فكرة أو سلوك يتكرر دوماً بحيث يصبح ظاهرة لا يمكن أن نتخيل هذه الفكرة أو ذاك الشخص بدونها، والأنماط تتحول إلى عادات وتقاليد تتأصل مع الوقت في المجتمعات، وهناك صور أو أفكار نمطية من الصعب تغييرها، وقد يكون أثرها سلبي أو ايجابي.
فلسطينياً لدينا صوراً نمطية في الاعلام لم تكن جميعها صناعتنا بشكل مباشر في ظل سيطرة الكيان الصهيوني عالمياً على الاعلام، وعدم استطاعتنا اختراق العديد من القنوات الاعلامية لنقول أو نعرض وجهة نظرنا كضحية للاحتلال الاسرائيلي الذي لم ولن نختاره يوماً، لو قُدِّر لنا الاختيار! فالانسانية الحقيقية تفرض علينا حتماً اختيار المحبة والسلام والهدوء والاستقرار.
انطلاقاً من هذه الفكرة، فإن هناك صوراً نمطية ساهم النظام السياسي بصناعتها، وبعض مؤسسات المجتمع المدني، فحين نذكر أن فلانة ناشطة نسوية، يعتقد الكثيرون أن نشاطها هذا نابع عن عُقد أو نقص ما أو علاقة مشروخة مع رجل ما في حياتها، لا انتقص هنا من الناشطة وقد نشطتُ شخصياً في هذا المجال وكلي فخر أنني من المدافعات عن النساء كفكرة وكيان هو جزء من مجتمع يقع عليه ظلم ما، وذلك دون أن انتقص من دور الرجل ومناقبه أو أهمية وجوده بحياتنا.
ومن الصور النمطية التي صنعها نظامنا هو بطريقة اختياره الوزراء لعدد من المؤسسات الحكومية، بتنا نعرف مثلاً أن وزارة المرأة تقودها غالباً امرأة ليست من الوسط النسائي الداعم والمدافع عن المرأة للأسف، امرأة لا تقدم الجديد والتغيير في القوانين المجحفة والظالمة للمرأة ولا حتى على صعيد الخطاب التوعوي في هذا السياق، لقد خضت تجربة دراسة عميقة لعمل هذه الوزارة على مدى أربعة سنوات، ونشرتُ النتائج في أربعة مقالات نقدية تحت عنوان "يوميات وزارة" ولم يكن هناك خطة أو هدف ما تسعى للوصول إليه ولا حتى خطاب نسائي يستند إلى الحقوق، وكان الأثر أكثر سلبية حين يتم اختيار امرأة من منظور عملها السياسي، فتتحول الوزارة إلى منبر سياسي وساحة تنظيمية فقط وليس منبراً للحصول على الحقوق والمفاهيم الاجتماعية الظالمة!
نشتاق لتختار الحكومة شخصية في قطاع المرأة تكون مؤثرة وتستطيع أن تغير الصورة النمطية عن المرأة بشكل عام والمرأة الفلسطينية بشكل خاص، نيل الحقوق وتغيير المفاهيم أو تحسينها يحتاج لدور غير نمطي، وشخصية قادرة على أن تعكس المرأة الفلسطينية بجمالها وثوبها وانسانيتها، جريئة تستطيع أن تقود التغيير في المجتمع، مدافعة شرسة عن هذا الكيان بأنوثته وقوته، تدرك احتياجاته الاجتماعية والتشريعية والنفسية.
صرنا نعرف أيضاً أن وزارة السياحة هي المقعد المسيحي بغض النظر عن الكفاءة والخبرة والانجاز، وزيرها يتألق فقط في أعياد الميلاد المجيد بحضور الرئيس ورئيس الوزراء، فيما تمر باقي شهور السنة عادية، فلا نلاحظ أن هناك موسماً سياحياً في الخليل أو سبسطية أو تل تعنك أو أريحا..
نشتاق لأن تختار الحكومة لوزارة السياحة شخصية تستطيع تغيير الصورة النمطية السائدة لفلسطين بأنها حزينة وغير جميلة تعيش حرب شوارع دائمة، كما تبدو في الأخبار، شخصية جريئة في استقبال وفود سياحية تأتي عبر الكيان الصهيوني والترحيب بهم عالياً: أهلا بكم في فلسطين. وزيرٌ أو وزيرة تحفظ معالم هذا البلد الجميل، وحكايات أهله، قادرة على التعريف بتراثنا ومواقعنا السياحية. نشتاق لاختيار وجه مؤثر يعكس جمالنا الداخلي، بهِ دِماءٌ جديدة شابة قادرة على التحرك بحيوية وابتسامة من موقع لآخر، وفي الوقت ذاته حماية المشهد السياحي والأثري الذي هو في صميم صراعنا مع الاحتلال الاسرائيلي.
أن نختار وجوهاً غير نمطية لحقائب وزارية تحتاج لتغيير منظورنا النمطي السلبي غالباً عن المرأة الفلسطينية.. والأرض الفلسطينية.. ليست مجرد أحلام!
بثينة حمدان
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت