واقع العلاقات الصينية الأمريكية .. تناقض وتباين مسارات

بقلم: حكم طالب

حكم طالب

نود في هذا المقال في إطار قراءة تشخيصية تسليط الضوء على واقع العلاقات الصينية الأمريكية وتبيان انعكاساتها وتداعياتها على الوضع الدولي ودوافعها لما لها من أهمية على هذا الصعيد ، ونظراً لما تتمتع جمهورية الصين الشعبية من سمات وميزات في الماضي والحاضر وحتى في المستقبل ، أسهمت وتسهم في تعزيز مكانتها ودورها حيث تجسد ذلك في مساحتها الكبيرة وتعدادها سكانها وموقعها الجغرافي المتميز وحضارتها التي تعد من أقدم الحضارات في العالم منذ آلاف السنين والصين مهد الحضارات ، ولعبت دوراً مهماً في مجال العلوم والفنون والاختراعات العلمية وفي إطار البحث العلمي وهذه أدت إلى الارتقاء والتقدم والنهوض بالأمة الصينية وصولاً للهدف المنشود - مجتمع رغيد الحياة - ارتباطاً بسياسات الإصلاح والانفتاح والذي أدى زيادة مطردة في النمو الاقتصادي  في العقود الثلاث الأخيرة وفي الاستثمارات الأجنبية داخل الصين وكذلك نمو الاستثمارات الصينية في الخارج أدى إلى أن أصبحت  ثاني قوة  اقتصادية تصديراً واستيراداً في هذا العالم ومولدة لفرص العمل مما أسهم في الحد من نسب البطالة وإتباعها سياسة الحوكمة والحكم الرشيد وإتباعها مبادئ النزاهة والشفافية  والمحاسبة وتجسد ذلك في سياسة الحزب الشيوعي الصيني في مكافحة ومحاربة كل مظاهر الخلل والفساد مهما كان مستواه في صفوف الحزب وفي كافة أجهزة الدولة .

انطلاقا من هذه المقومات التي تتمتع بها الصين تعزز موقعها ومكانتها ودورها على الصعيد الدولي ، فهي عضو دائم في مجلس الأمن الدولي وتلعب دوراً مهما في مختلف التكتلات الدولية على قاعدة تعزيز أواصر التعاون ، ولها علاقات اقتصادية مميزة مع الكثير من دول العالم ومنها العربية  ( الحزام والطريق ) أيضاً من خلال عقد الاتفاقيات الاقتصادية استنادا إلى المنفعة المتبادلة لا بقصد السيطرة ولا الهيمنة والفائدة تعود للجميع وهذا المبدأ التي تنتهجه في سياساتها ونهجها الذي يستند على مبدأ أساس والمتمثل بالاشتراكية ذات الخصائص الصينية ذات الأبعاد الثلاث الطريق والنظرية والنظام ومرتكزاتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية ، وهذا واضحاً في إدارتها ومكافحتها لفيروس كورونا ، وتعاملت معه بمنتهى الجدية والصرامة وعدم الاستهتار ، وأعطت أهمية وقدسية للإنسان وعملت بكل جهد على كافة المستويات من أجل حمايته والحفاظ عليه ولو كان على حساب الاقتصاد ومد يد العون والمساعدة لجميع الدول بلا استثناء لبناء عالم متعاون مشارك ، وبالإضافة إلى مواقفها المبدئية تجاه الشعوب وحق تقرير مصيرها وكذلك حرصها على القانون الدولي وقرارات الشرعية ذات الصلة بذلك . 

بناء على ما سبق من معطيات وبإطلالة مختصرة على واقع الصين وحالة التطور والنهوض الحاصلة فيها ونظرا لتوقعات العديد من الباحثين والمحللين وأصحاب الرأي بان تتربع على عرش العالم كقوة عالمية متسلحة بقوة اقتصادها وبقوة أخلاقها وحرصها على عالم متطور ومتحضر متعاون بعيد عن كل أشكال الهيمنة والسيطرة ونهب خيرات وثروات دول العالم وهذا الرقي والتقدم والازدهار جاء نتيجة نضال متواصل وتضحيات كبيرة قدمتها الأمة الصينية في هذا الطريق الطويل والشاق وهذا بالطبع لا يرضي الولايات المتحدة الأمريكية والتي تمثل الامبريالية العالمية المتوحشة وتجسد سياسة القطب الواحد بعد المؤامرة الكبرى على تجزئة الاتحاد السوفييتي وتفكيكه من خلال سياسة " البروسترايكا " والانفتاح وباعتبار أمريكا القوة العظمى التي تمارس سياسة الهيمنة والسيطرة على العالم ونهب خيراته ومقدراته مستخدمة كل الوسائل المتاحة للتدخل  من سياسية وعسكرية عشرات القواعد العسكرية في جميع أنحاء العالم وسياسة التهديد والوعيد والضغوط التي تمارسها على العديد من الدول وتسيطر على كل المؤسسات الدولية مثل منظمة التجارة العالمية ، وكذلك سياسة البنك الدولي من خلال إغراق الدول في القروض والديون والشركات المتعددة الجنسيات عدا عن التدخل في شؤون الدول الداخلية وسياسة التفتيت والتجزئة وإثارة النعرات الطائفية والتدخلات في الربيع العربي وغيرها والاحتلال العسكري المباشر كالعراق وأفغانستان وسوريا، ومن خلال الدور الذي تقوم به دولة الاحتلال كقاعدة استعمارية متقدمة لها وأداة من أدواتها تنفذ سياستها في الاستعمار والهيمنة والسيطرة .

استنادا لذلك تشن أمريكا هجوما على الصين للحد من تطورها الزاحف نحو تصدر العالم من خلال الوقوف ضدها في كل المحافل الدولية وتشويه سمعتها والتحريض عليها والتدخل في كثير من الأحيان في شؤونها الداخلية والحرب التجارية والتضييق على اقتصادها المتطور والعمل لإعاقة تطوره ونموه وتوجيه التهم إليها في موضوع فيروس كورونا وتحميلها مسؤولية تصدير الفيروس ، حيث تأخرت أمريكا في الإجراءات واستهزأت بالأمر وتقاعست والذي أدى إلى تفشي الفيروس وانتشاره وقتله لأكثر  من ثمانين ألف مما أحرج إدارة ترامب ووضعها في محل النقد والمساءلة على عدم اللامبالاة والإهمال والاهتمام بالاقتصاد على حساب الإنسان وصحته .

وأخيراً من خلال تشخيصي لواقع العلاقة الأمريكية الصينية والذي يشوبها التوتر بين الحين والآخر والتصريحات المتبادلة من الطرفين ، وهنا أجسد هذا الصراع بين النظام والقانون وصولاً إلى عالم يتسم  بالحريات وحقوق الإنسان والإنصاف والعدالة الاجتماعية عالم رغيد الحياة  والذي تجسده الصين بتوجهاتها ورؤاها وفكرها وبين الفوضى وشريعة الغاب والانقلاب على القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة وسياسة العربدة والنهب والسلب لإرادات الشعوب وثرواتها وفرض رؤيتها على العالم والمتمثل في أمريكا من خلال ما تتخذه من إجراءات وسياسات، فالنصر يتحقق من خلال  النضال والإرادة والتصميم والثبات.

إن تجربة الصين غنية ومهمة تستحق الدراسة والوقوف أمامها يستفاد منها في مجال السياسة والحكم والإدارة ، وبالمناسبة قمت بالاطلاع ودراسة تجربة الرئيس الصيني تشي جي بينغ ، حقيقة تجربة ملهمة تستحق التقدير وانصح بقراءتها لأخذ الدروس والعبر منها.

 

بقلم : حكم طالب *

  • كاتب فلسطيني
  • عضو المكتب السياسي لجبهة النضال الشعبي الفلسطيني

 

 

المصدر: -

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت