هبّ بني مخزوم دفاعا عن أبي جهل لكن قوة وهيبة حمزة أوقفتهم فقالوا: "ما تراك يا حمزة إلا قد صبأت فقال حمزة: "وما يمنعني وقد استبان لي منه ذلك، وأنا أشهد أنه رسول الله، وأن الذي يقول حق، فوالله لا أنزع، فامنعوني إن كنتم صادقين"، فقال أبو جهل والدماء تسيل من رأسه: "دعوا أبا عمارة، فوالله لقد سببت ابن أخيه سبا قبيحا"، فأدار وجهه متجها إلى بيته ولا صوت يسمع إلا حديثه لنفسه: "لوددت أنه ما قالها ورأت مكة عزة بني عبد المطلب ولو كلفني ذلك حياتي، رحمك الله يا أبا طالب لو أمرتنا بمنع ابن أخينا محمد بالقوة ما ترددنا لحظة لكنك خشيت الفتنة، ومحمد يأبى ذلك ويدعو الناس إلى دينه بالحكمة والموعظة الحسنة، إيه يا محمد لكم كنت قريبا مني ابن أخي ووصية أمي ابنة عم أمه رحمها الله وثويبة أرضعتنا فهي أمنا معا، ولقد عشت وإياك ظهرا بظهر جمعني وإياك الطفولة في حضن عبد المطلب وكنت الصديق المخلص والمحب وكنت فيمن طلبوا لك زوجك خديجة، تحنّثتَ في الغار وخلوتُ في الصحراء ألاحق الغزلان وأصطاد الأسود، ثم أتيتنا بأمر النبوة ودعوتنا إلى عبادة الله وحده لا شريك له وننزع عبادة اللات والعزى ومناة، هه، وكأن بها خيرا ولكنها دين آبائنا وواقع مكة ولو دانت مكة بغيرهم فأين مكانة مكة وتجارتها.
وبعد؛ فقد حلفت بأنني لا أنزع، ولعلهم أوقعوني من قبل حين كنت أدافع عن محمد وأمنع من يؤذونه بالرفث وجزور الإبل ومنهم أبو لهبٍ أخي فأقول لهم نكاية نعم أنا على دينه، ولكني قلتها الآن في مجلس القوم وبين كبار مكة، فماذا أصنع، هذا محمد قد فرق بين الأب وابنه والأخ وأخيه، أتباعه قلة لكن فيهم بعض الأشراف ووالله ما كان لمثلهم أن يضلوا، ولما جمع محمد أهله فقال بـ"أن الرائد لا يكذب أهله، وأنه لا يغني عنا من الله شيئا" ودعانا إلى اتباعه ونصرته ما شدّ أزره وناصره إلا علي بن أبي طالب، ولكنه كان وسيظل في حمى أبناء عبد المطلب وما كنا نتركه ولو هلكنا جميعا، ولكنه يريدنا على دينه ولو أطعناه لقيل بأن بني عبد المطلب تآمروا على الناس بهذا الدين ليفرقوا بينهم ويكون لهم المجد في السماء كما لهم في الأرض، لكن اتبعه الناس فلم يرتبط دينه بعشيرته ولا قومه.
إيه يا ابن أخي ما لك ولهذا. للموت خير لي مما صنعت، أترك دين آبائي وأتبع هذا الصابئ، أوقعتني هذه الأمة في أمر لا أدري له مخرجا، لقيتني وقالت أن أبا الحكم قد سبه وشتمه وما هي بالمرة الأولى، ولكنني لا أرضى لابن أخي أن لا يرد إهانة هذا المتكبر الذي يطمع بالسيادة على مكة، وأبو طالب سيدها وعميدها، وكرامة محمد من كرامتي وكرامة بني عبد المطلب، وتمالكت نفسي ولم أسحب سيفي بل شججت رأسه كرامة لأبي طالب ووأدا لفتنة لا أول لها ولا آخر، ولعله منع قومه إذ قاموا يصدون عنه لأنه يعلم أنني تركت ديني غضبة لابن أخي ولو تحداني ما عدت إليه أبدا، وأنّى له أن يعلم بالصراع الذي يدور في صدري منذ بدأ دعوته، وكيف له أن يعلم أنني حين أجوب الصحراء أعلم بأن الله لا يمكن أن تحويه جدران. اللهم إن كان ما صنعت رشدا فاجعل تصديقه في قلبي وإلا فاجعل لي مما صنعت مخرجا، كيف سأواجه أبا طالب والعباس، كيف يكون وقع الخبر على أبي لهب، كيف سأحافظ على مكانتي بين شباب مكة وشيبها، أفففف؛ مالي وللناس؛ لأذهبنّ لابن أخي وأستمع منه فإن كان حقا فأنا أولى الناس بابن أخي، وإن كان غير ذلك فأنا من يعلم، وما كان يمنعني أن أستمع له من قبل؟!!
والله لا أدري؛ لعله الخوف من الفتنة ولعل تلك الفتنة هي درب الحق والفلاح بالدنيا والآخرة يمنعني منه الشيطان". - ابن أخي إني وقعت في أمر لا أعرف المخرج منه وإقامة مثلي على ما لا أدري ما هو أرشد هو أم غي شديد فحدثني حديثاً فقد اشتهيت يا ابن أخي أن تحدثني.
فاستبشر النبي عليه السلام وبدأ يذكره ويعظه ويبشره ويخوفه، فانهزمت وساوس الشيطان في نفسه واطمأن قلبه بالإيمان وانطلق أسد الله ورسوله يعلن للناس بأن نور الله سيعم الدنيا برغم الكافرين.
- أشهد أنك الصادق، شهادة الصادق العارف، فأظهر يا ابن أخي دينك، فوالله ما أحب أن لي ما أظلته السماء، وأنا على ديني الأول.
حمدت الله حين هدى فؤادي * * * إلى الإسلام و الدين الحنيف
لدين جــاء من رب عزيز * * * خبير بالعباد بهـم لطــيف
إذا تليـت رسائله علــينا * * * تحدر دمع ذي اللب الحصيف
رسائل جاء أحمد من هداها * * * بآيات مـبيَّنة الحـروف
وأحمد مصطفى فينا مطاع * * * فلا تغشوه بالقول العنيف
فلا والله نسلّمه لقوم * * * ولما نقض فيهم بالسيوف
ونترك منهم قتلى بقاع * * * عليها الورد كالورد العكوف
أسامة نجاتي سدر
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت