة، ودالة كبيرة، لاتمحوها مأساة، تم تدبيرها في كُحل الليالي، فالمأسي تمضي ومعها من دبرها وحاكها، والشعب يبقى

 

بقلم علي بدوان

 

المصدر: -

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت