سرقة الثقافة والتاريخ الفلسطيني الحلقة الخامسة عشرة *
شرعت الحركة الصهيونية في سبيل تحويل مزاعمها وأكاذيبها إلى حقائق على الأرض الفلسطينية في ظل جهل أوروبي وأمريكي شعبي بتاريخ فلسطين وافتقاد العرب لآليات دحض تلك الإدعاءات على المستوى العالمي بل لدرجة وصلت ترويج بعض المغردين العرب بصحة تلك الأكاذيب ، شرعت للترويج عن اكتشافات أثرية مزعومة تعود لأجدادهم الذين كانوا يقطنوها وجرى تشريدهم منها ، في أكبر سرقة عرفها التاريخ على مر العصور ، وساعدهم على النجاح في تنفيذ أحلامهم بالخداع والأكاذيب تجربة الرجل الأوروبي الذي صنع في بلاد الهنود الحمر ما صنع ، فما صنعته دولة الاحتلال الصهيوني في ذلك كان بمد بريطاني أمريكي منذ بداية احتضانهما الهجرة اليهودية لفلسطين ، وازدادت شراسة بعد قيام دولة الاحتلال العبرية على الأرض الفلسطينية في العام 1948..
حيث بدأ العدو الصهيوني يصنع لنفسه تاريخاً معتمداً في ذلك على سرقة ثقافة الشعب الفلسطيني ، بعدما تمكن من تشريد شعبها من مدنه وقراه بمجازر إرهابية نفذها خلال وما بعد النكبة عام 1948، في خطوات مدروسة بهدف تجريدها من عروبتها وتدمير ذاكرة شعبها..
وقد هدف المشروع الصهيوني من التطهير العرقي مسح أي ذكرى لهم في وطنهم ، وهو الجزء الأول من المشروع الصهيوني لسرقتها ونسبها إليهم .. فمعلوم أن المهاجرين اليهود المستقدمين من شتى أنحاء الدنيا لفلسطين لا تجمعهم ثقافة واحدة بل ثقافات تمثل ثقافة البلدان التي قدموا منها ، فعمدت الصهيونية لتكوين ثقافة موحدة لهؤلاء من خلال سرقة الثقافة الفلسطينية لبناء الهوية اليهودية المزعومة على حساب الشعب العربي الفلسطيني.
فكانت بداية السرقة بعدما تم ترحيل ما يقرب من 800 ألف فلسطيني في نكبة 1948 بالقوة الجبرية العسكرية المدعومة بالقوات البريطانية، فحل اليهود عندها بمنازل الفلسطينيين، وبُنيت المغتصبات اليهودية فوق قرى فلسطينية بعد أن استبدلوا أسماءها العربية بأخرى عبرية.. ولم يكتفوا بذلك بل سرقوا ممتلكات الفلسطينيين الثقافية من فنون وأدوات موسيقية وكتب من المنازل والمكتبات والحرف الفنية التي تركها أصحابها خلفهم، وهذا يمثل تطهيراً عرقياً مدروساً إلى جانب التطهير الجسدي.
فالذاكرة الفلسطينية إذن كانت مستهدفة ليصنع اليهود لأنفسهم تاريخاً وثقافة زائفة خدمة لمشروعهم الصهيوني الذي لطالما أطلقوه بأن فلسطين أرض خالية من البشر ومن سكنها لا يمتلكون ثقافة أو تاريخاً وما فيها من تاريخ وثقافة يعود لأجدادهم .. وروجوا لتلك الأكاذيب باكتشافات تاريخية مزعومة في المجتمع الغربي الذي يجهل تاريخ الأرض الفلسطينية عبر الصحافة الأمريكية خاصة بتلقيق أخبار تحمل عناوين تشد قارئها وتوحي بأنها تعود لليهود كـ اكتشاف مجوهرات مثلاً تعود لهم قبل 3000 عام خاصة في القدس ونابلس والقصد من وراء ذلك تهويدها .
فالتهويد مشروع بدأ وما زال مستمراً بدليل ما نراه من تغيير تقدم عليه سلطات الاحتلال في معالم مدينة القدس وغيرها من المدن والآثار الفلسطينية والتي منها تغيير معالم باب العامود بالقدس وتحويله لمنطقة أمنية مغلقة لتسهيل عملية تحكم قوات الكيان الصهيوني بالمظاهرات والمواجهات مع الفلسطينيين عن طريق تشييد مزيد من الأبراج الأمنية ليستطيع الاحتلال من إحداث فروقات جذرية في هذه المنطقة التاريخية توحي بيهودية المكان.
عبدالحميد الهمشري – كاتب وباحث في الشأن الفلسطيني
[email protected]
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت