وضع نتنياهو 34 مقعدا في حكومته الخامسة كي يرضي الطامحين من أطراف الائتلاف وحزبه الليكود على حد سواء.وبدا في جلسة التنصيب بالكنيست كمن أزاح كابوسا ثقيلا، تبدأ هواجسه بانتهاء حياته السياسية وتختتم بالجلوس على مقعد الاتهام في قاعة المحكمة.
وبعد عشر سنوات متواصلة من الحكم، يرى نتنياهو في مدة ولايته على رأس الحكومة الخامسة مدى كافيا لإنجاز الحلقة الختامية في مشروعه الاستعماري،عبر إنجاز مخطط الضم وإعلان قيام دولة إسرائيل الكبرى بعاصمتها القدس الموحدة.
وربما هذا أحد الأسباب التي جعلته يصر على تحديد الأول من تموز القادم، موعدا للمباشرة بإجراءات الضم عند التوقيع مع غانتس على اتفاق تشكيل الحكومة
بدأت إدارة ترامب ولايتها بمقاربة جديدة حول الاستيطان وضعته في موقع «لا يتعارض مع السلام»، وكانت هذه المقاربة من الأسس التي قامت عليها «الصفقة»، التي طرحت عند إعلان شقها السياسي أن الضم أيضا مبرر على هذا الأساس. ولم يخرج نتنياهو عن هذا الإطار عندما أعلن في خطاب تنصيب الحكومة الجديدة أن إجراءات الضم تخدم السلام وتعجل بحلوله.
وعلى الرغم من الحديث عن اختلاف ما بين واشنطن وتل أبيب حول آلية الضم وتوقيته، إلا أن حكومة نتنياهو، وسابقاتها، تعرف أن الولايات المتحدة بإداراتها المتعاقبة عارضت الاستيطان على طول الخط، لكنها لم تمنع وقوعه وانتشاره، قبل انطلاق عملية التسوية وخلالها وما بعدها.وعلى ذلك، ولا يجد نتنياهو مبررا للقلق حول مسار تحقيق الضم في ظل وجود إدارة أميركية متحمسة للمشروع التوسعي الإسرائيلي، وانتقلت من حالة الدعم والحماية لهذا المشروع إلى موقع الشراكة في تحقيق أهدافه عبر المبادرة بالتنفيذ.
ومع ذلك، الحديث الأميركي عن أهمية التفاوض الإسرائيلي مع الجانب الفلسطيني لايتوافق مع أجندة نتنياهو المستعجلة في مباشرة إجراءات الضم. وربما هذه هي زاوية التباين الأساسية وربما الوحيدة بين الطرفين حول هذه القضية، حيث يعتبر نتنياهو أن التفاوض والضم مسألتان مستقلتان عن بعضهما البعض، على اعتبار أن إدارة ترامب نفسها أكدت على أن الضم مسألة إسرائيلية خالصة. ويريد نتنياهو أن يكون التفاوض في مرحلة لاحقة تكون فيها إجراءات الضم قد قطعت شوطا كبيرا على الأرض. ويكون بالتالي قد فات الوقت كي يجد الجانب الفلسطيني مايفاوض بشأنه في حال قبل ذلك.
وعلى الرغم من أن واشنطن لم تبد اعتراضا معلنا على أهداف نتنياهو، إلا أنها تريد أن تكون هي من يضبط إيقاع تطبيق هذه العملية، من زاوية ربط جميع محاور الصفقة في إطار تحقيق مصالحها في عموم المنطقة، وفي سياق التحكم بمسار الضغوط على الأطراف المعنية ربطا بهذه المصالح . ويبدو أن لدى إدارة ترامب توقعا بأن تنجح ثنائية الضغوط و«الحوافز» المالية التي تستخدمها في إحداث تغيير ما في موقف الجانب الفلسطيني يفتح على إجراء شكل من الحوار، يمكن توظيفه في تسويق المشهد كمقدمة لـ «التفاوض». ومن الطبيعي أن تحرص الإدارة الأميركية على تقديم نفسها كصاحب حل «تتفاعل» معه جميع الأطراف، ولو بدرجات مختلفة، على أبواب الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة.
في ظل هذا التباين غير الأساسي بين نتنياهو وفريق ترامب، أعلن مايسمى «مجلس المستوطنات» في الضفة الفلسطينية المحتلة رفضه لـ«الصفقة» لأنها بحسب بيانه «تتضمن موافقة مبدئية على إجراء مفاوضات» مع الجانب الفلسطيني، بما يضمن له «دولة مستقبلية»، بالإضافة إلى أنها تنص على «تجميد التوسيع الاستيطاني في البؤر الاستيطانية المعزولة»، ويمنع الحكومة من ضم نحو نصف المنطقة «ج». ولايحتاج الأمر الى الكثير من التنقيب حتى نكتشف أهداف الرسالة التي يريد نتنياهو إرسالها إلى الإدارة الأميركية أولا على لسان مجلس المستوطنات، ويمكن اختصارها بالقول إن التأخر في إجراءات الضم وربطها بالتفاوض سيفتح على المزيد من الاحتجاجات التي يريد أصحابها تحقيق أكثر مما تطرحه لهم الصفقة في نصوصها.
وهي رسالة أيضا إلى المؤسسة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية التي حذرت من تداعيات المباشرة بالضم من طرف واحد على الاستقرار في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وهذه رسالة تحذير مضاد من مغبة عدم المباشرة على استقرار الوضع الإسرائيلي الداخلي.
ويدرك نتنياهو أن التأخير في المباشرة في إجراءات الضم يعني شطب أحد أسس اتفاق تشكيل الحكومة، والذي يعتبر النص عليه انجازا على طريق تحقيق مشروعه، ولهذا الأمر تداعياته خاصة أنه يترافق مع اعتراضات دولية واسعة وحادة حذرت إسرائيل من خطورة تنفيذ مخطط الضم وهددت باتخاذ إجراءات عقابية ضدها كما فعل الاتحاد الأوروبي مؤخرا. يضاف إلى ذلك أصوات إسرائيلية طالبت بإعادة العملية السياسية وفق أسس المرحلة السابقة، ويمكن اعتبار هذه الأصوات كصدى للخطاب الذي يقدمه مرشح الحزب الديمقراطي في الولايات المتحدة في هذا الشأن على أبواب الانتخابات الرئاسية، وهي على كل حال دعوة إلى الدخول في النفق المظلم السابق. ومع ذلك، فإنها تشوش على مساعي نتنياهو للتسريع في إجراءات الضم.
وفي هذا المجال، يلعب المستوطنون دورا كبيرا في الدفع باتجاه حسم هوية الأراضي الفلسطينية المحتلة لجهة تهويدها وتمكينهم من الاستيلاء على معظم مناطق الضفة الفلسطينية، ويقدم لهم الليكود وعموم معسكر اليمين، واليمين المتطرف كل أشكال الدعم، باعتبارهم الرافعة الأساسية في بقاء هذا المعسكر ممسكا بدفة الحكم، وحافظوا على تأييده على امتداد السنوات السابقة، على العكس من جمهور كثير من الأحزاب والتحالفات الصهيونية التي رفعت شعار إسقاط نتنياهو، ثم انفرط عقدها، وكانت بوابة نتنياهو للعودة منتصرا إلى رئاسة الحكومة من جديد.
ومن المهم التأكيد على أن الحديث عن تباين مابين نتنياهو وفريق ترامب حول محددات الضم في الآلية والتوقيت، لايمس من قريب أو بعيد شراكة الطرفين في مشروع تصفية حقوق الشعب الفلسطيني، وهو مسقوف تحت هذا الهدف الذي لايدع مجالا للتفكير من قبل أي كان باحتمال وجود مساحة بين الطرفين تتسع لتموضع طرف آخر يسعى إلى تحقيق هدف يتعاكس مع غايات المشروع الأميركي ـ الإسرائيلي. فالمكان الوحيد الطبيعي لمن هو ضد هذا المشروع هو في خندق مقارعته في الميدان وفي السياسة.
محمد السهلي
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت